الضربات الأمريكية.. هل تردع “الحوثيين”؟

رغم استمرار الغارات الأمريكية العنيفة على مناطق شمال اليمن الخاضعة لسيطرة جماعة (أنصار الله) الحوثية، فإن “الجماعة”، واصلت قصف دولة الاحتلال الإسرائيلي، بالصواريخ الباليستية إسنادًا للشعب الفلسطيني في “قطاع غزة”. ردا منها على الحصار الإسرائيلي للقطاع، بإغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والمياه والوقود والدواء، واستئناف حرب الإبادة (18مارس 2025)، بعدما تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اتفاق الهدنة المنعقد مع (حماس)، بوساطة مصرية-قطرية، ولم تفلح 150 غارة أمريكية خلال أسبوعين، أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والمصابين، في ردع الجماعة اليمنية”، عن شن هجماتها على إسرائيل. ضاربة عُرض الحائط، بتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقضاء عليها وإبادتها، وأكدت عزمها على الاستمرار في إسناد غزة، بمنع مرور السفن التجارية المرتبطة بالكيان.
فلسطين 2 فرط صوتي.. و”ثاد” الأمريكية
وقد استهدفت نهار (الخميس)، للمرة السادسة (خلال أيام)، مطار بن غوريون الإسرائيلي، بصاروخ باليستي، ما أسفر عن تعطل الملاحة الجوية، وحركة السفر لساعات، ويُنذر بإلغاء الكثير من شركات الطيران، لرحلات طيرانها من إسرائيل وإليها، كما استهدفت “الجماعة”، قاعدة عسكرية جنوب تل أبيب بصاروخ فلسطين 2 فرط صوتي.
ودوّت صافرات الإنذار، في 255 منطقة إسرائيلية، وهرع ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ في حالة ارتباك ورعب، وفيما أعلن الناطق العسكري باسم الحوثيين، العميد يحيى سريع، بأن الهجمات حققت أهدافها بالكامل، فإن “جيش الاحتلال”، زعم سقوط شظايا في أماكن متفرقة، جراء اعتراضهما.
اقرأ أيضا
list of 4 items“الحذاء الشرعي”.. بعد إطلالة زوجة أحمد الشرع
فساتين الرجال.. وثورة ثقافية تتشكل
“بلبن”.. لماذا الإغلاق والتشميع؟
وفقا لوسائل إعلام عبرية، فقد تم اعتراض الصواريخ اليمنية، بوساطة منظومة “ثاد”، الأمريكية، التي يقوم على تشغيلها جنود أمريكان. بما مفاده، فشل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي (القبة الحديدية، ومقلاع داود، وباترويت، وأرو) في صد الهجمات، وبما ينال من قدرات الجيش الردعية.
الصواريخ اليمنية، مهما يكن الرأي فيها، تُلحق ضررا معنويا واقتصاديا كبيرا بالاحتلال الإسرائيلي. يتمثل هذا، في ارتباك حياة الإسرائيليين، لكون الهجمات تأتي من دون إنذار سابق، وتتأثر الأعمال جميعها والأنشطة التجارية والاقتصادية، أضف إلى ذلك، أن قيمة الصاروخ الحوثي بضعة آلاف من الدولارات، بينما تكلفة الاعتراض قد تصل إلى مليون نصف مليون دولار للصاروخ المُعترض.
ديني وأخلاقي وإنساني
استمرار إطلاق هذه الصواريخ، رغم العدوان الأمريكي، يؤكد تمسُك (أنصار الله)، بموقفها الداعم والمُساند لغزة، وهو ما يُشدد عليه زعيمها “عبد الملك الحوثي”، بأن دعم المقاومة والشعب الفلسطيني، هو موقف ديني وأخلاقي وإنساني، لا يمكن التنازل عنه أبدا تحت أي مُسمى، ويركز دائما على أنه حال توقف الحرب على غزة، والحصار، فإن جماعته ستتوقف في اللحظة نفسها عن استهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتسمح بانسياب حركة الملاحة التجارية. مثلما حدث، عقب توقيع اتفاق الهدنة (19 /1 /2025)، فالرسالة التي تحرص الجماعة اليمنية على إيصالها أنها تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل معا، وأن الطريق الوحيد لاستئناف حركة الملاحة البحرية التجارية، هو وقف العدوان على “غزة”، ورفع الحصار عنها.
ترومان.. وصمت المقاومة العراقية
الجماعة سبق لها، أصابت ميناء إيلات الإسرائيلي بالشلل التام، وإخراجه من الخدمة تماما، ومنع السفن التجارية من المرور إلى إسرائيل.
فالموقف اليمني الحوثي، من شأنه دعم (حماس)، وتقويتها تفاوضيا، لا سيما في ظل غياب (حزب الله) عن الميدان حاليا، وتراجع الدور الإيراني، وصمت المقاومة العراقية عن نصرة غزة.
بل إن (أنصار الله)، لم تتردد في قصف القطع البحرية الحربية الأمريكية، منذ بداية هذه الجولة، فهاجمت حاملة الطائرات هاري ترومان والقطع المرافقة لها، بعشرات الصواريخ المجنحة والمسيّرات، مما اضطرها للابتعاد مسافة 1300 كيلو متر عن السواحل اليمنية.
ووفقا لبيانات الجيش الأمريكي، فإن هجمات الحوثيين لم تنل من “ترومان”، لكن هذا لا يمنع أن مجرد الإقدام على ضرب قطع بحرية أمريكية هو في حد ذاته، ينال من هيبة أمريكا، القوة الأولى في العالم.
الاجتياح البري لليمن.. ممكن؟
هل استمرار الضربات الأمريكية على الحوثيين رادع لهم؟
واقع الحال، أن ترامب هدد الجماعة وإيران معا، وألقى بمسؤولية الهجمات الحوثية على “إيران”، محذرا إياها بأنها ستدفع الثمن، لكن الهجمات لم تتوقف، فالحل يكمن في وقف العدوان على غزة، وليس هناك حلول أخرى.
معلوم عسكريا، بأن الغارات الجوية لا يمكنها حسم أي معركة، فالحسم يكون بالاجتياح البري، فهل بوسع “أمريكا” اجتياح اليمن بريا؟ لا جدال أنها تستطيع، لكن مثل هذا القرار صعب، فهو يعني تكرار للفشل الأمريكي في فيتنام وأفغانستان والعراق، وتحمل كلفة بشرية باهظة من الجنود، كون جغرافية اليمن أكثر تعقيدا.
لو حدث، اجتياح لليمن بريا، بفعل حسابات ترامب، فقد يشعل نيران حرب إقليمية في المنطقة، فتختلط الأوراق وتفلت الأمور، وتخرج عن السيطرة، ثمة تسريبات بأن اتصالات أمريكية، غير مباشرة مع (أنصار الله) وإيران، عبر وسطاء، بغية التوصل إلى حل، يتيح للأمريكان الخروج من المأزق اليمني الذي وضعوا أنفسهم فيه.
فالغالب أن إدارة ترامب، لن تنجح بغاراتها على اليمن في لجم الحوثيين، أو دفعهم بعيدا عن نُصرة غزة، مثلما لم تنجح إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في تحييد الحوثيين. رغم أن أمريكا، قادت وقتها تحالفا باسم “حارس الازدهار”، لمنع جماعة (أنصار الله)، من عرقلة الملاحة التجارية، وقام هذا التحالف، بشن مئات الغارات لأشهر طويلة على الحوثيين، دون جدوى.
نسأل الله السلامة.