كندا تفوز في الهوكي فماذا عن “المعادن الحرجة”؟

مارك كارلي رئيس وزراء كندا المنتخب أعلن أن بلاده ستنتصر في الحرب التجارية ضد أمريكا (الأناضول)

تهيمن كندا على بطولات “هوكي الجليد” أحد أكثر اللُّعب الرياضية شعبية في الدولة الواقعة قريبًا من الدائرة القطبية الشمالية، وتعتبر كندا قوة عظمى في اللعبة التي تُمارس على الجليد حيث بلغ رصيدها تسع ميداليات ذهبية أولمبية للرجال وخمسًا للنساء، وثمانية وعشرين لقبًا لبطولة العالم للرجال واثنا عشر للنساء.

ورغم أن هناك تنافسًا تقليديًّا بين كندا والولايات المتحدة فإن الأرقام تشير بوضوح إلى سيطرة كندية دولية على اللعبة، لكن تنافسا من نوع آخر يجري بين الجارتين ليس فقط على ميداليات الذهب في الرياضة بل على المعدن الأصفر ضمن ثروة كبيرة تحتضنها كندا وتطمع فيها الولايات المتحدة.

تعهد بالفوز

في أول خطاب له أمس الأول (الاثنين) بعد فوزه بزعامة الحزب الليبرالي ليصبح رئيسا للوزراء خلفا لجاستن ترودو، تعهد مارك كارلي وهو محافظ سابق للبنك المركزي الكندي بأن تنتصر بلاده في الحرب التجارية ضد أمريكا قائلًا “في التجارة كما في الهوكي سوف تفوز كندا”.

استخدم رئيس الوزراء الجديد تفوق بلاده الرياضي وانتصاراتها المتكررة على أمريكا للإشارة إلى رغبته في حسم الصراع التجاري بين الجارتين تمامًا كما تحسم بلاده مباريات “هوكي الجليد”.

الشريك الأول

تُعتبر الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول لكندا، كما أن العلاقات التجارية بينهما من بين أكبر الثنائيات في العالم، وفي عام 2024 بلغ إجمالي التبادل التجاري للسلع بينهما نحو 762 مليار دولار، وبلغت الصادرات الأمريكية إلى كندا نحو 349.4 مليار دولار، والواردات الأمريكية من كندا حوالي 412.7 مليار دولار؛ مما نتج عنه ميل العجز التجاري لصالح كندا بقيمة 63.3 مليار دولار.

وتُظهر الأرقام استمرار كندا في تحقيق فائض تجاري مع الولايات المتحدة في 2024 تمامًا كالسنوات السابقة، فقد بلغ العجز لصالح كندا 53.5 مليار دولار في 2022، وبلغ 41 مليار دولار في 2023.

الخلافات القديمة

لم تفجر قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من كندا خلافًا جديدًا بين الجارتين، فالخلافات موجودة منذ سنوات لكن طريقة حلها كانت تتم عبر التفاوض أو التحكيم، والملاحظ أن الخلافات التجارية التي أثارت توترًا ظاهرًا بدأت خلال فترة ترامب الأولى (2017-2021) عندما وصف اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية (NAFTA) بأنها “أسوأ صفقة تجارية في التاريخ”، وأصر على إعادة التفاوض حولها مع كندا والمكسيك حيث تم استبدالها باتفاقية جديدة هي “USMCA”.

في 2018 هدد ترامب بفرض جمارك بنسبة 25% على واردات السيارات الكندية، وبرغم أنه لم ينفذ تهديده فإن تصريحاته أثارت التوتر وأعطت انطباعًا بعدم استقرار العلاقات خاصة بعد فرض قيود أكثر صرامة على السيارات الكندية؛ مما تطلب تغييرات في خطوط الإنتاج، كما فرض ترامب شروطًا جديدة على واردات الأخشاب وقطاع الألبان الكندي؛ مما دفع أوتاوا إلى تقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية.

وفي 2018 تم فرض رسوم جمركية أمريكية على واردات الصلب الكندية بنسبة 25٪ وعلى الألومنيوم بنسبة 10٪ وردت كندا بفرض رسوم على سلع أمريكية مختلفة؛ مما تسبب في خفض التبادل بين البلدين فتم إلغاء الرسوم من الجانبين.

بريق المعادن

استهدف ترامب في رئاسته الأولى قطاع التعدين الكندي، وهو قطاع مهم حيث تعتبر كندا من الدول الرائدة في التعدين وتحتل المرتبة الثالثة عالميًّا في تقديرات حجم الموارد الطبيعية والاحتياطات بأراضيها التي تتجاوز 40 تريليون دولار، وهي من بين أكبر الدول المنتجة للمعادن مثل الذهب، والألمونيوم، والنيكل، والنحاس، واليورانيوم، والزنك، وتعتبر كندا أكبر منتج في العالم للبوتاس الذي يستخدم في صناعة الأسمدة ولديها احتياطي منه يتجاوز مليار طن، كما أنها تعتبر ثاني منتج في العالم لليورانيوم بعد كازاخستان.

وعند إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية أصر ترامب على إدراج بنود تسمح لأمريكا بالوصول إلى الثروات المعدنية في الأراضي الكندية بشروط تفضيلية وضغط لضمان الحصول على المعادن دون قيود وبأسعار مميزة.

وقد شجعت واشنطن شركات التعدين الكندية على زيادة الإنتاج، في المعادن المغذية للصناعات الأمريكية، كما قدمت دعما لتأمين استثمارات أمريكية في مناجم كندية، لتعزيز سيطرة واشنطن على هذه الموارد.

المعادن الحرجة

خلال فترة رئاسته الأولى، صنفت إدارة ترامب بعض المعادن الكندية، مثل النيوديميوم، والنيكل، والليثيوم، والكوبالت، على أنها معادن “حرجة” للأمن القومي الأمريكي لأنها تُستخدم في البطاريات، وصناعات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، وأشباه الموصلات، والصناعات العسكرية، وتتجنب واشنطن الاعتماد على الصين المنتج الأول للمعادن النادرة عالميًّا، وهو ما يجعل كندا الغنية بهذه المعادن خيارًا أمريكيًّا مثاليًّا نظرًا إلى قربها الجغرافي واستقرارها السياسي.

تتعرض كندا لضغوط من واشنطن لاحتكار الثروة المعدنية أو الحصول على نصيب الأسد منها، وخلال ولايته الأولى، حاول ترامب تأمين سلاسل التوريد للمعادن النادرة، ودعم شركات أمريكية للاستحواذ على مناجم المعادن النادرة، وهدد بفرض رسوم جمركية على بعض المعادن الكندية إذا لم تحصل أمريكا على ما تريد.

ضغوط واشنطن أثارت حفيظة أوتاوا، وفجرت نقاشًا داخليًّا حول محاولة أمريكا فرض سياسات تضر بالمصالح الكندية، وهو النقاش الذي تجدد مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض ومطالبته بأن تكون كندا الولاية الأمريكية رقم 51.

كان النقاش محور جدل بين الحكومة والمعارضة في كندا وتسبب اتخاذ الحزب الليبرالي الحاكم موقفا متشددًا ضد توجهات ترامب في تقليل الهوة التي كشفتها استطلاعات الرأي بين الليبراليين وحزب المحافظين المعارض الأقرب إلى توجهات ترامب.

لا استثناءات

لا تستثني الإدارة الأمريكية الجديدة كندا بوصفها دولة صديقة من أي إجراءات أو ضغوط من أجل الهيمنة الاقتصادية والمصالح الأمريكية؛ لذا فمن المتوقع أن تطلب أمريكا من كندا تخفيض علاقاتها التجارية مع الصين التي تعتبر ثاني شريك تجاري لكندا، وإذا قاومت الحكومة الكندية الجديدة الضغوط الأمريكية، فقد يؤدي ذلك إلى توترات تجارية أو حتى فرض تعريفات جمركية كما فعل ترامب سابقًا.

توجهات ترامب كانت بمثابة جرس إنذار خوفًا من فقدان استقلال القرار الوطني الكندي، وتبدو المعادن التقليدية والنادرة حاضرة بقوة في المشهد التجاري بين البلدين، وهناك تفاصيل تقود إلى الصراع أكثر مما تدعو إلى التعاون مع اختلاف توجهات حكومتي البلدين، فبينما تعتمد كندا على تقنيات حديثة في التعدين لتقليل المخاطر البيئية وتصر على قواعد صارمة وتفرض قوانين على شركات التعدين للحد من الأثر البيئي، مثل استصلاح الأراضي بعد الانتهاء من عمليات التعدين فإن هذا البعد ليس أولوية في سياسات ترامب، الذي انسحب من اتفاقية المناخ التي كانت كندا أحد صناعها وداعميها.

ومن المرجح أن تؤدي المعادن خاصة النادرة إلى توتر في العلاقات مع زيادة الضغط على كندا لضمان تصدير هذه المعادن بشكل حصري أو بشروط مميزة لصالح واشنطن.

الأيام المظلمة

في خطابه الأول بعد فوزه بزعامة الحزب الليبرالي الكندي ورئاسة الوزراء خصص مارك كارني مساحة كبيرة لمهاجمة الرئيس الأمريكي قائلا:”إن ترامب يهاجم العمال والأسر والشركات الكندية ولا يمكن أن نسمح له بالنجاح”،  لكن كارني كشف عن مستقبل قاتم في العلاقات مع واشنطن محذرًا “هذه أيام مظلمة بسبب دولة لم نعد نثق بها”.

واستخدم الحزب الليبرالي تهديدات ترامب لتحفيز الكنديين لدعم سياساته التي لا تنسجم مع توجهات واشنطن، وفي خطاب الوداع قال رئيس الوزراء المستقيل جاستن ترودو إن “كندا تواجه تحديًا وجوديًّا من قبل أمريكا في عهد ترامب”.

لا تأتي النيران من الأعداء فقط لكنها يمكن أن تأتي من جارٍ أو صديق وهناك معارك تجارية دائرة حاليًّا بين كندا وأمريكا أهمها ما يدور في ساحة المعادن التقليدية والنادرة، والمؤكد أنها لن تنتهي سريعًا، كالبطولات الرياضية، ومع خصم لا يعترف بقواعد أو قوانين للعب فإن فوز كندا بتفوق ليس مضمونًا، مثلما هو الحال في مباريات “هوكي الجليد”.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان