التضليل الإعلامي يقود سوريا إلى الفتنة الطائفية

لا يخفى على أحد أثر الصورة على الرأي العام في أيّ بقعة من بقاع العالم، فكلّنا يذكر صورة رئيس الشرطة الوطنية وهو يُطلق النار على سجين فيتنامي وسط الشارع، التي اقتنصها مصور الأسوشيتدبرس لتُحوِّل فيما بعد مسار الحرب الوحشية في فيتنام. وكلّنا يذكر صورة الطفل الكردي ديلان، الذي لفظه البحر على أحد الشواطئ التركية لتنفتح بعدها الحدود أمام الهجرة السورية. وليس بعيدًا صورة الطفلة التي ينتظرها النسر لتموت؛ كي يأكلها في السودان أيام المجاعة القاتلة.
لم يكن مصطلح “الترند” موجودًا في تلك الأيام إذ أصبح مشهورًا في زمن السوشال ميديا التي فتحت الباب واسعًا أمام الكذب والافتراء بفضل ما بات يُعرف بالذكاء الاصطناعي. في مطلق الأحوال، نستطيع القول إنّ الإعلام هو البطل الحقيقي (سلبًا وإيجابًا) في الحروب، والنزاعات، والصراعات بين البشر. فهو العصا الحقيقية التي تُحرّك القطعان البشرية على سطح هذا الكوكب.
الإعلام والانقلاب الغبي على الدولة السورية
ما نزال في سوريا نعيش هذا الصراع الدموي منذ عام 1958 وحتى اللحظة، وقد تصاعد بشكل صاروخي منذ 2011 وحتى الآن، وما تزال الصورة أو الترند يتلاعبان بعقول البشر حيث يأخذ الإعلام صورة بشكل انتقائي يتماشى مع أهداف مشغليه ويُخفي ما عداها، وكلّ ذلك من أجل تجييش الجموع باتّجاه محدد، وما يزال أصحاب العقول الرخوة تلتقط ما يُبث، وتبني مواقفها على أساسه.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبلشي وسلامة.. معركة الصحافة و”اللا صحافة”
فيديو القسام لإنقاذ الأسرى الإسرائيليين.. هل وصلت الرسالة؟
رسائل إلهية أم ظواهر طبيعية.. تأملات على وقع زلزال إسطنبول
رأينا ذلك أثناء الحركة الانقلابية الغبية التي قام بها فلول النظام الأسدي مدعومين بمنصات إلكترونية دولية معادية للحكومة الجديدة في دمشق، لقد اختاروا القتال بالزي المدني لتظهر فيديوهاتهم على أنّهم قوى مدنية يتمُّ الاعتداء عليها. فبركوا الكثير من الفيديوهات، ونشروها ليتلقفها أصحاب الأجندات الخارجية، وأصحاب العقول الرخوة من الناس. وأقصد بأصحاب العقول الرخوة أولئك الذين يتكاسلون عن البحث والتدقيق.
تجاوزات فردية صعّدت وتيرة الصراع الطائفي
أثناء قمع الحركة الانقلابية وقعت تجاوزات من أناس موتورين، ومن أصحاب فكر ظلامي لا يفرّقون بين مقاتل وبريء. ومن تلك التجاوزات على سبيل المثال صورة المرأة التي قُتل أبناؤها الثلاثة، فقد أيقن معظم المجتمع السوري أنها من فعل الأمن العام، لتتضح الصورة فيما بعد أنّ من قتلهم شبيحة مقداد فتيحة؛ لأنّهم مع الدولة؛ ولأنّهم معارضين للحركة الانقلابية. ومع تعاطفنا الكامل مع هذه الأم ومع أبنائها، إلا أنّ الصورة استُخدمت من قبل النشطاء الإنسانيين على مواقع التواصل ضدّ الدولة، ، وخرج المثقفون السوريون في باريس إلى الساحات بوقفة تضامنية مع أبناء الساحل من الطائفة العلوية، وكان بينهم الشاعر أدونيس الذي صمت 14 عشر عامًا عن مجازر الأسد بحجة أنّ الثورة خرجت من المساجد.
في الوقت ذاته لم يُشر هؤلاء إلى أكثر من ثلاثمئة أم ينتظرن جثامين أولادهن في بقية المحافظات السورية. فمقتل ابن الأكثرية قد يكون جريمة تحتاج إلى نظر، أمّا مقتل ابن الطائفة فجريمة لا تُغتفر. قِلّة من الناس من كتبوا على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى استحياء إدانتهم للمجرم أياً يكن، لكن في المقابل دبجوا المقالات الطوال ضدّ أصحاب الفكر الظلامي “يقصدون فقط الحكومة الجديدة”.
ما هكذا تورد الإبل
عندما نطالب بالعدالة الانتقالية، فإنّنا نطالب بها من أجل كلّ الضحايا. قديمًا وحديثًا فتلك الجرائم التي حصلت منذ عام 2011 وحتى الآن لا تموت بالتقادم، ولا تموت بقولنا “عفا الله عمّا مضى”، ولا تموت بعبارة “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
وإذا كنّا حريصين على السلم الأهلي فعلينا أن نرى أولاً من غدر بالسلم الأهلي وتسبّب بكلّ هذا الدم؟ إنّه ذاته من أراد الانقلاب على الحكم الجديد، هو ذاته من جعل الخوف يدبّ في قلوب الأكثرية التي عانت القتل والتهجير، والخوف من عودة نظام البراميل. هذه الأكثرية الخائفة شكّلت -خلال ساعات- جيشًا لوأد الفتنة، والقضاء على الانقلاب نتيجة رعبهم من نجاحه. وفي الحروب دائمًا سيسقط الكثير من الأبرياء، خاصة عندما يكون أحد طرفي النزاع هم من تسبب بالتغريبة السورية، وهم من كان الطرف الآخر يحتفل بجوعهم، وموتهم، ويرقص وعلى رأسه الحذاء العسكري. هؤلاء المقاتلون ليسوا ثوارًا، وليسوا ملائكة في الوقت نفسه. ومن أخطأ منهم تجب محاسبته، لكن العبث في عش الدبابير لن يُخرج عسلاً كما توهّم الانقلابيون.
زمن الفبركة الإعلامية ومنصة تأكد
لقد أيقنت الكثير من الصحف الغربية من وجود تلاعب واضح كعين الشمس، ومخابرات العالم أجمع يعرفون أدق التفاصيل التي تجري على الأرض في سوريا، فقد نشرت صحيفة ألمانية الصور الحقيقية لما جرى من تزوير للواقع.
لكنّ الشعب السوري الذي جرفته مشاعر الغضب والتعصب لم يعد يميّز بين ما هو حقيقي وما هو مزور مما جعل بعض النشطاء ينشؤون منصة باسم “تأكد”. تلك المنصة حريصة على ملاحقة المنشورات المزيفة والبحث عن أصل الصورة والخبر. مع هذا لم تستطع منع انجرار الأكثرية لتداول الصور المزيفة، والفيديوهات المزورة لما جرى في الساحل السوري يوم الانقلاب وبعده. فقد حاول الفلول من أيتام الأسد تحويل أنفسهم من قتلة طائفيين مجرمين إلى أشخاص مدنيين تعرضوا للاضطهاد والانتهاكات من قبل الجيش الذي يحاول السيطرة على الانفلات الأمني وإعادة الهدوء والأمان لمدن الساحل السوري. أما إظهاره بشكل متوحش، وعبر حملة منظّمة وممنهجة فحدث للتغطية على إجرامهم بحقّ الأكثرية خلال العقود الماضية وختامها بالحركة الانقلابية التي انتهت بهم في خيام في قاعدة حميميم الروسية حيث عزلهم الروس لانتشار أمراض بينهم. وقد أبلغهم الروس بعد العزل أنّهم سينقلون مع عوائلهم إلى بلد آخر لم يصرحوا لهم عن اسمه، من المرجح أن يكون إسرائيل بعد أن طالبوها بحمايتهم.