أبعاد التوسع الإسرائيلي في سوريا

يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فتح جبهة قتال مع سوريا، لإسقاط الحكم الجديد قبل أن يستقر، وفرض السيطرة الإسرائيلية على أراضي السوريين، بمزاعم حماية أمن المستوطنات الإسرائيلية في الشمال من هجوم مشابه لطوفان الأقصى، ولم يوضح نتنياهو ومعاونوه الحدود التي يمكن التوقف عندها، وما هي طبيعة الوجود العسكري لعملية التوسع الجارية التي بدأت فور سقوط نظام بشار الأسد حتى الآن؟
منذ ليلة دخول قوات الثورة السورية دمشق، تتعرض سوريا لاعتداءات إسرائيلية متواصلة، فسلاح الجو الصهيوني لا يتوقف عن قصف أسلحة الجيش السوري وتدمير المعسكرات والمخازن، وتخطى الإسرائيليون المنطقة العازلة في الجولان التي تحكمها اتفاقية “فك الاشتباك عام 1974″، وانطلقوا يتوسعون في احتلال المزيد من الأراضي في محافظتي القنيطرة ودرعا والتمدد شمالا حتى الوصول إلى جبل الشيخ غرب دمشق.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعادَ برهامي للتشويش فعُدْنا للبيان
هل يحدد عمر الإنسان مستوى السعادة والتعاسة؟
“ماركات” تحت المجهر: من يصنع الثراء؟ ومن يبيعه؟
عندما أعلن مؤتمر الحوار السوري في أول اجتماع له “إدانة التوغل الإسـرائيلي في الأراضي السورية، باعتباره انتهاكا صارخا لسيادة الدولة السورية، والمطالبة بانسحابه الفوري وغير المشروط” رد نتنياهو بقصف الجنوب السوري وأهداف قريبة من دمشق، وأعلن -من جانب واحد- أنه قرر أن تكون المحافظات الجنوبية القنيطرة ودرعا والسويداء منزوعة السلاح، وأنه هو الحامي للدروز، وفتح باب العمل لهم في فلسطين المحتلة.
التطور الأخطر الذي يوضح أن الأطماع الإسرائيلية لا نهاية لها هو التحذير الإسرائيلي لحكومة أحمد الشرع من التدخل لمواجهة تمرد ميليشيا مسلحة من المكون الدرزي في مدينة جرمانا شرق دمشق، وزعم أنه سيتدخل لحماية الدروز في العاصمة، لكن قوات الحكومة تجاهلت التحذير الإسرائيلي، وفرضت النظام بقواتها المسلحة.
الاحتلالان الأمريكي والإسرائيلي وتبادل الأدوار
في الوقت الذي يتوسع فيه الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب والغرب بمزاعم حماية الأقلية الدرزية، يواصل الجيش الأمريكي احتلال شرق سوريا بمزاعم حماية الأقلية الكردية، ويسعى كل من الأمريكيين والإسرائيليين لإرباك الحكم السوري الجديد، وتوسيع رقعة الجبهات لشل تفكير أحمد الشرع وإرهابه، حتى لا يفكر في استجماع قوته واستكمال تحرير بلده.
الإسرائيليون يشعرون بالخطر من حكام سوريا الإسلاميين، ويشعرون بأن طوق الحماية المفروض منذ نشأة الكيان في 1948 قد كُسر، فالمقاتلون العرب السُّنة وخلفهم تركيا يشكلون تهديدا مستقبليا حتى وإن لم تكن هناك نيات عدوانية معلنة، ولهذا يريدون تغيير الوضع، وإدارة عملية الانقلاب، ولكن بسبب عدم وجود دوائر نافذة يمكن التعويل عليها قرروا التدخل عسكريا، والتركيز على تأسيس خلايا الجواسيس التي تنشط الآن في عمليات متناثرة لإشاعة عدم الاستقرار.
يزعم الإسرائيليون أن الرئيس الأمريكي أعطى نتنياهو موافقة لالتهام نصف سوريا، وكأن سوريا مشروع عقاري مثل الأفكار الخيالية التي يطرحها ترامب عن ضم قناة بنما وكندا وغرينلاند وغزة، وكلام ترامب مجرد تخاريف وهلاوس وليست وعدا مقدسا أو قدرا مقدورا، وهي إعادة تدوير لأفكار قديمة تتحدث عن احتلال أراض سورية حتى خط عرض 36 (خريطة الصهيوني إيتمار بن آفي)، ويغيب عن هؤلاء السياسيين المجانين أن الوضع على الأرض لا يسمح بتنفيذ هذه الأوهام الصهيونية، فالطريق ليس ممهدا أمام التمدد الإسرائيلي في أرض يعيش عليها ملايين من المجاهدين الذين قاتلوا لمدة 14 عاما ضد أكثر الأنظمة القمعية إجراما.
الشام مقبرة للغزاة
قد يجد الإسرائيليون بعض المتعاونين من الأقليات الرافضة لحكم العرب السُّنة، لكن لا يوجد العنصر البشري الكافي للقتال من أجل الإسرائيليين والأمريكيين، فالأغلبية السورية لا تقبل الاحتلال، ولدى المسلمين كوابح من دينهم تمنعهم من القبول بالغزاة والتسامح مع العملاء، الذين لا يستطيعون المجاهرة بالخيانة حتى لو كانوا وجهاء وأمراء، ولهذا فإن خطة نتنياهو والأمريكيين للاعتماد على الأقليات مصيرها الفشل.
لن يتأثر الحكم السوري الجديد كثيرا بتدمير الدبابات والأسلحة التقليدية التي كانت مع النظام السابق ولم يستخدمها ضد الإسرائيليين، فقد أثبتت الحروب الحديثة أن الأسلحة التقليدية من دبابات وطائرات لا تحسم وحدها المعارك (حرب أوكرانيا نموذجا)، وأكدت معركة غزة أن المقاتل الاستشهادي العبقري يستطيع هزيمة الذكاء الاصطناعي والأسلحة المتفوقة بالقدرة على المواجهة بأسلحة فعالة، وبردع العدو بالصواريخ، ولولا الحصار المفروض لكانت لهم الغلبة.
إذا قرر الإسرائيليون مواصلة الحرب في سوريا فعليهم أن يواجهوا جبهة واسعة مع خصم يمتلك طوفان من المقاتلين يرون أولهم ولا يرون آخرهم، يمتلكون خبرات قتالية ويستخدمون أسلحة الحرب الحديثة من المسيَّرات والصواريخ، ولديهم طرق إمداد أفضل، وستكون حربا مفتوحة تشبه حرب الروس في أفغانستان التي كانت سببا في تفكيك الاتحاد السوفيتي.
سوريا هذه المرة لا يمكن احتلالها أو حصارها بتكلفة بسيطة، ولن يجدي معها استخدام سياسة الحرق والإبادة، فالحرب على سوريا تعني الحرب على تركيا التي تقف مع استقلال سوريا بكل قوة، وبقاء الأمريكيين في شرق سوريا ودعم ميليشيات كردية انفصالية تهديد مباشر للأتراك، ودخول الإسرائيليين سوريا تهديد للأناضول أيضا.
تركيا لن تنتظر تفكيكها
تعي تركيا المؤامرة الإسرائيلية، وتدرك أن أمنها مرتبط بأمن سوريا، ويوقن الأتراك بأن المخطط الأمريكي والإسرائيلي لتفكيك سوريا سيتبعه تفكيك تركيا، ولهذا يساند الأتراك الحكم الجديد ويقّمون إليه كل الدعم، وهم في تحالف معلن في مجالات، وغير معلن في مجالات ذات أهمية لأسباب لا تخفى عن المتابعين، وقد كان لهذه المساندة التركية دور محوري في التقدم الذي حققه أحمد الشرع وسط الحسابات الدولية المتشابكة والمعقدة.
المعركة الرئيسية في سوريا التي ستحدد مستقبل الدولة الجديدة هي القضاء على التمرد الكردي المدعوم أمريكيا، ولا استقرار لسوريا في وجود هذا الاحتلال، بل سيكون استمراره هو الخنجر الذي يقضي على سوريا الموحدة، وسيكون الباب الذي يدخل منه الإسرائيليون لتطويق السوريين من الجنوب، ثم القضاء على دمشق والتهام ما تبقى من سوريا، لكن المعركة تأخرت لأنها فاصلة وتحتاج إلى ترتيبات وتعاون كامل بين سوريا وتركيا.
لقد تأخر حسم معركة شرق الفرات لأن أردوغان ينتظر ما يصل إليه مع ترامب، فهو يفضل خروج الأمريكيين من سوريا والتخلي عن دعم تنظيم “قسد” بالتفاوض، وتجنب المواجهة العسكرية وما يترتب عليها من تداعيات، لكن إذا لم يقبل ترامب، ولم يتحقق ما يريد الأتراك، فقد كُتب عليهم القتال وهو كره لهم، ولن ينتظروا ضياع سوريا وتطويق تركيا من الجنوب، وصناعة تمرد انفصالي داخل تركيا.