لماذا انقلب نتنياهو على “الهدنة” مع حماس؟

نتنياهو (رويترز)

 

تزامُنًا، مع الهجمات الأمريكية المُكثفة على جماعة (أنصار الله) الحوثية، شمال اليمن، وارتفاع وتيرة التهديدات الأمريكية ونبرتها لإيران، الداعمة للحوثيين، عاد جيش الاحتلال الإسرائيلي بغطاء أمريكي، إلى ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية الوحشية، والتهجير بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وشرع الأربعاء، في عملية برية داخل القطاع بإعادة احتلال محور نتساريم الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، الذي سبق، وانسحب منه الشهر الماضي.

غارات الفجر.. وجحيم ترامب

منذ فجر الثلاثاء، فتح الطيران الإسرائيلي على سكان القطاع، أبواب الجحيم التي توعدهم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليحصد أرواح 404 شهداء بينهم 170 طفلا، وعشرات النساء، والشيوخ، في المخيمات، وأماكن الإيواء والمنازل، وتوالى سقوط الشهداء ليرتفع العدد إلى نحو ألف و500 فلسطيني بين شهيد وجريح، غدرا وخيانة لاتفاق الهدنة، بعد مرحلته الأولى (من 19/1 حتى 1/3/2025) بخلاف ما يقرب من 150 شهيدا بفعل الخروقات الإسرائيلية للاتفاق خلال هذه المرحلة. رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، يتفاخر بأن هذه المجازر هي البداية فقط، ويزعم كذبا، بأن تعنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، هو السبب في عودة الحرب، وسايرته في كذبه، الإدارة الأمريكية، ومبعوث ترامب ستيف ويتكوف بتحميل الحركة، مسؤولية فشل المفاوضات.

محور فيلادلفيا.. ومماطلة إسرائيلية

لماذا عادت إسرائيل للحرب على غزة؟

هناك اتفاق للهدنة، بوساطة مصرية- قطرية، ورعاية أمريكية، تم إبرامه يوم 15 يناير/كانون الثاني 2025، ليبدأ وقف إطلاق النار يوم 19 يناير الماضي، وينقسم إلى ثلاث مراحل، تنتهي بانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة (وفقا لجدول زمني)، وإعادة إعمارها، وإقامة حكم مدني فيها. خلال هذه المراحل، تتم عمليات تبادل الأسرى وفقا لقواعد وتوقيتات مُحددة، مع دخول 600 شاحنة مواد غذائية يوميا منذ اليوم الأول للهدنة، وفتح المعابر، وإدخال المعدات والآليات اللازمة لرفع الأنقاض، ومساكن جاهزة وغيره، وعلى أن تحسم مفاوضات المرحلة الثانية، وقفا دائما لإطلاق النار.

ما حدث فعليا، هو التزام (حماس)، بإعادة الأسرى المتفق عليهم في “المرحلة الأولى” مقابل مماطلة إسرائيلية، فلم يتم الانسحاب من محور فيلادلفيا، وأراد نتنياهو استعادة المزيد من أسراه، تمديدا للمرحلة الأولى، دون الانتقال للثانية، والالتزام بإنهاء الحرب، الأمر، الذي رفضته حركة (حماس) تمسكا باتفاق الهدنة، فأغلق نتنياهو المعابر، ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية والوقود، وباشر عدوانه الحالي.

كاتس.. وطرد (حماس)

“نتنياهو”، ذهب إلى هذا الخيار بالعدوان، بعدما اطمأن إلى سكون الجبهات الداعمة لغزة، اللبنانية (حزب الله)، والعراقية (المقاومة العراقية)، والسورية، في ظل تكفُل أمريكا، باليمن وإعلان الحرب عليها، فوجدها فرصة للانقضاض على غزة مُجددا، لممارسة أقصى الضغوط على (حماس)، بالتركيز على التوحش والقسوة بحق المدنيين العُزل، وسفك دمائهم، واغتيال القيادات المدنية التي تدير القطاع، بُغية انتزاع تنازلات من (حماس)، وفرض الإملاءات عليها، بإعادة الأسرى الإسرائيليين دون مقابل، وهادفا إلى إجهاض الخطة المصرية لإعمار غزة، المدعومة من القمة العربية الأخيرة بالعاصمة المصرية، ومُداعبة خيال ترامب، ورغبته في تهجير الفلسطينيين من غزة. هذا المعنى تؤكده تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أمس (الأربعاء)، وتتلخص بتحذير “سكان غزة”، بأن عليهم إعادة الرهائن جميعهم، وطرد (حماس) مقابل السماح لهم بالسفر إلى أي مكان في العالم، وإلا فالخراب والدمار ينتظرهم. أي أن كاتس يريد القول: “عليكم أهل غزة طرد حماس، وعلينا تهجيركم”.

انقلاب نتنياهو على الهدنة

(حماس)، إذن لم تخرق اتفاق الهدنة، وأدت ما عليها من استحقاقات، بينما نتنياهو تنصل من “الاتفاق”، ليعطله، ثم انقلب عليه، ليعود إلى القتل والتوحش، وفظائع الإبادة الجماعية للغزيين، وهو لا يشعر بأدنى مشكلة، فمن طبائع هذا الكيان، خيانة العهود والمواثيق، وافتقاد جيشه لأخلاق الحروب، وشرف العسكرية.

وهناك أصوات كثيرة في وسائل الإعلام العبرية (هآرتس مثالا)، ألقت باللائمة على نتنياهو، متهمة إياه بانتهاك الاتفاق، ومؤكدة وفاء (حماس) بتعهداتها دون أي خرق للاتفاق.

وذهب محللون إسرائيليون، وجنرالات سابقون بجيش الاحتلال، وزعيم المعارضة، رئيس وزراء إسرائيل (سابقا) يائير لابيد، إلى أن إقدام نتنياهو على هذا العدوان الجديد، يُعد حُكمًا بالإعدام على الأسرى الإسرائيليين، الذين قد يقتلون بفعل غارات جيش الاحتلال على القطاع.

 لن ينجح استسلام (حماس).. ونزع سلاحها

هل يحقق نتنياهو أهدافه من هذا العدوان على غزة؟ من قبيل التكرار المُمل، أن نتنياهو مأزوم سياسيا، وغارق في مشكلات وانقسامات داخلية، ولا سبيل له، سوى الهروب إلى الحرب، تطبيقا لقاعدة سياسية معروفة، بأن أيسر السُبل لتوحيد الجبهة الداخلية هو خلق عدو خارجي، وإعلان الحرب عليه.

مشكلة نتنياهو، أن هذا الخيار غير مُجدٍ له، كونه عائد لتوه من حرب الإبادة التي شنها على غزة، طوال 15 شهرا دون نصر حاسم، فلم يُنجز أهدافه بمحو (حماس) من الوجود، ولا استعاد الأسرى الإسرائيليين، إنما تسبب جيشه في قتل كثيرين منهم.

أما الأسرى الذين استعادهم، فمن خلال اتفاق الهدنة والتبادل مع (حماس). الخبير العسكري العميد إلياس حنا، أجاب عن السؤال لقناة الجزيرة، بأن إسرائيل تهدف من هذه الحرب الجديدة، دفع حركة (حماس) وإجبارها على الاستسلام، والتخلي عن سلاحها، وهو ما لن تقبله الحركة. لافتا، بأن جيش الاحتلال لم يحقق أهدافه من عدوانه السابق طوال 15 شهرا، ومن ثم، فلن ينجح هذه المرة أيضا في إنجاز أهدافه، وتنبأ بوقوع نتنياهو في ورطة أكبر، إذا لم يستطع تحقيق أهدافه من العدوان الحالي.

لن تنهزم المقاومة، في غزة، فما لم يستطع نتنياهو، الحصول عليه من تنازلات بقوة السلاح في حرب الإبادة السابقة (470 يوما)، ولم ينجح في الوصول إليه بالمفاوضات، فلن يتمكن من انتزاعه بالعدوان الجديد على غزة الأبية، وأهلها الأبطال البواسل، وستنتصر غزة.

المجد للشعب الفلسطيني المقاوم، والرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان