محور الممانعة ضد الديمقراطية

أظهرت فئات سياسية تونسية رسمية وقريبة من السلطة الحاكمة حماسا فياضا للمشاركة في مراسم تشييع الأمين العام لحزب الله، ولم تتخف عن وسائل الإعلام معلنة حماسا غريبا للمحور الذي شارك في الجنازة. ورافق الجنازة في تونس مواكب إعلامية لم تخف انحيازها للمحور الإيراني لكن دون حركة حماس الإخوانية (ينظر إلى حماس في تونس أنها شنت حربا غير مدروسة فدمرت شعب غزة المسكين).
هؤلاء المشاركون نظموا قبل ذلك مواكب لطم صاخبة على نظام بشار “الزعيم القومي العربي”، وأعلنوا عداء صريحا للثورة السورية وللحكام الجدد الذين وصلوا إلى دمشق، وقد وقعت هذه المواقف ضمن مناخ حماس فياض للتشيع المذهبي والسياسي وتكلم كثيرون حديثا مذهبيا. هذا التشيع السياسي لم يظهر للعلن إلا بعد تجربة ديمقراطية سمحت بمشاركة أحزاب سياسية إسلامية سنية. فقد كان هناك تشيع مذهبي في تونس لكنه لم ينتشر إلا في نطاق ضيق جدا بل نظر إليه بشكل ساخر.
انحياز محير
زمن وصول أخبار الثورة الإيرانية إلى تونس، انحاز الإسلاميون إليها وتبنوا مقولاتها عن الاستكبار والاستضعاف، فصاروا خمينيين وهو نعت مرادف للخوانجية، بينما انحاز ضدها اليسار والقوميون العرب والحداثيون، وفي التحاليل الفكرية/ النظرية لهؤلاء فإن إيران الشيعية وكل تيارات الإسلام السياسي السني (الإخوان بالتحديد) توضع في سلة التخلف والرجعية والظلامية الدينية مع جرعة عمالة للإمبريالية الإنجليزية بالذات يضيفها القوميون. ولم يكن حزب الله عند هؤلاء منذ أول ظهوره إلا ذراع إيران أو أصبعها أو عينها بالمنطقة ولهم مقالات كثيرة في ترذيله وتسفيه حروبه ضد الكيان حتى 2006. بل إن الانحياز ضد إيران وأجندتها في المنطقة جعل من حركة حماس عند هؤلاء بيدقا إيرانيا تحركه وقت تشاء ضد مصلحة الشعب الفلسطيني.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبحث عن الأمل في غزة
النفط والغاز في مصر.. تراجع الإنتاج ونمو الاستهلاك
المعارضة التركية وأزمة الاستقواء بالخارج
حصل انقلاب عجيب في المواقف عند وصول الربيع العربي إلى سوريا الأسد. كان حسن نصر الله يتابع الربيع في كل قطر ويمجده ويباركه، فلما وصل إلى سوريا نعته بكل سوء وأعلن الحرب عليه. صار هناك موقفان عربيان واضحان موقف أنصار الربيع بمن فيهم ثوار سوريا وموقف معاد للربيع ينحاز إلى موقف حزب الله والموقف الإيراني من الربيع. ونعتقد أن الموقف التونسي الرسمي وشبه الرسمي الآن الذي عبر عن نفسه بالمشاركة في الجنازة هو مواصلة صريحة للموقف المعادي للربيع العربي.
ما سر هدا العداء للربيع العربي ومخرجاته؟ خصوصا أن الربيع رفع شعار تحرير فلسطين مع شعار إسقاط الأنظمة وأن محور الممانعة تآلف من أجل نفس القضية. وكيف نفهم هذا اللقاء الموضوعي أو التقاطع في معاداة الربيع العربي بين الصهاينة والغرب عامة وبين محور الممانعة؟
ممانعة أم طائفية؟
وعد الربيع العربي بالديمقراطية عبر الصندوق الانتخابي وقد شرع في التأسيس لمسار طويل، فظهرت حركات الإسلام السياسي السني كفاعل رئيسي وخاصة تيار الإخوان المسلمين (أو فروعه) في مصر وتونس وليبيا والمغرب. ووفر الصندوق الانتخابي لهذا التيار أولا فرصة نجاة من المعتقلات وثانيا فرصة استقواء بما قد يصل إليه من أجهزة الدولة.
لقد وضعت تجارب الديمقراطية التي تقدم الإسلاميين فرضية كبيرة (على طاولة العالم) لو استمر الصندوق فعلا فإن هذا التيار (ومنه حماس في غزة) سيحكم المنطقة. وهنا انزعجت قوى كثيرة رغم ما كان يعرف بينها من تناقضات سياسية ومن حروب صريحة؛ فانطلقت الانقلابات.
في مرحلة الانقلابات على الربيع تبين أن الانقلابيين في كل قطر (بمن فيهم حفتر) يصطفون في ذات اللحظة في محور معاداة الديمقراطية وفي محور الممانعة.
كيف تكون ممانعا وتتكلم باسم فلسطين وترتب حربا ضد الصهاينة وتعادي في نفس الوقت الديمقراطية وتقطع الطريق على الحريات وتمجد حركة الدبابة والبراميل المتفجرة ضد الصندوق الانتخابي؟
إن الذين ذهبوا لحضور الجنازة ساروا قبل ذلك في جنازة الديمقراطية في تونس، وزغردوا لإسقاط برلمان منتخب وإلغاء دستور مجمع عليه.
نجد في هذا مفتاحا لتفسير غرام بعض التونسيين بحسن نصر الله بعد وفاته. جنازة تغطي أخرى على أمل أن لا يعود احتمال الديمقراطية وشبح عودة الإخوان داخله كما عاد في سوريا.
الممانعة ضد الديمقراطية
باسم الممانعة تم الانقلاب على بدايات تجربة ديمقراطية في اليمن، ومنع العراقيون من التمتع بثروات بلادهم، وانكشفت لنا من تحت أغطية الممانعة محارق نظام بشار، ويظهر النظام المنقلب في تونس ولاء تاما لحلف الممانعة ويبكي سقوط بشار.