مصطفى حسني ومبروك عطية بين إسلام السوق والابتذال

الدكتور مبروك عطية (منصات التواصل)

يبدو أن شهر رمضان ليس موسما للطاعة فقط، بل هو كذلك موسم الترندات، سواء فيما يتعلق بأهل الفن، أو أهل الدين، إذ أصبحنا كل عام نجد قضايا وأحداثا متعلقة بالدين، عن طريق الفن والمسلسلات، بطرح موضوعات متعلقة بالدين، من حيث القضايا والثوابت، أو من حيث الشخصيات الدينية، فخرجنا من نقاش مسلسل معاوية، لنقاش بعض برامج المشايخ، كعلي جمعة.

وفي الأيام الماضية كان النقاش دائرا حول داعيتين، الأول ينتمي لشريحة من أُطلق عليهم الدعاة الجدد، وهو الداعية مصطفى حسني، والآخر أزهري، وهو الدكتور مبروك عطية.

مصطفى حسني وإسلام السوق

أما مصطفى حسني، فقد انتشرت صورة لدرس يلقيه في أحد المساجد التابعة لمجمع سكني في مصر، تقطنه طبقة ثرية في المجتمع المصري، وقد كان الحضور بنين وبنات معا، وفي الصورة فتاة بدون حجاب، هنا بدأ النقاش والحديث حول أن هذا الأمر إذابة للثوابت، ونشر للاختلاط بين الجنسين، وأن الخطاب الذي يلقى لهذه الشريحة هو خطاب يتطرق للإسلام الشعائري فقط، دون التطرق لموضوعات الأمة المهمة، ولا الشأن العام، سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي.

والحقيقة أن الدرس في حد ذاته، لم أر فيه ما يتعارض مع الشرع، فالصفوف بترتيب الشباب ثم الفتيات بعدهن، وإن لم يكن بينهم حاجز، فهو أمر لا يعارض الشرع، فالنصوص التي وردت بهذا الشأن، من حيث لقاء الرجال بالنساء، وفق ضوابط الشرع، متوافرة جدا، تصل إلى عشرات الأحاديث، في صحيحي البخاري ومسلم، ومن الخطأ هنا محاسبة الدعاة بناء على الموقف منهم سياسيا.

ولذا وجدنا شيخنا القرضاوي رحمه الله حين سئل عن ذلك، بين أن كلمة “اختلاط” كلمة غريبة على معجم الفقه الإسلامي، وما يعرف في الشرع هو لقاء الرجال بالنساء، اللقاء العام، أو اللقاء المحفوف بالضوابط، من حيث غض البصر، وعدم التلامس، ومراعاة كل منهم للباس الشرعي حسب مواصفات الشرع، وأن يكون الحديث والكلام منضبطا بضوابط الشرع، فهي قضية طرحت في ظل وجود تشدد في الساحة الإسلامية، ورأينا علماء كبار مثل الغزالي والقرضاوي وغيرهما، يشبعونها حديثا وتوضيحا.

أما الخوف من تسطيح الطرح، فإن المساحة المتاحة لمصطفى حسني وغيره من الدعاة، هي مساحة محدودة جدا، لا يقبل فيها أن يتطرق لقضية غزة مثلا، أو قضايا أخرى متعلقة بحقوق الإنسان، أو المجتمع، سواء داخل مصر أو خارجها، والمتاح هو ما طرحه من قبل باتريك هاني في كتابه “إسلام السوق”، وهو إسلام يطلق عليه بعض المصريين “إسلام سكر خفيف”، فهو يميل إلى التيسير على الناس، وعرض الإسلام في شكله المقبول مجتمعيا، وحضاريا، وأمنيا وسلطويا كذلك، بما لا يصطدم مع السلطات بجميع أنواعها.

والموقف العاقل من مثل هذه المساحات المتاحة، أن تشجع، لأنه ليس لصالح المجتمع أن تصادر كل مساحات الحديث الديني، أو الاجتماعي، حتى وإن كانت تحت سقف معين، فإن بقية الموضوعات والمجالات، يمكن للجمهور الحصول عليها عن طريق وسائل أخرى، لا تملك أي سلطة أن تحجبها، دون تعرض الداعية للمساءلة أو مصادرة وسيلته، وليس من المقبول أن نطالب كل داعية بأن يكون نموذجا متكاملا، فهذا في عالم البشر صعب.

مبروك عطية وابتذال المكانة العلمية

أما مبروك عطية، فقد كان وجوده الإعلامي الأخير مؤسفا، بعد أن كان يملأ الفضائيات، واليوتيوب بمقاطع مختلفة، بأسلوبه المازح الفكاهي، الذي يحاور فيه المتصلين من الجماهير رجالا ونساء، بشكل فيه تبسط، وروح مرحة، اتسم بها الأزهريون على مدار تاريخهم، مع أسلوب دعوي متمكن في التعامل مع الأسئلة، وبإجابات في أحيان كثيرة غير متوقعة، من حيث طريقة العرض، ومن حيث قراءته للسؤال، وفهمه للواقع المعيش، وخبرته بالمجتمع والناس.

لكنه منذ فترة انزوى، وأصبح حضوره الإعلامي معدوما، فقام بعمل برنامج بودكاست، بعنوان: كلام مبروك، على بودكاست بعنوان: عرب كاست، وهي منصة تابعة للإمارات، ليجري حوارات مع فنانين وفنانات، وبخاصة من فناني ومطربي المهرجانات، وهو نوع يصفه الكثيرون من أهل الفن أنفسهم، بأنه لون مبتذل من الفن، في الكلمات والأداء.

فتحول مبروك عطية من الداعية الذي يخاطب الناس إلى محاور يحاور مطربي مهرجانات، ويغني أحدهم مقطعا من المقاطع الهابطة، ويتجاوب معه عطية بيده على الطاولة، وهو أمر لم يكن لائقا به، وقد أثار عددا من الناس، فاستدعته جامعة الأزهر، لسؤاله حول ذلك، وإن حاول بعض مشايخ الأوقاف أن يزعم بطولة بأن الاستدعاء استجابة لمطلبه، وقد تعرض هو نفسه لمضايقات من وزير الأوقاف السابق مختار جمعة، أجبرته على الاستقالة، وكان قد وعد بأن يخرج ما لديه من ملفات فساد ضد جمعة، ولما أقيل مختار جمعة لم يفعل شيئا.

مشهد تحول مبروك عطية إلى هذا اللون من الإعلام، الذي يزري بمقامه العلمي والأزهري، له أسباب ودوافع، فعند انحسار الأضواء عن شخص لمع بهذه الدرجة، ويصعب عليه أن ينزوي، أو أن يخفت بريقه، يصبح الوجود الإعلامي هدفا، لا وسيلة، يوصل بها الداعية رسالته، وهي آفة تصيب كثيرين من الدعاة، ولو تتبعنا الترندات التي تكون في شهر رمضان مثلا، لوجدنا معظم أبطالها مشايخ، صنع أحدهم الترند بنفسه، أو جرى وراءه، أو أراد الانتفاع بالحديث عن ترند، وليست الأزمة في التعامل مع الترندات، فهو أمر طبيعي، شريطة أن يكون تناوله عاقلا، وبما لديه من علم وخبرة.

لكن الآفة الآن، أن الترند أصبح هدفا وغاية، والمهم أن يشاهد الداعية، وأن يصبح مثار جدل وحديث، ولو بالسب واللعن من الناس، وهو سعار للأسف أصاب الكثيرين، خاصة أن مثل هذه البرامج، سواء على البودكاست، أو اليوتيوب، أصبحت تجمع بين شهوتين: المشاهدة، والمال، وهو ما دفع كثيرين إلى الانزلاق وراء هذه الشهوة، بشكل ينهي طموحهم العلمي، وإن حقق لهم بعض الطموح الآني، ببعض المال، والمشاهدات معا.

لم أكن سعيدا بتحويله إلى التحقيق، أو استدعائه للتحقيق، لأن أكبر عقاب ناله عطية، كان من الجمهور نفسه، الجمهور الذي صفق له عندما كان يبدع في ردوده، ويضحكهم بخفة ظله، هو نفسه الجمهور الذي قال له: عيب، لا يصح منك ذلك، وهو ما ينبغي أن يدركه كل داعية صار نجما إعلاميا، ألا يجعل الميديا، أو الجمهور هو الذي يسوقه لما يقال، بل يقدم ما يليق به من علم، وسوف تأتي المشاهدات بالعقلاء الذين يفهمون علمه ويقدرونه، ما عدا ذلك، فهو ضياع للمكانة، وانصراف للجمهور عنه.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان