كتائب المجاهدين ضد أبو تريكة!

على بعد سبعة عشر كيلومترا إلى الغرب من وسط العاصمة المصرية، القاهرة، وفي قرية تنتمي لريف مدينة الجيزة وفي عام مفصلي شهد تحولًا دراميًا حادًّا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ولد محمد محمد محمد أبوتريكة في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1978، بعد أقل من شهرين من توقيع اتفاق سلام إطاري برعاية أمريكية بين مصر وإسرائيل في منتجع كامب ديفيد شمال غرب العاصمة الأمريكية واشنطن.
أنهى الاتفاق نظريًّا ثلاثين عامًا من الصراع بين الكيان الذي نشأ عام 1948 على أرض فلسطين التاريخية، وبين مصر كبرى الدول العربية وأكثرها انخراطًا في حرب الدولة الصهيونية التي أقيمت برعاية ودعم غربي حاسم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلعبة السياسة في تركيا.. “غلطة الشاطر بألف”
“لحظة حزينة في عالم السينما”.. إلقاء الحجارة على الأوسكار!
ورطة الجامعة العبرية
على أطراف القاهرة عاش الصبي حياة غير ميسورة تشبه أحوال معظم المصريين في أسرة بسيطة يعمل الأب فيها مدرسًا والأم ربة منزل تقوم على شؤون أبنائها الأربعة (ثلاثة أولاد وبنت).
اضطرته ظروف الأسرة إلى أن يعمل في عدة مهن للمساعدة في الإنفاق على دراسته، وكان أن عمل بائعًا وعاملًا في مصنع للطوب مما ساهم في التكوين الرياضي لجسد الفتى الذي كان يعشق كرة القدم ويمارسها هوايةً.
إلى أضواء العاصمة
في حقبة إنجازات رياضية شاءت الأقدار أن تدخل تاريخ كرة القدم من الباب الأوسع، ظهر أبوتريكة قادمًا من حواري “ناهيا” وشوارعها الترابية مخترقًا أضواء العاصمة حيث بدأ في “الترسانة” أحد أقدم الأندية المصرية، وسرعان ما لفت الأنظار بموهبته وأهدافه وتمريراته الحاسمة، فوجد طريقه إلى الأهلي عبر محمود الخطيب أحد أساطير الكرة العربية الذي كان عضوًا بمجلس إدارة النادي الأشهر عربيًّا وإفريقيًّا، وهو رئيسه حاليًّا.
ساهم “الساحر” أو “الماجيكو” في إنجازات كثيرة سواء مع الأهلي أو مع المنتخب المصري الذي حصد معه كأس الأمم الإفريقية ثلاث مرات متعاقبة في إنجاز نادر بين 2006 و2010.
غزة في القلب
في بطولة الأمم الإفريقية التي استضافتها غانا في 2008 وفي مباراة بين مصر والسودان أحرز أبوتريكة هدفًا فرفع قميصه ليكشف عن آخر مكتوب عليه “تعاطفًا مع غزة” بالعربية والإنجليزية، في احتجاج نادر بالملاعب الخضراء ضد الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة وقتها.
تلقى أبوتريكة بطاقة صفراء (إنذار) بسبب قوانين الاتحاد الإفريقي التي تمنع الشعارات السياسية، لكنه تلقى أيضًا دعمًا شعبيًّا واسعًا في مصر والعالم العربي، وأصبحت صورته الأيقونية رمزًا لمواقفه الإنسانية وللتعاطف مع مأساة غزة والقضية الفلسطينية، وهو ما عزز مكانته وجعله رمزًا رياضيًّا إنسانيًّا داعمًا للقضية المحورية في الوطن العربي والإسلامي.
انتهت البطولة بفوز مصر في النهائي على الكاميرون بهدف أحرزه أبوتريكة في الدقائق الأخيرة في مرمى الحارس العملاق كارلوس كاميني، لكن ارتباط أبوتريكة بالمواقف السياسية المعلنة لم ينته.
في عالم السياسة
إنجازات الفتى الذهبي في عالم الساحرة المستديرة ليست محل شك إطلاقا لكن اللاعب ذا الابتسامة الهادئة ولج عالم السياسة في بلاده مرة ثم خرج منه بإعلان واضح لكن البعض لأغراض ليست بريئة يريد أن يظل أبد الدهر يعاقبه على تماسه مع السياسة دون أي اعتبار لانسحابه المعلن وتراجعه حتى عن إعلان رأيه، رغم أنه حق يكفله الدستور والقانون.
إعلان تأييد
بعد ثورة المصريين في 2011 وإسقاط نظام الرئيس حسني مبارك (1981-2011) وفي أول انتخابات رئاسية تشهدها مصر في 2012 أعلن أبوتريكة تأييده للدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين وقتها ولم يكن أبوتريكة وحده بل كان صوتًا ضمن أكثر من 13 مليون منحوا أصواتهم لمرسي في انتخابات الإعادة رفضًا لتولي الفريق أحمد شفيق رئاسة مصر باعتباره أحد أركان نظام مبارك الذي أسقطته ثورة 2011.
موقف أبوتريكة الذي أعلنه في انتخابات الإعادة كان موقف آخرين من نخب خشيت عودة النظام القديم لكن هناك عاملًا إضافيًّا ساهم في إعلان أبوتريكة السياسي، وهو كارثة استاد بورسعيد الشهيرة التي وقعت في فبراير/شباط 2012 وراح ضحيتها 74 من جماهير النادي الأهلي، وكان هناك اعتقاد بأن هناك أصابع تنتمي للنظام القديم ساعدت بتواطئها في وقوع المأساة.
وقعت المذبحة قبل الانتخابات الرئاسية بعدة أشهر، وتأثر أبوتريكة نفسيًّا بمشاهد دماء الجماهير التي سالت في ملعب كرة قدم، وكاد يتوقف عن اللعب، لكن موقفه من المذبحة ومطالبته بمحاسبة المسؤولين وحق الشهداء أوجد ارتباطًا إنسانيًّا بينه وبين الجماهير لم تؤثر فيه قرارات متعسفة أو أحكام جائرة أو اتهامات متناثرة هنا وهناك.
وتراجع معلن
بعد مرور أقل من ستة أشهر على انتخاب الدكتور محمد مرسي وتسلمه السلطة رئيسًا للبلاد في 30 يونيو/حزيران 2012 أعلن أبوتريكة في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه عبر حوار صحفي في جريدة “الوطن” اعتزاله الكلام في السياسة واستخدم تعبيرًا شهيرًا للرئيس جمال عبد الناصر ألقاه مع خطاب التنحي في 8 يونيو 1967 عقب هزيمة الجيش المصري وانسحابه من سيناء وهو “العودة إلى صفوف المواطنين”.
شرح أبوتريكة موقفه في قمة عنفوان سيطرة الإخوان على السلطة قائلًا “لا أريد أن أتحمل مسؤولية أحد سياسيًّا ولا أريد أيضًا أن يُحَمّلني أحد مسؤولية غيري.. أنا أرغب فقط في تحمل مسؤولية نفسي من خلال آرائي وكل إنسان حُرّ في رأيه ومسؤول عنه دون التأثير على الآخرين”.
يعترف أبوتريكة الذي أنهى دراسة التاريخ في كلية الآداب بجامعة القاهرة قائلا “لقد اكتشفت أن السياسة موضوعٌ كبيرٌ ومتشابك، لذا قررت الابتعاد عنها نهائيًّا”.
باب الرضا
يرى كثيرون في دوائر الإعلام والسياسة أن إعلان العداء الدائم لجماعة الإخوان هو بوابة الرضا والقبول والحصول على المغانم المادية أو السياسية خاصة أنه غير مسموح إلا بانتقاد الجماعة التي فقدت السلطة في 2013 بعد مظاهرات شعبية مدعومة من الجيش والقوى السياسية المعارضة، ولهذا فإنهم لا يتركون فرصة لإعلان موقف ضد الجماعة وكل من مر بلحظة تعاطف معها رغم أن هذا حال كثير من المصريين في وقت الثورة والفتنة والاضطراب.
الهدف أبوتريكة
في ظل الأجواء الاستقطابية أصبح أبوتريكة المقيم خارج مصر منذ أكثر من عقد هدفًا دائمًا لسهام الباحثين عن الرضا والشهرة كلما لفت الملقب “أمير القلوب” الأنظار بقول أو فعل أو حتى عند تكريمه في أي محفل.
ليس كافيًا إعلان أبوتريكة ابتعاده عن السياسة لأولئك الذين يقتاتون على سب الإخوان فقط ولا طاقة لديهم بانتقاد أحوال التعليم والصحة أو الاقتصاد في “مصر المحروسة”، لأنهم لا يضمنون إيجاد هدف سهل مثله كرجل خجول وصموت لا يحب المهاترات والاشتباك ومقيم خارج بلاده بعيدًا عن أهله وجذوره.
أسوأ ما تعرض له أبوتريكة ليس اتهامه بالانتماء لجماعة محظورة ولكن وضعه على قوائم الإرهاب بقرار إداري أبطله القضاء الذي لم يدنه نهائيًّا بأي تهمة وما زال اللاعب الفذ مأخوذًا بالشبهات منذ أعوام عشرة أو تزيد، دون حكم قضائي واحد يثبت عليه أي ادعاء، والأنكى أنه ليس هناك أي قضية متداولة في المحاكم المصرية مدرج فيها اسمه كمتهم أو شاهد، وينسى المتاجرون بالسمعة والأعراض أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فإن لم تثبت وجب عدم قذفه دون دليل.
استاد الأهلي
تسبب اعتزام النادي الأهلي إنشاء استاد جديد في عاصفة جديدة ضد أبوتريكة، ففي سبيل الترويج للمشروع قام الأهلي بتدشين إعلان مدته 170 ثانية، وقد رأى القائمون أن يتصدره أبوتريكة في لقطة استمرت 8 ثوان فقط تبعتها لقطات لنجوم الكرة في الأهلي، لكن هذه الثواني الثماني فتحت مجددًا باب الجهاد ضد أبوتريكة والذم في تاريخه ومواقفه وتكرار نفس التهم بالإرهاب متناسين أن الأهلي أحد أعمدة الدولة المصرية ولا يمكن أن يقدم على تلك الخطوة دون موافقة صريحة لتحريك ملف أبوتريكة الراكد منذ سنوات.
لا يعلمون
لا يعلم كثيرون أن الشركة المتحدة التي تسيطر على سوق الإعلان في مصر والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها مملوكة لأجهزة الدولة المصرية هي التي أنتجت الإعلان الذي أثار الجدل حول أبوتريكة، ولا يعلم كثيرون أيضا أن المستشار القانوني للنادي الأهلي هو المحامي الشهير محمد عثمان، وأنه أيضًا الوكيل القانوني للنجم أبوتريكة وممثله أمام المحاكم لرفع اسمه من قوائم الإرهاب.
لا يعلم كثيرون أن عقلاء في هذا البلد رأوا إعادة الرجل إلى مكانه ومكانته، لكن آخرين ممن عرفوا دوما بأنهم حملة مباخر ما زالوا يصفقون ويستهجنون دون وعي لإشباع رغباتهم في التشفي برجل تربع على عرش القلوب ناسين أن مواضع الجهاد تتسع لكثير من قضايا الوطن وأن كتائبهم تستلزم توجيها للجهاد بعيدًا عن أبوتريكة.