حصار إسرائيلي للاقتصاد الفلسطيني منذ 31 عاما

الأوراق النقدية الجديدة من الشيكل الإسرائيلي (رويترز)

بعد اتفاق أوسلو عام 1993 تمت اتفاقية باريس الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال عام 1994، والتي عُرفت باسم بروتوكول باريس الذي ينظم العلاقة بين الطرفين بستة قطاعات اقتصادية، تشمل الاتحاد الجمركي الذي تشرف عليه دولة الاحتلال، والضرائب والعمالة والزراعة والصناعة والسياحة، وعلى أن يكون الشيكل الاسرائيلي هو العملة المتداولة بالمناطق الفلسطينية.

وهكذا ربط البروتوكول الذي رعاه الاتحاد الأوروبي الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، الأمر الذي أضر بالاقتصاد الفلسطيني في ظل سيطرة دولة الاحتلال على المعابر الفلسطينية والحدود مع الاردن ومصر، مما مكنها من تعطيل التجارة الخارجية الفلسطينية تصديرا واستيرادا، والحد من إمكانية قيام السلطة الفلسطينية بصياغة سياسات تجارية مستقلة، واستحواذ اسرائيل على النصيب الاكبر من التجارة الفلسطينية طوال السنوات الماضية.

وها هي بيانات التجارة الخارجية للسلطة الفلسطينية من عام 1996 وحتى العام الماضي حسب جهاز الاحصاء الفلسطيني، تشير الي اتجاه النصيب الأكبر من الصادرات الفلسطينية الي اسرائيل، وإذا كانت النسبة قد بدأت بنسبة 94 % عام 1996 فقد زادت النسبة عن ذلك بالسنوات التالية، وبتلك السنوات الثمانية والعشرين كانت أقل نسبة هي 81 % وها هي تبلغ 86 % بالعام الماضي.

أما بالنسبة للواردات الفلسطينية فقد بدأت نسبة الواردات من اسرائيل الي إجمالي الواردات الفلسطينية بنسبة 86.5 %، لكنها انخفضت عن ذلك بسنوات انتفاضة الأقصى ثم تراوحت ما بين 55 الي 70 % ولتبلغ 59 % بالعام الماضي، ولقد سعت السلطة الفلسطينية لإيقاف الاستيراد من دولة الاحتلال للسلع التي يتوافر بها بديل محلي من المنتجات الفلسطينية الا أن الامر لم يكن سهلا، ونفس الأمر مع السعي لاستبدال سلع معينة من أسواق أخرى، والذي يُقابل بوقف إدخال منتجات فلسطينية لأسواق دولة الاحتلال أو منعها من التصدير عبر موانيها  كوسيلة للضغط .

  فائض تجاري لإسرائيل مع فلسطين

والاهم بتجارة السلطة الفلسطينية مع دولة الاحتلال هو تحقيقها فائضا تجاريا لصالح اسرائيل منذ البداية وحتي الان، وهي الدولة التي تعاني من العجز التجاري السلعي مع العالم منذ نشأتها وحتي العام الماضي، وحسب البيانات الاسرائيلية فقد بلغت قيمة صادراتها للسلطة الفلسطينية بالعام الماضي 4.2 مليارات دولار، مقابل واردات من السلطة الفلسطينية بمليار دولار، ليصل الفائض الاسرائيلي 3.141 مليارات دولار متأثرا بانخفاض التجارة بينهما بسبب تداعيات حرب غزه، فهو فائض أقل مما تحقق بالأعوام السابقة حين بلغ 4.6 مليارات عام 2022 وانخفض الي 3.9 مليارات دولار في 2023 .

كما حققت اسرائيل فائضا مستمرا أيضا بتجارتها الخدمية مع السلطة الفلسطينية، وهي التجارة التي تتم بمجالات خدمات النقل والاتصالات والحاسب الآلي والمعلومات، والخدمات الثقافية والترفيهية وتجهيز السلع والتشييد والسفر، بالسنوات التي أمكن رصدها من عام 2007 وحتى العام الماضي.

وتشير البيانات الاسرائيلية الي أنها قد حققت فائضا بتجارتها الخدمية مع السلطة الفلسطينية، عام 2022 العام السابق لحرب غزه بقيمة 497 مليون دولار، وهو الفائض الذي انخفض بالعامين التاليين بسبب الحرب الي 355 مليون دولار في 2023 و143 مليون دولار بالعام الماضي، في ظل تراجع قيمة التجارة الخدمية بينهما بسبب تداعيات حرب غزة.

وإذا كانت بيانات السلطة الفلسطينية عن تجارتها الخدمية مع اسرائيل منذ عام 2000 وحتى 2023، تشير لتحقيق فائض فلسطيني بغالب السنوات فيما عدا أربع سنوات حققت بها عجزا خدميا، وبما يخالف البيانات الإسرائيلية، إلا أن قيمة الفائض الذي تذكره البيانات الفلسطينية محدود، وكان أعلى رقم سنوي له بتلك السنوات الاربع والعشرين 49 مليون دولار، وكذلك لأرقام العجز الخدمي الذي كان أعلى رقم سنوي له 12 مليون دولار.

    استخدام التشغيل وأموال المقاصة للضغط

وتتصل موارد الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي بمجالين آخرين، أولهما الأجور التي تحصل عليها العمالة الفلسطينية عند عملها بالمناطق الاسرائيلية والمستوطنات، والثاني هو إيرادات المقاصة والتي تتمثل في الجمارك التي تقوم السلطات الاسرائيلية بتحصيلها، على السلع الفلسطينية الواردة عبر موانيها ثم تقوم بتوريدها للسلطة الفلسطينية، ولكن اسرائيل تستخدم كلا الامرين في حصار الاقتصاد الفلسطيني.

ففي فترات التوتر بالأراضي المحتلة تقوم بمنع العمالة الفلسطينية من العمل داخل اسرائيل مثلما فعلت خلال حرب طوفان الاقصى، وها هي البيانات الاسرائيلية منذ عام 1995 وحتي العام الماضي تشير لذلك، حيث كانت حصيلة أجور العمالة الفلسطينية بإسرائيل تدور حول المليار دولار سنويا بعام 1998 والعاميين التاليين له، لكنها انخفضت حتي 200 مليون دولار عام 2000 عام “انتفاضة الأقصى”، وظلت تقل عن المليار دولار منذ 2001 وحتي 2011 .

وكانت حصيلة تلك الاجور قد بلغت أعلى رقم لها عام 2022 بنحو 3.855 مليارات دولار، لكنها انخفضت الي 2.6 مليار بالعام التالي مع منع العمالة الفلسطينية مع نشوب طوفان الاقصى، وبالعام الماضي بلغت الحصيلة 180 مليون دولار بالنصف الاول من العام ، ولم ترد بيانات العام كاملا ضمن بيانات مدفوعات ميزان الدخل الاولي التي أعلنتها إسرائيل قبل أسبوع، لكن التقارير الفصلية السابق إصدارها قد أشارت لتراجع قيمة أجور العمالة الفلسطينية من 883 مليون دولار بالربع الثالث من 2023، الي 33 مليون دولار فقط بالربع الرابع من العام والذي شهد بداية حرب غزه، ثم بلغت 94 مليون بالربع الاول من العام الماضي و86 مليون دولار بالربع الثاني .

  دعوة شعبية لتشجيع المنتجات الفلسطينية

وهو ما تؤكده بيانات السلطة الفلسطينية التي أشارت لانخفاض عدد العاملين الفلسطينيين في اسرائيل، من 193 ألف شخص عام 2022 الي 31 ألف شخص بالعام الماضي، كما انخفض متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني بإسرائيل من 277 شيكل عام 2022 الي 225 شيكل بالعام الماضي.

وحتى إيرادات المقاصة التي تعد من حق السلطة الفلسطينية كجمارك على وارداتها السلعية، تستخدمها اسرائيل كأداة للضغط على السلطة الفلسطينية، فبعد ما بلغت حصيلتها السنوية عام 2000 نحو 587 مليون دولار، قامت بمنعها بالكامل عام 2001 خلال انتفاضة الأقصى، ولم يدفع منها سوي 72 مليون دولار فقط عام 2002، واستخدمتها كأداة للضغط على السلطة الفلسطينية لمنعها من دفع معاشات ومساعدات لأسر الشهداء والأسري الفلسطينيين بالسجون الاسرائيلية.

وهددت باقتطاع تلك القيمة للمساعدات من مدفوعات المقاصة للسلطة، وهي المدفوعات التي شهدت انخفاضا من 3.1 مليارات دولار عام 2022 كأعلى رقم تاريخي لها، الي 2.7 مليار دولار في 2023 ثم الي 1.779 مليار دولار بالعام الماضي، مما دفع السلطة الفلسطينية للتوقف عن دفع مساعدات أسر الاسري الفلسطيني بالسجون الاسرائيلية مؤخرا.

وهكذا تربح إسرائيل من التجارة السلعية والخدمية مع السلطة الفلسطينية، كما تستخدم تلك التجارة كأداة للحصار والضغط لتنفيذ مطالبها من السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب تحركا شعبيا ومن قبل رجال الاعمال بأقطار العالم الإسلامي، لتشجيع التجارة مع فلسطين للمساعدة على إخراجها من دائرة الحصار التجاري الإسرائيلي، في ضوء عدم توقع شيء من قبل الحكومات العربية والإسلامية، التي اكتفت ببيانات الشجب والادانة ردا على استشهاد أكثر من 420 فلسطينيا قبل أيام.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان