ماذا يجري في سوريا؟!

إنه صراع دولي بالدرجة الأولى

سوريون في دمشق يتظاهرون احتجاجا على هجمات القوات الموالية لنظام الرئيس المخلوع في اللاذقية (الأناضول)

لم يكن انفجار الوضع في سوريا مفاجئًا، بل هو مُخطَّط له ومدروس من حيث الزمان والمكان، فقد ظهرت منشورات تحريض وتجييش من قبل الجيوش الإلكترونية المعادية لإدارة الشرع متزامنة مع حوادث متفرقة قُتِل فيها مدنيون كانوا في طريقهم إلى اللاذقية واختفوا مع سياراتهم، وآخرون قتلوا أو فقدوا في حلب المدينة في الأحياء التي يسيطر عليها الأكراد. قبل أن تندلع المشاكل في جرمانا “الحي الدمشقي الذي يقطنه الدروز”، وقبل إعلان “مقداد فتيحة” البدء في عملية الساحل، والمعروف أن مقداد فتيحة نسخة من “سهيل الحسن” صاحب اللغة الركيكة، والفذلكة المبهمة، والمجازر التي لا تحصى، وكثرت المنشورات التي تدَّعي أن الوضع في سوريا كارثي، وأنها تسير حتمًا نحو التقسيم.

التقسيم لا يخضع فقط للمكون الاجتماعي الأقوى في المنطقة، فهو يستند أولًا وأخيرًا على دعم دولي، وتحريض داخلي طائفي. حتى لو أنكرنا وجود الطائفية، وحاولنا أن نُجمِّل المشهد العام بدعوات التسامح الديني الذي روّجت له الدولة الجديدة بإظهار تراخيها في القبض على المجرمين من خلال الدعوة إلى “تسوية الوضع وتسليم السلاح”، أو من خلال إطلاق شعار “اذهبوا فأنتم الطلقاء” تيمنًا بما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- حين فتح مكة!

لكن هيهات، فهؤلاء بدأوا منذ الأيام الأولى بالتظاهر والمطالبة بالعفو بنبرة استعلائية تظهر نظرتهم الدونية إلى المكون السني الحاكم، تلك النظرة التي تعودوا عليها أيام حكم الأسد، والنظام السابق. مع هذا نستطيع أن نقول إن الاعتداءات على مقرات الأمن العام وحواجزه، وعلى قوات الجيش السوري الجديد، هو عمل منظّم لكن لا قيمة عسكرية له، فلن يستطيع أن يغيّر موازين القوى، وإن أحدث الفوضى في البلاد بهدف جرّها لصراع أهلي، يدعو إلى تدخل خارجي.

السعي لتقسيم سوريا

يعتقد الذين حملوا السلاح، وجمعوا الموتورين من طوائفهم أنهم سينتصرون، وسيقودون سوريا إلى التقسيم. في منطقة الساحل يحلم المسلّحون بالدولة العلوية التي لم يستطيعوا الحصول عليها في عهد الانتداب الفرنسي عندما خذلتهم فرنسا بعد وعود منّوا أنفسهم بها. مع هذا لم يتعلّموا من التاريخ، ويظنون اليوم أن روسيا ستحقّق لهم ما لم تحقّقه فرنسا.

كانوا قبل هروب رئيسهم يعتقدون أنهم حولوا سوريا كلها إلى دولة تخصهم، وهذا ما حدث فعليًا حين ولغت أيديهم بدماء الأكثرية عبر مجازر متسلسلة توَّجها بشار الأسد بتدمير الدولة بأكملها.

حلم الدروز بدولة مستقلة قديم أيضًا ففي عهد “الشيشكلي” ثار الدروز مطالبين بدولتهم الخاصة، مما جعل الشيشكلي يحاصر جبل العرب لإخماد تمردهم ضدّه. لم ينسَ الدروز ما فعله الشيشكلي واغتالوه بعد سنوات من غربته في أمريكا اللاتينية.

أيضًا لم يكن التحرك الأول للأكراد لانتزاع جزء من سوريا، وتشكيل دولة لهم بعد الثورة السورية، بل كان لهم تحركات سابقة أخمدت في وقتها.

التجييش الطائفي، بين الواقع والافتراض

على مسارين واقعي على الأرض، وآخر افتراضي على “السوشال ميديا”، تجري المعارك السورية، كلا الطرفين يقوم بتجييش الوضع الطائفي وتصعيده، والإصرار على تصوير المشهد بأنه حرب أهلية بين الطوائف، وليس حملة عسكرية من الدولة ضدّ فلول النظام السابق المدعومين دوليًا من “أمريكا” في المنطقة الشرقية، و”إسرائيل” في الجنوب وروسيا وإيران في الساحل.

إنه صراع دولي بالدرجة الأولى، وهؤلاء مجرد بيادق يُستخدمون للقضاء على الإدارة الجديدة في سوريا، وإعادتها إلى حالة الصراع التي ستنهي وجودها كدولة مهمة في الشرق الأوسط.

إما أن تكون سوريًّا أو لا تكون

المطلوب من السوريين الآن الوقوف خلف الدولة بإخلاص، لمنع تحويلها إلى “دويلات”، وعلى السوريين بكل طوائفهم وأطيافهم أن يفهموا ويستوعبوا أنهم لا يملكون ميزة لكونهم “علويين مدعومين من روسيا وإيران” أو “دروز مدعومين من إسرائيل” أو “أكراد مدعومين من أمريكا”. السوري اليوم أمام خيارين إما أن يكون سوريًّا فقط من دون مميزات يستمدّها من السلطة السابقة، أو الطائفة، أو لا يكون أبدًا، فقرار القتال يعني الفناء والعدم. يعني ببساطة أن الدولة التي يحارب لأجل انتزاعها من جسد الدولة الأم ستكون مجرد قبر لا أكثر بعد الإجراءات الجديدة والتصريحات التي جاءت على لسان مدير المخابرات السورية، فقد أعلن أنس خطاب رئيس جهاز المخابرات أن سوريا في حالة طوارئ، وأصدر تعليمات إلى الجيش السوري الجديد بتمشيط الساحل السوري والقضاء على كل شخص مسلّح، ولم ينسَ وسائل التواصل، فقد أشار إلى أن كل تغريدة أو تعليق يحرِّض على قتال الجيش السوري الجديد ودعم الفلول سيكون صاحبه هدفًا مباشرًا لجهاز الأمن العام ووزارة الدفاع، وسيبدأ اليوم الجمعة بعد إنهاء عملية التمرد العمل مباشرة على حواضن الفلول التي دعمت الحرب الإلكترونية، وأهاب بالمواطنين أن يصوروا ويحفظوا معلومات كل من شجّع على قتل الأخوة في الأمن العام.

على السوري المنتفض في وجه الإدارة السورية الجديدة أن يفهم أنه مجرد ورقة تفاوض مصيرها التمزيق، والرمي في سلة الزبالة.

مظلومية الأكراد

استقواء الأكراد وتمترسهم وإصرارهم على انتزاع دولة لهم على حساب السوريين ليس فقط بسبب الدعم الأمريكي، بل لمعرفتهم أنهم يملكون جيشًا منضبطًا، ويسيطرون على منابع النفط، أي أن الجيش والمال يمنحان القوة المطلوبة لبناء دولة خاصة، ولا تهم الوسيلة.

على الدولة السورية الجديدة أن تفكّر بجدية في إنهاء المشاكل العالقة بينها وبين الأكراد، وعدم تعميم فكرة مقاتلة طائفة معينة، كما يحدث في العالم الافتراضي، النار المشتعلة ستأكل الطرفين.

وهذا الأمل مُعلّق على الرئيس الشرع، فأغلبية الشعب السوري لا يريد في هذه المرحلة أن يرى دبلوماسية رجل الدولة، بل بدلة “أبو محمد الجولاني”، فبعض القضايا لا تحلها “كاريزما” رجل الدولة، بل تحتاج ليد المقاتل وحنكته.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان