هل ينجح “سلاح المقاطعة” الأوروبي في مواجهة أمريكا؟

كارني أكد أن كندا لن تتراجع أمام الحرب التجارية لترامب
الرئيس الأمريكي ترامب (رويترز)

سلاح المقاطعة هو آخر ما لجأت إليه أوروبا الآن في حربها التجارية مع الولايات المتحدة. وعلى غرار الشعوب العربية التي استخدمته سابقًا اعتراضًا على العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن قرارات ترامب التجارية ضد كندا وأوروبا، وتصريحاته حول ضم جزيرة غرينلاند وكندا إلى أمريكا، أشعلت الشعور الوطني لدى الأوروبيين والكنديين؛ مما أدى إلى ظهور نشطاء ومجموعات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى التوسع في مقاطعة البضائع الأمريكية واستبدال البضائع المحلية بها. كما أُعدَّت قوائم بالبضائع التي يمكن الاستغناء عنها والبدائل الكندية والأوروبية لها.

المقاطعة واجب أخلاقي

ومن البداية في كندا سرعان ما انتقلت هذه الحركات إلى أوروبا، خصوصًا ألمانيا والسويد والدنمارك التي تضررت من رغبة ترامب في ضم أراضي جزيرة غرينلاند، التي تعتبر جزءًا من أراضيها. أما في ألمانيا، فقد لاقت فكرة مقاطعة المنتجات الأمريكية صدى واسعًا، حيث أظهر استطلاع أجرته إحدى شركات استطلاع الرأي لصالح جريدة “هاندلزبلات” أن 64% من الألمان يتجنبون الآن شراء المنتجات الأمريكية قدر الإمكان بسبب قرارات ترامب التي تضر باقتصاد بلدهم.

أدرك الأوروبيون، أن سلاح المقاطعة هو الرد المناسب على سياسات ترامب العدائية. ومن أكثر المجموعات الأوروبية تفاعلًا في هذا المجال على الإنترنت، مجموعة “BuyFromEu”، التي تضم أكثر من 180 ألف عضو نشط في الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية، ويتزايد عددهم بسرعة يومًا بعد يوم. ويحث هؤلاء الأوروبيين على استخدام البدائل الأوروبية للمنتجات الأمريكية، بدءًا من المشروبات الغازية إلى الزيوت والبرمجيات والسيارات وشركات التكنولوجيا والملابس مثل “نايكي”، مع الترويج لبدائل أوروبية مثل “أديداس” و”بوما” الألمانيتين. حتى إن المقاطعة امتدت إلى السياحة، حيث يوجه النشطاء دعوات إلى الأوروبيين لقضاء العطل في دول مثل فرنسا أو إسبانيا بدلًا من الولايات المتحدة، كما يشجعون الشباب على مقاطعة المطاعم الأمريكية مثل “ماكدونالدز” و”برغر كينغ”.

وفي السويد، ظهرت مجموعة أخرى تضم 80 ألف عضو، تؤدي دورًا نشطًا في حث الدول الاسكندنافية على مقاطعة البضائع الأمريكية. كما بدأت بعض الشركات الأوروبية في الانضمام إلى الحملة، مثل مجموعة “Salling” الدنماركية (أكبر بائع تجزئة في البلاد)، التي أصبحت تميز منتجاتها بوضع علامة نجمة سوداء على المنتجات الأوروبية لمساعدة المستهلكين على تمييزها من البضائع الأمريكية.

نتائج مبهرة

ولأول مرة، وفي وقت قصير، أصبحت النتائج مبهرة. فقد اكتشف العديد من المستهلكين الأوروبيين لأول مرة وجود منتجات أوروبية بديلة، مثل مشروب “فريتز كولا” الألماني بديلا لكوكاكولا، و”يوي كولا” الروماني، و”مادودلار” النمساوي.

المفارقة أنه في الوقت الذي تشهد فيه أسواق أوروبا بداية مقاطعة للبضائع الأمريكية، تجري فيها مقاطعة من نوع آخر من قبل الجاليات العربية للبضائع الإسرائيلية، مثل التمور والموالح، التي تغرق الأسواق الأوروبية بسبب الحرب على غزة. وقد انخفض سعر التمور الإسرائيلية إلى نصف الثمن وتكدست في المتاجر بسبب المقاطعة، خصوصًا خلال شهر رمضان؛ مما أثار قلق المصدرين ودفعهم إلى تكثيف الدعاية للترويج لها.

من المعروف أن سلاح المقاطعة، كان على مدار التاريخ، دائمًا سلاح المظلومين والمستضعفين في مواجهة الظلم والبطش. وتعتبره الشعوب وسيلة نضالية تعكس الاعتزاز بالنفس والتمسك بالكرامة. فالتخلي عن المشروبات أو الأطعمة واستبدال المنتجات المحلية بها هو واجب أخلاقي ووطني بالنسبة للكثيرين.

ويتساءل البعض عن جدوى هذه المقاطعة، وما إذا كانت مؤثرة في ظل العولمة والاشتباك الاقتصادي بين الدول. في ألمانيا، أظهرت دراسة لمعهد الاقتصاد الألماني عام 2023 أن مديري الأصول الأمريكيين يهيمنون على ملكية شركات ألمانية كثيرة منذ الأزمة المالية عام 2008. فعلى سبيل المثال، أكبر مساهم في “أديداس” هو مدير الأصول الأمريكي “بلاك روك”، و34% من المستثمرين المؤسسين في الشركة هم أمريكيون.

الأوروبيون يستلهمون فكرة المقاطعة العربية

ورغم ذلك، يجب الاعتراف بأن المقاطعة تؤتي ثمارها في كثير من الأحيان.

فالأثر لا يقتصر على تراجع المبيعات فقط، بل يمتد إلى التأثير في سمعة الشركة وعلامتها التجارية. فعلى سبيل المثال، في الشرق الأوسط، عندما أعلنت شركة “ماكدونالدز” عن تبرعها بآلاف الوجبات للجنود الإسرائيليين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثار ذلك غضب الشعوب العربية؛ مما أدى إلى مقاطعة واسعة لفروعها، وهو ما دفع الشركة إلى إصدار بيانات فيما بعد تبرر موقفها وتؤكد استقلاليتها عن القرار. كما أعلنت بعض الفروع عن تبرعها بجزء من أرباحها لأعمال الإغاثة في غزة، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي.

أما شركة “بوما” للملابس الرياضية، التي تضررت من المقاطعة، فقد أعلنت في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن فك عقد رعايتها للمنتخب الإسرائيلي لكرة القدم لعام 2024. وبشكل عام، تكبدت مطاعم “ماكدونالدز”، و”بابا جونز”، و”بيرغر كينغ”، ومتاجر “كارفور” الفرنسية، ومقاهي “ستاربكس”، وشركات أدوية ومنظفات، و”زارا” للأزياء، و”ماركس آند سبنسر”، و”بوما” للملابس الرياضية، خسائر فادحة قدرت بالمليارات بسبب المقاطعة.

ولهذا، تستخدم أوروبا اليوم نفس الأسلوب الذي استخدمته الدول العربية للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، بعدما أدركت أن سلاح المقاطعة هو سلاح فعال. وربما تؤكد ذلك أرقام مبيعات سيارات “تسلا”، التي شهدت انخفاضًا كبيرًا في مبيعاتها، كما انسحب مستثمرون منها، حتى إن إيلون ماسك اعترف مؤخرًا بأن أوضاع شركاته ليست جيدة.

سنرى كيف سيتطور هذا السلاح، خاصة أن أوروبا، مجتمعة، هي قوة اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها، وهي قادرة على توجيه رسالة قوية إلى الولايات المتحدة مفادها أن “الضرر الأكبر على الناتج المحلي الأمريكي سببه سياسات ترامب نفسه وإعلانه الحرب التجارية على شركائه الأوروبيين”.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان