لماذا لا تصوم الأمة رمضان؟!

لماذا لا تصوم الأمة الإسلامية رمضان؟ قد يكون السؤال مستغربا، أو يظن البعض خطأ ما في صياغته، ومن ثم يجب أن تُحذف “لا”، ويصبح السؤال، هو: لماذا تصوم الأمة رمضان؟ لكن الحقيقة أن السؤال الأول هو نتيجة غياب تحقق جواب السؤال الثاني، الذي يعكسه واقع الأمة في هذا العصر، الذي جافى فيه المسلمون مقاصد الصيام، ولم يمتثلوا أمر الله في سائر شأنهم، علما أن الأمة إذا وعت لماذا تصوم رمضان؟ لتبدل حالها وصار خيرا مما عليه الآن، وما كنا لنتساءل لماذا لا تصوم الأمة الإسلامية رمضان؟
هل تصوم الأمة رمضان وفقا لمراد الله منها؟
إن الأمة الإسلامية المعاصرة باتت لا تصوم رمضان على الوجه الذي يريده الله منها، إذ اختزلت الصيام في الإمساك عن الطعام والشراب، ولم ترتق في درجات العبادة إلى مراد الله -جل جلاله- وحكمته من فرض الصيام.
فالأصل أن يصوم المسلمون رمضان امتثالا لأمر الله بصيام هذا الشهر، فقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل تندلع الحرب بين أنقرة وتل أبيب على الساحة السورية؟!
نقضوا.. وهل كان لهم عهد أو ميثاق؟
اغلاق الحرة وغيرها.. ترامب إذ ينسف إعلام الدولة العميقة
ونحن المسلمين نتعبد الله -عز وجل- بما أمر وبما يحب، فنبادر إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ونطيع رسوله -صلى الله عليه وسلم-، تحقيقا لقوله جل شأنه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وقوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}.
إن الأمة الإسلامية لكي تصوم رمضان حقا تحتاج تحقيق مراد الله منها على الوجه الذي يرضاه منها، ويرضيه عنها.
رمضان من العبودية إلى الطقوسية
فإذا كنا نسأل لماذا لا تصوم الأمة الإسلامية رمضان؟ فما ذلك إلا لأن المسلمين في هذا العصر حولوا شهر رمضان من العبودية إلى الطقوسية، ومن شهر عبادة إلى موروث مجتمعي، وأصبح سلوك المسلمين في رمضان نموذجا للتدين الشكلي، وتحولت العبادات إلى عادات بعيدة عن المقاصد الشرعية، وباتت الشعائر أقرب إلى “الفلكلور الشعبي”، وتوارت الأحكام الشرعية وتصدرت الموروثات الثقافية، وأصبح البون شاسعا بين واقع الأمة الحاضر والمأمول الغائب الذي يجب أن تكون عليه وفقا لمراد الله لها.
ومن العجيب أن تجد في بلاد المسلمين كثيرين ممن يقيمون طقوس رمضان ولا يقربون صلاة ولا صياما، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كثيرا ما تجد في رمضان من يسارعون لإنهاء أعمالهم قبل الإفطار بوقت طويل، فتسأل أحدهم عن سبب ذلك فيجيبك أنه يخشى التأخير عن موعد الإفطار، ثم ما يلبث أن يخرج “سيجارة” ويشعلها وينفث هواءها في وجهك، وقد يتبعها بشربة ماء من زجاجة مياه يحملها بيده.
إن الناظر إلى حال المسلمين الآن في رمضان يرى إعلاء للشكل على المضمون، فمن ناحية، نجد أن الأمة قد استفحل فيها داء التدين الشكلي، ومن ناحية أخرى، نجد قيمة الدين قد دُهست تحت عجلات الطقوس والعادات، فأمات الكثيرون في الأمة الأركان وأحيوا البدع والخرافات، فباتت العبادات ومنها الصيام بعيدة عن أهدافها، وأصبح الناس أكثر تصالحا مع انتهاك حرمات الله وتسفيه فرائضه.
من واقع المسلمين في رمضان
إن واقع المسلمين يجيب عن سؤالنا لماذا لا تصوم الأمة رمضان؟ وإن بعضا من نماذج هذا الواقع تبين لنا بوضوح كيف أن الأمة لا تصوم على الوجه الذي يحقق لها صيام شهر رمضان كما يجب أن يكون.
في رمضان يترك المسلم المباحات كما يترك المحرمات، ويفك أسر نفسه من رق كثير من الملذات، فكيف يحقق المسلمون ذلك وغيره من المقاصد العظيمة للصيام وقد تحول رمضان إلى شهر للاستهلاك المفرط في أعلى درجاته، والتبذير في كل شيء -بما في ذلك أثمن الأوقات-، ويروج فيه للترفيه بشتى أنواع الملهيات، لنجد المسلمين فيه أشد أسرا لرق حاجات الأجساد وشهوات النفوس.
لقد أصبحت الأمة في رمضان الآن كأنما تعيش في سلطان أحشائها وشهواتها، جوع بالنهار وتخمة بالليل، ومرابطة أمام شاشات التلفاز لمتابعة البرامج والمسلسلات والإعلانات، والناس حتى وقت الأسحار في الأسواق يجولون، وفي أماكن الترفيه واللهو يتزاحمون، إلا من رحم الله وهم قليلون!
أمة تصوم عن الطعام والشراب فقط!
وقد أدرك أعداء الأمة مكامن قوتها في شهر الصيام والقرآن، فكانوا أشد حرصا على حرف المسلمين عن مقاصد رمضان بشتى والوسائل والإمكانيات والمغريات.
إن أمة يرابط مئات الملايين منها لساعات طوال أمام شاشات الفضائيات، وتبلغ نسبة مشاهدتهم للبرامج والمسلسلات أعلى مستوياتها على الإطلاق في رمضان، رغم طغيان غثها وندرة سمينها، ناهيك مما تعج به من مخالفات للشرع، إن أمة هكذا لا تصوم رمضان، ولكنها فقط تمسك عن الطعام والشراب!
تشير بعض الإحصائيات إلى أن تكلفة الدراما العربية في رمضان لعام 2024 بلغت 200 مليون دولار، لأعمال أغلبها تتناول الجريمة والخيانة والإثارة بشكل واضح، مقارنة بحجم ضئيل للغاية للأعمال الإيجابية.
ولست أعجب إلا لنفر ممن ينتسبون إلى المسلمين، ينفقون مئات الملايين من الدولارات ويستثمرونها، ويكثفون جهدهم ويضاعفون إنتاجهم لدك وعي الأمة وحرفها عن مقاصد رمضان والصيام، وتغيبها عن مكامن قوتها أكثر من أي وقت في العام.
ويا ليت هؤلاء يبذلون أموالهم ويستثمرون في تصحيح الوعي وشحذ الهمة وربط الناس بدينهم وعقيدتهم، فيقدموا ما ترتقي به العقول والنفوس وتسمو به الأرواح، ولكنهم أبوا إلا أن يكونوا بقصد أو عن غير قصد في خدمة أهداف أعداء الأمة، بل باتوا أشد خطرا على الأمة من ألد أعدائها، الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.
رمضان شهر الوحدة التي غابت عن المسلمين
رغم أن رمضان شهر تتجلى فيه وحدة الأمة الإسلامية، إلا أن واقع المسلمين الأليم هو الفشل وذهاب الريح، وذلك من أصدق الصور التي تقدم إجابة حول سؤالنا، لماذا لا تصوم الأمة الإسلامية رمضان؟
لقد جاء رمضان والمسلمون على حالهم من الاختلاف والتنازع، ففشلوا في حماية أنفسهم، وصال أعداؤهم في بلادهم، وما زالت فلسطين محتلة والأقصى في يد عدوهم.
يأتي رمضان وجسد الأمة مثخن بالجراح، وغابت الأمة عن قول نبيها -صلى الله عليه وسلم-: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، فتكاسل المسلمون عن واجب شرعي يحتم على كل مسلم بحسب قدرته وموقعه نصرة أهل الحق من المسلمين المستضعفين.
ختاما
لما كانت الأمة الإسلامية تصوم رمضان حقا كانت تنتقل من الضعف إلى القوة، ومن الذلة إلى العزة والتمكين، وتحققت أعظم انتصاراتها في رمضان.
وعندما نتساءل لماذا لا تصوم الأمة الإسلامية رمضان؟ فما ذلك إلا لأن الأمة أمسكت فحسب عن الطعام والشراب، ولم تحقق مراد الله لها فغابت عن قوله تعالى: {لعلكم تتقون}.