الإعلام في رمضان.. تنافس على الصائمين وحرب عليهم؟!

تنافس محموم، وإنفاق لمليارات في حرب لا هوادة فيها بين وسائل الإعلام المختلفة، والهدف حصار الصائمين في رمضان بسيل كثيف من البرامج والمسلسلات، أنتجت خصيصا لتعرض في شهر الصيام، وأقل ما توصف به أن فسادها ظاهر وغثها طاغ وسمينها شحيح نادر، تضرب في صلب القيم والثوابت وتعمّق غياب الوعي، وتحرف المسلمين عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
لماذا في رمضان؟
ومع هذا الكم الكثيف من المسلسلات والبرامج في رمضان دون غيره من الشهور، تثور تساؤلات، هي: لماذا هذا التنافس في إنتاج هذا السيل من المسلسلات والبرامج لتعرض في رمضان دون غيره من شهور العام؟ وهل هذا الكم من الأعمال بما تطرحه وتحمله من مخالفات للشرع والقيم هو تنافس على إعانة المسلمين على تحقيق مقاصد رمضان والصيام، أم حرب مشهرة على الصائمين في الشهر الفضيل؟ وهل هناك خطة مبيتة لضرب عقيدة المسلم في رمضان؟
منذ سنوات، ومع التطور التكنولوجي، أصبح الصائمون هدفا دائما لوسائل الإعلام المختلفة، حيث يتسابق الجميع -إلا من رحم الله- ليس لإعانة المسلمين على تحقيق مقاصد الصيام في رمضان، بل لقطع الطريق إلى الله على الصائمين، وبدلا من أن يكون رمضان شهرا للتغيير واستنهاض الأمة الإسلامية من كبوتها، إذ به يتحول إلى شهر يتبتل فيه الناس في محاريب اللهو والترفيه وإضاعة أثمن الأوقات في حياة الأمة الإسلامية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبلشي وسلامة.. معركة الصحافة و”اللا صحافة”
فيديو القسام لإنقاذ الأسرى الإسرائيليين.. هل وصلت الرسالة؟
رسائل إلهية أم ظواهر طبيعية.. تأملات على وقع زلزال إسطنبول
إن الناظر بعين الفطرة السوية لا يمكن أن تقبل نفسه أغلب ما تبثه الفضائيات ووسائل الإعلام العربية في رمضان -إلا ما رحم الله-، فما يتم عرضه على المسلمين، ويلاحقهم على مدار الساعة ويقتحم عليهم كل مكان يفوق التصور، خاصة في ظل هذا العدد الهائل من القنوات والمنصات الإعلامية العربية، ناهيك من القنوات والمنصات الأجنبية الموجهة إلى المشاهد العربي والمسلم على وجه العموم.
أكثر من ألف قناة ودراما رمضانية بمليارات!
بحسب تقرير لاتحاد إذاعات الدول العربية، فإن عدد القنوات الفضائية التي تبثها أو تعيد بثها هيئات عربية عامة وخاصة بلغ نحو 1394 قناة، منها 170 قناة رياضية، و152 قناة للدراما، و124 قناة غنائية، مقابل 95 قناة دينية، بينما بلغت القنوات الإخبارية 68 قناة.
إضافة إلى ذلك، تشير إحصائيات إلى وجود ما يقارب 60 منصة إعلامية تعمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نحو 70% منها منصات إقليمية تركز على عرض المحتوى العربي، ولك أن تتخيل كيف يمكن أن تؤثر هذه القنوات والمنصات أو بعض منها في تشكيل وعى المشاهدين، من خلال ما تبثه في شهر رمضان وعلى مدار العام.
وفيما يتعلق بالإنتاج الدرامي الخاص بشهر رمضان أشارت تقارير صحفية أن الموسم الرمضاني لعام 2025 في مصر وحدها، شهد إنتاج 40 مسلسلا تعرض في رمضان، بلغت تكلفتها 3 مليارات جنيه، هذا خلافا للإنتاج الدرامي في باقي الدول العربية والذي تكلف مئات الملايين من الدولارات؟!
وإلى جانب ما تحمله الأعمال الدرامية من مخالفات تحرف الأمة عن مقاصد رمضان والصيام، فإن سؤالا آخر يطرح نفسه حول تكاليف الدراما في رمضان، التي يُقدر بمئات الملايين من الدولارات، وما يمثله ذلك من إهدار للأموال ينهك اقتصاد الدول.
يرى البعض أن من أبرز أضرار الإنتاج الدرامي خلافا للضرر المتمثل في استهداف القيم والثوابت، هو إضرار أجور الفنانين المرتفعة باقتصاد الدول، حيث يتم إهدار ملايين الدولارات دون أن يكون هناك عوائد اقتصادية مجدية، إضافة إلى زيادة معدلات الفقر بصورة نسبية، واحتكار فئة معينة من الناس للثروة.
وبعد ما سبق، أتساءل مرة أخرى عن المنافع التي تعود على الأمة العربية والإسلامية من هذا الكم من المسلسلات وهذا الحجم من الإنفاق، فلا أجد منفعة إلا لأعداء الأمة، الذين كفاهم الجهد نفر من أبناء هذه الأمة بما يقدمونه من أعمال عبر الإعلام بوسائله المختلفة.
انحراف إعلامي في رمضان
كأنها سهم في قلوب الصائمين، هكذا باتت معظم القنوات الفضائية والمنصات الإعلامية بما تعرضه من مسلسلات وأفلام وبرامج في شهر رمضان.
إن الكثير من الفضائيات والمنصات العربية أصبحت لا تتورع عن عرض ما يتنافى مع أخلاق الإسلام ويسئ إلى قيمه، وينتهك قدسية شهر رمضان، حيث تبرز أعمال العنف والجريمة والخيانة بشكل واضح مقارنة بحجم الأعمال الإيجابية، تحت ستار الرغبة في تعظيم الأرباح وزيادة نسب المشاهدة، ليتحول شهر رمضان إلى إمساك عن الطعام والشراب، دون الإمساك عن شهوات النفوس ومعاصيها.
ومما يؤسف له، أن هناك من يبرر بروز أعمال الجريمة والخيانة وغيرها من الموضوعات السلبية فيما يتم عرضه من مسلسلات، بدعوى أن تلك الموضوعات تتميز بعنصر التشويق، كما أنها مطلوبة، ولا يرى عيبًا فيها!
قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
الإعلام سلاح ذو حدين
إن الإعلام سلاح فتاك ذو حدين، حد فيه أثم كبير وحد آخر فيه منافع للناس، وهناك من يأبى إلا أن يكون إثم الإعلام في رمضان أكبر من نفعه.
ليس مطلوبا أن يكون الإعلام الموجه في بلاد المسلمين إعلاما وعظيا ودينيا وإن كان هذا من صلب أهدافه، ولكن المطلوب أن تأخذ وسائل الإعلام على عاتقها الإصلاح والتوعية في أمور الدين والدنيا، وأن تكون قريبة من المجتمع تعالج همومه وتتناول مشكلاته.
إن من أهداف الإعلام تعريف الناس بدينهم، وتبصيرهم بكيد أعدائهم، وتقديم رؤية من منطلق عقيدة الأمة وشريعتها لأحوال العالم المعاصر، وما فيه قوى، وما تحمله تلك القوى من مواقف اتجاه الإسلام والمسلمين.
ختاما
إن تناقضات مدمرة تعكسها أحوال الإعلام في بلاد المسلمين، تحتاج من الأمة الإسلامية وقفة جادة للإصلاح لوقف المزيد من الانحطاط والتأخر.
إن الناظر إلى وسائل الإعلام في وقتنا الحاضر، يجد غلبة الدور السلبي لمعظم ما تقدمه للشعوب الإسلامية، وعلى الأخص في رمضان.
ورغم ما تعانيه الأمة وما تمر به من أوجاع، فإن المرء يتعجب من تلك الهمة التي تعتري وسائل الإعلام وأربابها وداعميها استعدادًا لشهر رمضان، حيث يتنافس الجميع، ليس لاستنهاض الأمة من كبوتها، بل لتعميق أزماتها وحرفها عن مسارها، ودينها وشريعة ربها.
إن إقامة الإسلام في حياة المسلمين يحتاج إلى إعلام يعي رسالته ويمارس دوره في الإعداد التربوي والبناء العقدي للأمة، إعلام يتنافس لأجل الصائمين ويحارب لأجل تحقيق الأمة مقاصد الصيام في شهر رمضان، وليس إعلاما يتنافس على الصائمين لأجل الحرب عليهم.