صمت مريب وكلمات كالكلمات

صورة تذكارية للقادة العرب على هامش قمة القاهرة الطارئة (الأناضول)

هل ما زلنا أمام صمت مريب لا يقطعه إلا كلمات كالكلمات إزاء صعود الصهيونية إلى مرحلة متقدمة من العربدة الإسرائيلية وجنون الإمبراطورية الأمريكية؟

حسنا أن نطقت القمة العربية بالقاهرة في 4 مارس/آذار 2025، ببعض ما يريح الرأي العام، وتبنت الخطة المصرية لإعمار غزة والتقاط الأنفاس بديلا لمخطط التهجير الترامبي، وإن أسدلت الغموض على الكثير.

بعد أسبوع من القمة، تغيب الأفعال والبناء على الموقف المتخذ بالقمة وكلماتها. ويعود الصمت المريب ليغمر النظام الرسمي العربي، بينما أعلنت السلطة الفلسطينية وحماس مع أربع دول أوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا) ترحيبها بالخطة، ورفضت تل أبيب، وترددت مواقف واشنطن بين الرفض واللامبالاة والتفكير في “عناصر إيجابية”.

في لعبة الكلمات، أحصيت ببيان القمة ومقرراتها الثلاثة والعشرين ورود عبارة “التأكيد على” 13 مرة، و”دعوة” 7 مرات، و”إدانة” 6 مرات، و”ضرورة” 5 مرات. وإذا أضفنا غياب كلمتي “المقاومة” و”حماس” تماما، مع ذكر الرئيس الأمريكي “ترامب” في سياق إيجابي، يطري ويمتدح، وبعشم وغشم؛ فسندرك غلبة القعود داخل مربع الكلمات والتمنيات، وعبث الانتظار بلا أفعال في أوقات حرجة كالسيوف القواطع، ولا حول ولا قوة، بل ولا إرادة.

شعب رهينة

عقاب جماعي إجرامي

هل عقلاني ومنطقي وواقعي وقانوني وإنساني ألا يملك النظام الرسمي إجراء واحدا أو تلويحا بإجراء إزاء أخذ ما بقي من الشعب الفلسطيني فوق أرضه رهينة التجويع والإبادة والتشريد وكلل هذا العقاب الجماعي، نظير ما بقي من أسرى المستعمرين أحياء أو أمواتا لدى المقاومة، وبعد موجات تهجير قسري جراء المجازر الاستعمارية العنصرية تتوالى منذ نكبة 1948؟

ولماذا الامتناع ولو عن توصيف هذا المنطق الإجرامي الجنوني عند تل أبيب وواشنطن بما يستحق؟

تهديد باستئناف الإبادة

لم يسمع العالم كلمة واحدة واضحة من النظام الرسمي العربي أو أركانه ترتقي إلى التهديدات الصهيونية الإسرائيلية الأمريكية باستئناف حرب الإبادة على غزة وفتح أبواب الجحيم على نحو 2,3 مليون إنسان. وقد اقترنت باستئناف تزويد آلة الحرب بما كان معلقا من “السوبر قنابل” الأمريكية.

لا نطلب ولا ننتظر من هذا النظام الرسمي العربي تسليح مقاومة شعب تحت الاحتلال ما زال يواجه خطر الإبادة للدفاع عن الحق في الحياة، وإن كان هذا حق له وواجب عليه. ولن نقول تكلموا عن مشروعية المقاومة بكافة الوسائل ودعمها.

لكن بالله عليكم، ما جدوى كلمات كالكلمات مع تكرار الدعوة عبثا إلى قوات دولية بالضفة وغزة بديباجة بيان القمة والبند 11؟ أو الاكتفاء بكلمات كالكلمات بالبند7: “أولوية قصوى لاستكمال تنفيذ وقف إطلاق النار”.

قطع شرايين

الحياة عن اللاجئين

قطع الإمبراطور الأمريكي مساهمة واشنطن في تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، هذا الشريان أو الوريد الذي يمد بأسباب البقاء 1,4 مليون في 58 مخيما من بين 5,8 ملايين لاجئ مستحق لعونها، وفق إحصاءات كانت للمنظمة الدولية قبل الحرب الأخيرة على غزة، وإلى أن يحين أوان تطبيق قرارات الأمم المتحدة بعودتهم إلى ديارهم وتعويضهم.

قبل قرار الإمبراطور، اتخذت كنيست وحكومة الاحتلال أكثر الإجراءات عدوانية وقسوة وتبجحا ضد الأونروا، وتجرأت تل أبيب على ما لم تقم به من قبل منذ النكبة.

فهل تفضل هذا النظام الرسمي العربي، برد عملي أو دبلوماسي في الأمم المتحدة؟ وهل تجرأ على إعلان تحديه لتدمير الأونروا؟ ولو بوعد بتغطية الأموال المقرر منعها عن الوكالة؟

وهل تكفي كلمات البند 16 المتعامية عن قرار الإمبراطور الأمريكي، المكتفية بدعوة المجتمع الدولي والدول المحبة للسلام إلى تقديم الدعم للأونروا؟

 

الضفة الغربية والقدس

فماذا يبقى؟

فور عودة الإمبراطور الأمريكي إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2025، أصبح واضحا أننا أمام الاستهداف المعلن الأخطر لفلسطينية الضفة الغربية واستكمال ضمها إلى إسرائيل، وإعادة تهجير أهلها قسريا.

فهل سأل من سينضم إلى قطار التطبيع، أو يعد بذلك لمجرد إعادة إنتاج أوهام الدولتين، ماذا بقي لفلسطين ومنها؟ وهل يقبل إنسان، ولا نقول عربيا ولا مسلما ولا مسيحيا، على نفسه التسليم بابتلاع ما بقي من القدس؟ وهل سمع أحد بتحرك للجنة القدس التي يرأسها عاهل المملكة المغربية؟

وهل تكفي كلمات البند 13 التي لم تخرج عن قاموس: “المطالبة” و” تأكيد الرفض”؟ ودون التجرؤ بإشارة إلى مواقف وأفعال إدارة ترامب مباشرة أو بصيغ غير مباشرة.

انتهاك كل هدنة

وعودة العقيدة التوسعية

تفيد دروس التاريخ في الحروب والمواجهات المسلحة مع إسرائيل منذ 1948، أنها لا تحترم هدنة ولا اتفاقا، بل تعود لممارسة الاعتداءات والاحتلال، وتفرض وقائع جديدة على الأرض.

بل ها هي تعود لاستئناف عقيدة التوسع، وتحتل المزيد من الأراضي بسوريا ولبنان وبغزة على حدود مصر، وذلك بعدما ساد الاعتقاد بأن انسحابها من جنوب لبنان 2000 وغزة 2005 نهاية هذه العقيدة.

فلماذا الاستهانة بانتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار في جنوب لبنان وغزة، وشن الغارات على سوريا؟ ولماذا الصمت على عدم انسحاب قواتها المعتدية المحتلة مما سيطرت عليه مؤخرا بجنوب لبنان وسوريا وغزة؟ وهل سمعنا إلى الآن عن تقدم المجموعة العربية بالأمم المتحدة أو أي من أركان النظام الرسمي العربي بمبادرة تجبر المعتدي المحتل على الانسحاب؟

أين هذا النظام من استئناف القتل بلبنان وغزة منذ اتفاقي وقف النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 و19 يناير/كانون الثاني 2025، وبحصيلة 24 و116 شهيدا على التوالي حتى أمس الأول 9 مارس/آذار 2025؟

وهل تكفي كلمات ككلمات البند 9 للقمة: “العمل على حشد الضغوط الدولية لفرض انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة بما فيها سوريا ولبنان، وذلك عبر التنسيق اللازم من خلال مجلس السفراء العرب وبعثات الجامعة العربية بالعواصم المختلفة”؟

وهل كلمات كالكلمات تكفي لمواجهة استحداث مناطق عازلة لتأمين الاحتلال (قرى بجنوب لبنان وجنوب دمشق). وهل هذه الكلمات تتناسب مع تحدي استغلال أزمات المواطنة بالدول المحيطة بفلسطين، لبسط حماية القوة الصهيونية والعسكرية وجهارا نهارا على دروز سوريا فعلوييها؟

غطرسة أوهام

القوة الوحيدة

تقف تل أبيب لتهدد، متكئة على صكّ أمريكي على بياض، بأنها القوة العسكرية الوحيدة في المنطقة القادرة على أن تنال من الجميع.

لننس اتفاقية الدفاع العربي المشترك المنسية بالأصل، التي جاءت اتفاقات الصلح والقبول بالصهيونية منذ السبعينيات لتضعها تحت أحذية علوية هذه الاتفاقات عليها، ومعها هذا التطبيع المجاني مع كيان بالأصل غير طبيعي.

فهل تحدت دول بالمنطقة غطرسة القوة هذه، باستثناء إيران بقيود مصالح الدولة، وتركيا نوعا ما؟ وهل من العقلاني والمنطقي والواقعي، وبحسابات الأمن القومي للدول المعنية بهذه التهديدات، ألا تعود إلى المطالبة بنزع سلاح إسرائيل النووي؟

وهل يمكن القبول بمنع أي دولة أخرى في المنطقة من محاولة امتلاك هذا السلاح من أجل تحقيق التوازن والردع مع تل أبيب النووية؟

*

إجمالا، هل أجابت قمة 4 مارس عن أي من الأسئلة السابقة إجابة يستقبلها الإنسان العربي باطمئنان وثقة؟

إذا سلمنا بإيجابية تبلور موقف عربي رسمي حول الخطة المصرية بديلا عن تهجير غزة واكتفينا به، فما هي أوراق الضغط وآليات التنفيذ أو خريطة العمل؟ وماذا بعد؟ وهل هناك بعد؟

الناس، وبخبرة ما سبق من قمم، تخشى كثير الكلام، ما لم يترجمه ولو قليل الأفعال.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان