ماسبيرو المشكلة والحل (6).. كيف نخطو على الطريق؟

في الليلة الخامسة عشرة من شهر رمضان المبارك استضاف مسرح التلفزيون الشيخ ياسين التهامي في ليلة رمضانية مليئة بالروحانيات المناسبة للشهر الكريم وهي خطوة طيبة في محاولات ضعيفة الموارد المادية من أجل إحياء المبنى العتيق من ثبات طويل امتد أكثر من عشر سنوات، وفي نفس اللحظة هي محاولة من جانب الهيئة الوطنية للإعلام لتحسس إمكانياتها التي تتواجد تحت يديها لتفعيلها وتلين عجلاتها التي علاها الصدأ من عدم الاستخدام.
طاقات للمسلماني
هذه هي المناسبة الثانية خلال شهرين من جانب أحمد المسلماني رئيس الهيئة ومجلس إدارتها، وهذا يشير إلى إدراك قيمة مسرح ماسبيرو بالدور السابع في البناء الضخم وهو جزء بسيط من الآلاف من الإمكانيات غير المستغلة بداخله، لك أن تتخيل باقي طاقات المبنى من استوديوهات إذاعية تعد أكثر من عدة مئات، تلفزيونية تقارب 30 استوديو، وقطاع الإنتاج عشر أستوديوهات.
صوت القاهرة بمبناها في العباسية باستوديوهاته الخمسة واستوديو الجيب خاصتها الذي انتقلت إدارته لقطاع التلفزيون وكان يستخدم في إنتاج الدراما لصالح الشركة وعملت فيه في عمل درامي (موال الحب والغضب) إخراج مصطفى الشال وكان إنتاج الشركة التي تمتلك أيضًا مصانع كانت تستخدم قديمًا لصناعة شرائط الإذاعة والكاسيت، وشركة لإنتاجها الصوتي ومصنع إنتاج الشرائط والأسطوانات موجود بالإسكندرية، كل واحد من تلك الأماكن هو ثروة لوجستية، وبشرية وإن احتاجت لتطويرها، وتدريب العاملين فيها إلى أحدث العلوم التكنولوجيا والهندسية لمواكبة العصر.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبلشي وسلامة.. معركة الصحافة و”اللا صحافة”
فيديو القسام لإنقاذ الأسرى الإسرائيليين.. هل وصلت الرسالة؟
رسائل إلهية أم ظواهر طبيعية.. تأملات على وقع زلزال إسطنبول
يأتي بعد ذلك رغم الاختصار الشديد في رصد الإمكانيات أكثر من 150 مركزًا للإرسال تنتشر في كافة أنحاء مصر، ثم مباني واستوديوهات القنوات والإذاعات الإقليمية والتي تغطي كافة أنحاء مصر، منها راديو وتلفزيون الإسكندرية، وهو مبنى كبير على مساحة كبيرة ويحتوي على استوديوهات إذاعية وتلفزيونية، وإدارة هندسية خاصة به، وساحات كبيرة خضراء ومبنى إداري كبير ويقع بالقرب من ساحل البحر المتوسط، وكذلك هناك راديو وتلفزيون الصعيد في المنيا، والإسماعيلية، وأسوان، والدلتا في طنطا، وراديو العريش.
إحصاء مبدئي
كل هذه الطاقات الأساسية تؤول ملكيتها للهيئة الوطنية للإعلام، وهي طاقات لوجستية وبشرية تحتاج فقط للاستثمارات وتفعليها كما يجري وإن كان بهدوء تفعيل مساحة قليلة جدا في المبنى الكائن على النيل، وهناك أيضًا مبنى الإذاعة القديم في شارع الشريفين بوسط القاهرة وهو المبنى الذي شهد أول تلاوة قرآنية من الشيخ محمد رفعت في 31 مايو/أيار 1934 يوم انطلاق إذاعة المملكة المصرية.
شهد أول صوت غنائي يصدح من الإذاعة الحكومية للسيدة أم كلثوم، وشهد أيضًا بيان الثورة عبر صوت الإعلامي الراحل جلال معوض صبيحة يوم 23 يوليو/تموز 1952، وهو مبنى أثري قديم وندعو أن ينجو بقيمته الأثرية والثقافية مما ينتظر وسط المدينة (من تطوير) والمبنى يضم أيضًا استوديوهات إذاعية ومكاتب إدارية يكفي أن تدخل إلى مباني بنوك وسط المدينة الحكومية لتدرك حجم هذا المبنى.
كوادر بشرية
إذن هناك إمكانيات بنية تحتية ضخمة تعادل آلاف المرات مسرح ماسبيرو بالدور السابع بما يؤكد إمكانية النهوض بهذا المبنى العتيق، ويضاف إلى ذلك الطاقات البشرية المتواجدة في كل مكان من هذه الأماكن بدءًا من 27 دورًا في المبنى الأصلي إضافة إلى عشرات الأماكن التي أشير إليها، ويشهد العالم العربي كله ويدين لأبناء الهيئة الوطنية للإعلام بإنشاء وتطوير محطات أغلب الدول العربية وخاصة دول الخليج ومع حركات التحرر والتطور في الستينيات والسبعينيات.
أيضًا ما حدث أواخر التسعينيات من إنشاء محطات خاصة وكبيرة أمثال راديو تلفزيون العرب، الـM B C، ثم الانطلاقة الكبرى لشبكة وتلفزيون الجزيرة ونعرف جميعا أسماء إذاعية وتلفزيونية مصرية شاركت في إنشاء هذه الشبكات وتطويرها.
تلك الطاقات يوجد مثيل لها بالمئات والآلاف من أبناء الهيئة الوطنية للإعلام لا زالوا يعملون فيها وقد اختاروا أن يعطوه جهدًا كبيرًا إضافة إلى عملهم بالقنوات الخاصة التي أصبحت بالعشرات في مصر كل العاملين فيها من المصريين، تلك الطاقات التي بالداخل والخارج إعلاميًا وهندسيًا وفنيًا يدينون بالولاء والانتماء إليه.
قطاع الإنتاج طاقات هائلة
هنا لا زلت أتحدث عن الإعلاميين، ولم أشر للطاقة الهائلة في قطاع الإنتاج المصري، أدرك تمامًا أن بعض قنوات ماسبيرو لديها بعض النقص في الإمكانيات وخاصة الحديثة ولكن هناك الكثيرمنها يمتلك هذه الطاقات فيما يخص العملية الفنية لديهم، ولكن تطوير استوديوهات ماسبيرو هندسيًا وأيضًا ديكوراتها من خلال ورش ماسبيرو وفرشها أيضًا بنفس الطريقة.
هذا لا بد أن تحله إدارة الهيئة مع مسؤولي القنوات والإذاعات وأيضًا قطاع الأمانة العامة والهندسة الإذاعية حتى يصبح هناك مناخًا مناسبًا للإعلاميين والمصادر التي تأتي ومشاكل المصادر أقل مشاكل تواجه الهيئة وخاصة أن الكثيرين لا زالوا يحبون تلك الاستضافة رغم قلة العائد لهم، مشاكلهم تتعلق بالاستقبال وأماكن الاستضافة وأيضًا التسويق الجديد للبرامج التي يظهرون فيها.
بدايات بلا أعباء
يبقى لدى أبناء ماسبيرو أهم عائق أمام استعادة البهاء الإعلامي والجمهور وهو الحرية وهنا لن أناقش الحرية السياسية والتوجهات الفكرية حتى لا أحمل الهيئة ومجلسها فوق الطاقة، الموضوع سيكون أبسط من تلك العقدة المزمنة في الهيئة وسابقًا الاتحاد، نتكلم عن حرية الحركة في التعبير عن المواطن المصري مشاكله العادية جدًا اقتصادية، اجتماعية، مشاكل المواصلات، البنية التحتية.
اختصارًا أن تصبح كل محطة تلفزيونية وإذاعية تعبيرًا عن محيطها، وكانت بدايات هذه المحطات شاهدة على قربها من المواطن، في الشارع، العمل، الإدارة المحلية، الأنشطة الثقافية، والفنية، التراث الثقافي والتاريخ، موضوعات يهتم بها المواطن وتناقش مشاكله وأنشطته، وهذه حالة تستدعي حرية الإعلامي في التعبير وحريته وقدرته على الحركة.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل سياسة برامجية لكن يكفي أن تتحرك كل محطة إذاعية مسموعة أو مرئية في حدود إقليمها ونشاط الجمهور فيه.
على القنوات المتخصصة إلا تبعد عن مهامها التي أنشئت من أجلها، فتصبح القناة الثقافية مثلًا تعبيرًا عن كل حالة ثقافية بمصر، ومن المؤكد أن هذا وهو مثال يربطها بكل جمهورها ومصادرها، سيحتاج تطويرًا في الإمكانيات، وأيضًا عائدًا لكل العاملين.
حقوق العاملين
المسألة المالية وعدالة توزيع العمل والعائد يحتاج إلى قرارات صعبة لأحمد المسلماني تعيد المعقول من العدالة للعاملين بالهيئة، أعرف أن هناك خللًا في هذا التوريع بين قطاعات وإدارات، بين قنوات في قطاع عن قطاع أخر، بين أجور الإعلامين في الإذاعة عنه في القطاعات المرئية مما يسبب إحباطًا لديهم وهم كفاءات متميزة جدًا إعلاميًا وثقافيًا وفكريًا.
سيجد المسلماني غضبًا من المحظوظين لدى قيادات ماسبيرو إذا حاول الاقتراب من مزاياهم المتراكمة عبر سنوات، سيجد غضبًا من القطاعات التي يرتفع عائدها وقد يحركون تظاهرات ضده، لكن الحماية الوحيدة له من ذلك الغضب هو الوضوح والإعلان (الإعلان عن ذلك بقوة)، لكن هناك الأغلبية التي سحقت تحت هذه المظالم ستكون معه.
أيضًا مستحقات المحالين للمعاش، فلا يمكن أن يعيش الإعلامي بعد معاشه بما يعادل 30% من دخله السابق وفي نفس الوقت له مستخفات علاوات متأخرة، بدل إجازات، ومكافأة نهاية الخدمة، تلك كارثة تحل به وأسرته، ومن غير المعقول أن يدفع اشتراكات المكافأة والرعاية الصحية ثم لا يجد لا هذه ولا تلك، ويعاني في الدخول للمؤسسة التي أعطاها عمره وفي رعايتها بصحته. أدرك أن التركة ثقيلة تحتاج قرارات صارمة (بلاش ثورية) وحادة وأيضًا تحتاج النظر بعيون إنسانية لكل أبناء المبنى داخله وخارجة.
الكبار العاطلون وقطاع الإنتاج
أطلت ولم أتفرع كثيرًا لتفاصيل سواء الطاقات، الإمكانيات، البشر، وأيضًا المشاكل، وطالت هذه المجموعة من المقالات التي جاءت بنوايا حسنة من الكاتب الصحفي سليم عزوز ومن كاتبها، ولا أريد أن أواصل السلسلة لتلافي إشباع القارئ لعلنا نعود مرة أخرى، ولكن تبقى كلمة عن قطاع الإنتاج في الهيئة الوطنية للإعلام وهو الأضخم بين قطاعات ماسبيرو وجرى اغتياله بفعل فاعل على مدار 20 عامًا.
هو القطاع الذي طالما شغل المشاهدين في كل أنحاء الوطن العربي بإنتاجه الرفيع، وأقول إن هذا القطاع لا زال يمتلك من الطاقات الإبداعية والفنية، واللوجستية الكثير الذي يمكن أن تعمل إدارة الهيئة على استنهاضه وإثارته من أجل العمل سأقول فقط إن أغلب ما نشاهد من أعمال نصف الفنيين من أبناء قطاع الإنتاج.
هناك كثير من المبدعين الذين لا تتيح لهم شركات الإنتاج الفرصة لأعمالهم لأنهم أصحاب رؤى فنية إبداعية وثقافية فكريًا على سبيل المثال لا الحصر المؤلفين محمد جلال عبد القوي، محمد صفاء عامر، هذا العام غاب أيضًا عبد الرحيم كمال، السيد حافظ، محمد السيد عيد، المخرجين محمد فاضل، إنعام محمد علي، مجدي أبو عميرة.
غيرهم العشرات الذين أضاءوا ليالي الأمة العربية أكثر من 40 عامًا، وأيضًا تراث الكبار محفوظ عبد الرحمن، أسامة أنور عكاشة، وحيد حامد، لنين الرملي، يسري الجندي، عبد السلام أمين، أما الفنيون بالتصوير والإضاءة والديكور، والإكسسواروالملابس والحلي والمجوهرات والخدع والحيل، هؤلاء أعدادهم بالآلاف قد يجد بعضهم فرصة عمل أما الكثيرون فهم معطلون كأدوات القطاع، والمبنى بفعل فاعل، أراهن أن هؤلاء جميعًا على استعداد فوري للعمل بكل طاقة لاستعادة مجد الهيئة والقطاع.
إنها لمهمة ثقيلة وكبيرة لمن يتصدى لها سواء كان مقدامًا عليها أو مكلفًا بها من قبل إدارة الدولة.