ماذا إذا غابت حماس؟

الشهيد يحيى السنوار قائد حركة حماس (منصات التواصل)

إذا اتفق أغلب المنصفين على أن الخطر الصهيوني يهدد الأمة العربية والإسلامية ولا ينحصر تهديده في الأراضي الفلسطينية؛ فسيصبح من البديهي النظر بريبة إلى الدعوات التي تنادي بإزاحة أكبر حركة تحرر وطني في المنطقة، بما لها من خبرات وتجارب نضالية خاصة، صهرتها السنوات والمواجهات والتضحيات والخلفية الثقافية.

وتلك الدعوات مغرضة لعدة أسباب أولها: تهديد الأمن القومي العربي بإزالة شوكة المقاومة الأكبر من حلق أخطر كيان استعماري توسعي في عصرنا الحالي، والدليل على ذلك؛ الاعتداءات العسكرية، والمخططات المعلنة، والتهديدات التي طالت معظم الدول المحيطة بالأراضي المحتلة، بل والشرق الأوسط كله.

السبب الثاني الدال على خبث هذه الدعوات؛ هو أن إقصاء المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس، أمر بالغ الضرر بالقضية الفلسطينية، لأن الأحداث والوقائع والشواهد تؤكد أن حركة حماس هي الأقدر على مواجهة العدو، وهذا ما أكدته البيانات والاعترافات الرسمية من العدو نفسه، “والفضل ما شهدت به الأعداء”.

تفوق حماس

الحقيقة التي فرضت نفسها على الساحة الإقليمية والعالمية الآن هي أن حماس لديها من التجربة والنضج والصلابة والصمود واليقظة، والدراية بأعماق الشخصية الصهيونية ما جعلها خصمًا متفردًا ورقما صعبًا لا يتكرر في المعادلة الدولية.

ومن أجل تلك المقومات أصبحت حماس باعتراف قادة الكيان أنفسهم؛ الخطر الوجودي الأول المهدد للكيان الصهيوني.

وتُظهر الأحداث والمفاجآت التي تظهر يوميًّا، منذ بداية اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلى أي حد قد نجحت حماس في إدارة الصراع عسكريًّا وسياسيًّا منذ بداية حرب طوفان الأقصى وحتى الآن.

من كان يصدق أن نتنياهو بكل حيله وألاعيبه، وبكل هذا الدعم الدولي المقدم له، قد أصبح عاجزًا أمام الأزمات الداخلية والمفاجآت التي تفجرها حماس بحسن أدائها وسياستها وقراءتها للمشهد.

ففي أسبوع واحد اعترض مكتب نتنياهو على مراسم تسليم الأسرى التي كانت بمثابة قنابل نفسية تُلقى في العمق المجتمعي الإسرائيلي، كما فوجئ مؤخرًا بأخبار تكشف وجود محادثات أمريكية مباشرة مع حركة حماس، وجاء ذلك وهو لم يفرغ بعد من الأزمة التي صعدت على السطح دون علمه بعد نشر نتائج التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيلي مؤخرًا حول أحداث هجوم السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى).

وقد أشارت نتائج التحقيق بشكل ضمني إلى تفوق حماس وانتصارها، في حين شملت بشكل مباشر وصريح الاعتراف بالإخفاق التام والفشل في الجانب الاستخباري، والسياسي، والعقيدة العسكرية، إضافة إلى الاستخفاف بقدرات حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، كما شملت الإقرار بالفشل في مهمة حماية المدنيين الإسرائيليين.

وكما هو متوقع رفض نتنياهو كل دعوات الاستقالة أو الإقرار بمسؤولية الفشل في التعامل مع الهجوم، حتى بعد أن أقر رئيس الأركان الإسرائيلي المنتهية ولايته هرتسي هاليفي بأخطاء الجيش، واستعداده لتحمل المسؤولية كاملة.

الغوص في أعماق العدو

الوقائع والشواهد تؤكد أن حماس لم تكتف بالقراءة السطحية للشخصية الصهيونية باعتبارها النواة لكيان محتل عدواني مرتبط بمشروع أكبر للهيمنة على المنطقة العربية، بل غاصت أكثر في أبعاد الشخصية وخلفيتها وظروف نشأتها ومراحل تطورها، وطرق تفكيرها.

وقد كشفت لقاءات أجريت مع قادة المقاومة كيف تعلم معظم أسرى حركة حماس في السجون الإسرائيلية اللغة العبرية، وكيف تخصص كثير من القادة بشكل دقيق في دراسة الشخصية الصهيونية والفكر الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي، وقد أشار بعضهم إلى التقارير والاجتماعات الطويلة التي كانت تُجرى لدراسة العدو واحتمالات التصرف، والردود المتوقعة للمؤسسات الإسرائيلية والقادة فردًا فردًا.

ولا غرابة في أن القائد التاريخي للحركة يحيى السنوار قد أتقن اللغة العبرية ودرس الكيان الإسرائيلي بشكل جيد، وترجم العديد من الكتب الإسرائيلية الأمنية والسياسية، وينقل القيادي محمود مردواي كيف قال السنوار: “ستندمون، اقرأ وتعلم اللغة العبرية فهي مفيدة وستندم إذا لم تتعلمها”، كما يحكي كيف تعلم اللغة مع أول شهور أسره وصار يتحدث بها مع السنوار ويتناقشان في أمور عميقة.

ويشير إلى الاهتمام البالغ من قبل الأخير بدراسة شخصيات رؤساء الوزراء ورؤساء الأركان الصهاينة والمقارنة بينهم في كل شيء حتى في المظهر العام والعلاقات مع الزوجات، ومدى تأثيرهن في صناعة القرار.

النجاح في قراءة الخصم

تتناقل وسائل التواصل الإسرائيلية الخبر بفخر في حين تأتي التعليقات موضحة للسبب؛ نفهم لغتكم للتعرف على مخططاتكم، أو لنتعرف على دماغ الخصم، من عرف لغة قوم أمن شرهم، أول خطوة للانتصار على العدو هو تعلم لغته، الرغبة في متابعة الأحداث والأخبار العبرية من مصدرها الرئيسي للوقوف بدراية كاملة على ما ينشره الاحتلال الإسرائيلي.

أشار مسح أُجري بعد بداية العام الدراسي الحالي إلى تزايد نسبة الطلاب العرب من شرق القدس الذين يتعلمون اللغة العبرية خاصة بين طلاب المدارس الثانوية.

وتبين أن معظم الطلاب الذين يختارون تعلم اللغة العبرية يفعلون ذلك من خلال دورات عبر الإنترنت تقدمها المؤسسات التعليمية.

وتدعي إسرائيل غير مصدقة أن الإقبال المتزايد على تعلم اللغة العبرية يدل على رغبة الطلاب في فتح آفاق أوسع للاندماج في سوق العمل في إسرائيل أو الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي إضافة إلى الرغبة في التعرف على الثقافة العبرية والمجتمع اليهودي.

ظل الجميع في حيرة من أمره اتجاه هذا الإقبال الغزي المتزايد على تعلم اللغة العبرية بعد أن كان مقتصرًا فقط على العاملين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.

وفي حين حذر البعض من اللغة العبرية مخافة التطبيع إلى الدرجة التي رفض فيها بعض الأدباء العرب والغربيين ترجمة أعمالهم إلى العبرية؛ كانت وزارة التعليم العالي في حكومة حماس بغزة قد أقرت في عام 2013م تدريس اللغة العبرية مادة اختيارية للمستويين التاسع والعاشر، ثم عادت وقررت سحبها من المقررات التعليمية بعد أن تباينت الردود على هذا القرار.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان