شيخ الأزهر وقناة الأزهر للقرآن الكريم

صلاة التراويح في الجامع الأزهر (منصات التواصل)

لا تخطئ عين كل مراقب ومتابع لمؤسسة الأزهر الشريف، ما يقوم به من نشاط في هذا الشهر الكريم، وبخاصة ما يتعلق بصلاة التراويح، وتلاوة القرآن الكريم، وإذا كان الإعلام المحلي لم يعط الأزهر حقه في ذلك، فإن وسائل التواصل الاجتماعي قامت بهذه التغطية المهمة؛ مما جعل الناس ينظرون بانبهار شديد إلى ما يقدمه الأزهر في هذا الشهر.

شهر رمضان في مصر له مذاق خاص، ليس على مستوى الأعمال الفنية وما يروج من إعلانات، و”رمضان في مصر حاجة تانية”، بلغة الإعلانات، بل باللغة الدينية التي تتعلق برمضان فعلا، رمضان في مصر شيء آخر، وكان ولا يزال، رغم التراجع الملحوظ في قوة مصر الناعمة دينيا وثقافيا، لكن ما بقي من مساحات محدودة فيها، عند بروزها تبدو للناس مظاهر ملهمة في هذا الشعب، وفي مؤسساته الدينية المعبرة عنه، وفي قلبها الأزهر الشريف.

القراءات في تراويح الأزهر

مشاهد قليلة نقلت للناس من نشاط الجامع الأزهر، بتوجيه وإشراف من إمامه الأكبر الشيخ أحمد الطيب، رأى الناس مشهدا لا يقل بهاء عن عظمة وبهاء الحرمين الشريفين في الإفطار، وهو مشهد طلبة الأزهر وقد اصطفوا قبل أذان المغرب، ليفطروا إفطارا بسيطا في المسجد، استعدادا لما يقومون به من عبادة بعده، المشهد والمنظر حرك المشاعر، وأعاد إلى الأذهان ما سبق من ازدحام المساجد بالأئمة والمصلين والأصوات الندية، بعد أن جفف كثيرا منها وزير الأوقاف السابق مختار جمعة، ولا ندري ما يفعل الوزير الجديد أسامة الأزهري.

زاد المشهد بهاءً وجود الطلبة بين أساتذتهم الكبار من الأزهر، فجل القيادات التي تلي شيخ الأزهر مباشرة حاضرة، ليس على وجبة الإفطار فقط، بل في بقية الأنشطة حتى نهاية صلاة التراويح، فتجد الصف الأول والثاني في الغالب من ذوي العمائم الأزهرية، تتنوع الدرجات العلمية والإدارية بينهم.

انتبه الناس لإمام جديد، من أصحاب الهمم، فاقد لنعمة البصر، لكن الله أنعم عليه بالبصيرة بحفظه للقرآن، وهو طالب ثانوي، يحفظ القرآن لا يخرم منه حرفا، يتلو بصوت ندي، وليس بقراءة حفص التي يقرأ بها معظم المصريين، بل بقراءات أخرى، وكذلك كانت الصلوات بقية الليالي، قراءات مختلفة، تشعر المصلين بعظمة وحلاوة التلاوة، وتؤكد امتلاك مصر الأزهر لدولة التلاوة، كما كانت من قبل.

مشهد وجود أئمة مختلفين، بقراءات مختلفة، وبأصوات عذبة، وعلى مدار ليالي رمضان كلها، جدد الأمل للناس في الأزهر مؤسسة وطلابا وشيوخا، فلم تعد النظرة إلى دولة القراء أنها توقفت عند الكبار، ورحيل كثير منهم، بل فتحت بابا للأمل من جديد في عودتها وبقوة، وجعلت الناس يرجون أن يستمر هذا العطاء بشكل مؤسسي ومستمر، وليس على مدار شهر رمضان فقط، بل على مدار العام كله، وبشكل يومي.

قناة الأزهر للقرآن الكريم

فإذا كان الأزهر يشرف على معظم مصاحف العالم الإسلامي، خدمة للقرآن الكريم، وإذا كنا ننظر إلى كل قنوات  القرآن الكريم في العالم كله، فنرى معظمها يذيع تلاوة أئمة الحرمين الشريفين، وهم أصحاب أصوات ندية، تأثر بهم العالم الإسلامي، فإنه يظل للمدرسة المصرية عبقها ورونقها، ومن ينظر إلى قنوات اليوتيوب سيجد معظم التلاوات الأكثر سماعا وتحميلا هي تلاوات الحصري والمنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد، ومصطفى إسماعيل، ويكفي أن تركب تاكسي أو تقابل عربا أو عجما في بلدانهم، فيعلموا أنك مصري، ليسألك معظمهم عن عبد الباسط عبد الصمد، ثم الحصري والمنشاوي، فلا يزال هذا الأثر موجودا لدى هذه البلدان.

أقول هذا الكلام لنرى أنه آن الأوان لتفكر مشيخة الأزهر جادة في إنشاء قناة الأزهر للقرآن الكريم وعلومه، مرتكزة على القديم المشهور من القراء الكبار، وتكمل بالأصوات الجادة والمتقنة من المعاصرين، وما بعد جيل الكبار، وبخاصة أن قراء مصر يمتازون مع نداوة الصوت، بإتقان التجويد وأحكامه، وكذلك القراءات المختلفة.

ولا تكتفي القناة بعرض القرآن تلاوة فقط، بل إن مصر تمتلك عددا هائلا من علماء القراءات والتجويد، قل نظيره في العالم الإسلامي، وكذلك في تفسير القرآن، وإعرابه، وعلوم القرآن بكل ألوانها ومجالاتها، فكثير من علماء الأزهر، رغم أن تخصصه الدقيق لا يتعلق بالتفسير، فإنه يعدّ تخصصه سواء في الشريعة أو العقيدة، أو الحديث، جسرا مهما للعبور لفهم القرآن الكريم، وهو ما وجدناه في علماء كثر، كانت لهم كتابات متعلقة بالقرآن وعلومه، كانت غاية في الإبداع، رغم أن التفسير لم يكن تخصصهم العلمي الدقيق، والمتأمل في الكتابات التي تحدثت عن القرآن وعلومه في القرن العشرين، سيجد أن أهم ما كتب لا يخلو معظمه من عدد كبير من علماء مصر.

اكتتاب الأمة لحل أزمة التمويل

ويوم أن ينوي الأزهر فعل ذلك، سيجد كل عون من الأزهر مؤسسة، وأفرادا، وعلماء، بل من الأمة كلها، وأعلم أن العنصر المالي قد يحسب له حساب، لكنه مع الأزهر الأمر يختلف تماما، فإن شيخ الأزهر له من المكانة والمقام ما يرسخ ثقة الأمة فيه وفي مشروع كهذا، سواء للاكتتاب العام، أو للوقف، أو أن تقوم دولة مسلمة بالتمويل، والأمر لن يحتاج أكثر من الإعداد، وشحذ الطاقات والهمم، وبحكم الحال الذي تعيشه الأمة الآن من رؤيتها لصلاة التراويح في الأزهر، فقد أعطاها ذلك شحنة هائلة، وتهيئة كبرى لمثل هذا المشروع الواعد.

لقد ألمح كثيرون من أبناء الأزهر لهذا المشروع، وأعتقد أنه آن الأوان للتفكير الجاد فيه، والمضي قدما في تنفيذه، وخاصة أنه لو انطلق من الأزهر إلى الأمة، فسيكون امتدادا لعطاء الأزهر الممتد على مدى قرون في خدمة الأمة، عن طريق خدمة كتابها الخالد: القرآن الكريم، فهل ترى قناة الأزهر للقرآن الكريم النور؟ هذا ما نتمناه، وعسى أن يكون قريبا.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان