ضد الحكومة السورية الجديدة
يريدون محاصصة باسم العلمانية، ويريدون مناصب باسم الديمقراطية، ويريدون بقاء المجرمين الكبار طلقاء باسم العدالة

قبل يوم من تشكيل الحكومة الجديدة في سوريا، بدأ المعارضون لها سلفًا بسن أسنانهم لتمزيقها إربًا من خلال تسريب بعض الأسماء في الوزارة الجديدة.
وانتشرت “الفيديوهات” والصور مرفقة بالاتّهامات الجاهزة، والاعتراض على الأداء، وتقييم الوزراء.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبسبب معدلات الإنجاب.. تركيا تدق ناقوس الخطر
الصين تنزع القناع عن العلامات التجارية الأمريكية الفاخرة
التحديثيون والمحافظون: الحالة التونسية
تشكّلت الحكومة وتوقفت الإشاعات، وكعادة البعض لا يُعجبه العجب، إذ لا بدّ من ملاحظة هنا ونقد هناك وقد يصل الأمر إلى التخوين ونسف المُستهدف من جذوره، بغض النظر إن كان النقد صحيحًا أو مختلقًا أو ناجمًا عن مواقف مسبقة وتصورات خاصة، تصنعها الإيديولوجيا تارة، والكيد تارة أخرى.
المضحك في الأمر أنّ مظاهرة ليلية معارضة انطلقت في هولندا فور إعلان الحكومة، والمضحك أكثر أنّها تخلو من أيّ سوري، إنهم عرب وإيرانيون خائفون على محور المقاومة، لكن الغريب حقًا أن تنطلق مظاهرة مماثلة في السويداء صبيحة الأحد تصف الحكومة بالاحتلال السوري لسوريا، وتعترض كليًا على هذا التشكيل قبل أن يجلس أعضاؤه على كراسي الوزارة!
دائماً يغيب عن بال هذه المعارضة المُصنَّعة أنّها مرحلة انتقالية. ثمّة رغبة عارمة على ما يبدو عند بعض الجهات الخارجية بالتقسيم، وقد وجدوا أدواتهم في الداخل، لا يهمهم أنّ البلد تحت الصفر حرفيًّا، على الصعيد الاقتصادي، صناعيًّا وزراعيًّا. لا يهمهم وجود أكثر من ثلاثة ملايين إنسان ما زالوا بلا مأوى حرفيًا. وأكثر من خمسة عشر مليونًا على حافة الجوع. يريدون محاصصة باسم العلمانية، ويريدون مناصب باسم الديمقراطية، ويريدون بقاء المجرمين الكبار طلقاء باسم العدالة، ويريدون استقلالية تامة باسم الفيدرالية!
كلّ التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة لا تعنيهم، فهم بالأصل على موقف فكري مناهض لأيّ سلطة إسلامية، لا يهم إن كانت معتدلة، أو ذات خلفية متشددة، يؤمنون بالتغيير لكن في ذهنهم أنّ أفراد هذه السلطة لن يتغيروا فقد خُتم على جباههم أنّهم إرهابيون من القاعدة وانتهى الأمر. إنهم ومنذ اللحظة الأولى آمنوا بفكرة التقسيم اقتداءً بمشغليهم، وكلّ سردياتهم تدخل في باب التقية والمراوغة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة المتغيرات الدولية.
المثقفون والثورة
لن يختلف واقع الثورة السورية عن باقي الثورات في العصر الحديث، فكما هو معروف مع بداية الثورة يهاجر المثقفون، أو بالأصح يهربون إلى حيث خلاصهم الفردي، فإن انتصرت الثورة يعودون لحصد المكاسب، والعبارة الشهيرة “الثورة يقوم بها الشجعان ويحصد نتائجها الجبناء” خير دليل على ما يودُّ البعض حصوله، لقد تهافت الكثير منهم إلى دمشق فور السقوط، وكثيرٌ منهم يحلم بمنصب سفير في الدولة التي أتى منها؛ كي لا يعاني مع الشعب آلام ومتاعب البناء، ويحافظ على سوية المعيشة التي يعيشها.
تشكَّلت الحكومة وسمعنا السادة الوزراء وهم يتحدثون عن رؤيتهم في العمل والبناء، واللافت للنظر كثرة الكفاءات المتميزة بينهم وحماسهم للعمل والانتقال بسوريا إلى حيث يجب أن تكون، وكثير منهم ترك أعمالًا تدر عليه أموالًا طائلة وجاء ليعمل براتب قد لا يكفيه لآخر الشهر، وهذه تضحية تُحسب لهم، مع ذلك وُسمت الحكومة بأنها إسلامية، بمعنى آخر إرهابية، وينسى أصحاب هذا الموقف أنّ الشعب السوري شعب مسلم بنسبة تتجاوز الـ80%، والحريّ بهم بدء مرحلة من التكاتف والتعاون والنقد البنّاء من أجل تحقيق الوعود التي قُطعت. فأمامنا خمس سنوات سيتم فيها على الأقل تأسيس البنية التحتية بالكامل، وسيتم فيها صناعة دستور يليق بهذا الشعب الذي قدَّم أكثر من مليوني شهيد، وستجري الانتخابات في نهاية المطاف، لتبدأ الرحلة الحقيقية لسوريا الجديدة.

مطالب محقة
أن تطالب بقانون للأحزاب فهذا حق، وأن تطالب بنقابات حرّة مستقلة فهذا حق، وأن تسعى لتأسيس جمعيات نفع عام فهذا حق، وأن تطالب بصون الحريات العامة فهذا حق، لكن أن تبدأ من اللحظة صفر برفض هذه الحكومة بالمطلق، فهذه لحظة غباء إن لم نقل انقيادًا لجهات خارجية.
أكثر من نصف قرن وهذا الشعب يعاني من الظلم والتهميش والفساد، وفي سنوات الثورة من القتل والتشريد والدّمار، وآن له أن يحصد ثمار ثورته استقرارًا وسلامًا وأمنًا ورفاهية أيضًا، وآن لمعارك “الفيسبوك” أن تنتهي فلا أحد في الداخل السوري يسمع بها، كفانا تخوينًا وتشويهًا والحكم في الأيام القادمة على العمل والإنجاز فقط.
بين الجد والهزل
لم تخلُ الانتقادات الموجهة للوزراء الجدد من الطرافة، لكنّها طرافة ذات حدين، أقرب إلى السخرية والكوميديا السوداء، فقد تسقّط المثقفون الأخطاء اللغوية التي وقعت على ألسنة الوزراء الجدد، وجعلوها مأخذًا على شخصياتهم وأدائهم الوزاري!
وهذا النقد الذي يتناول الشكل من دون المضمون يعبّر عن المفهوم الراسخ لدى معظم السوريين في أسلوب نقدهم الذي يُعنى بالظاهرة من دون الغوص إلى عمق المفهوم.
وهو ذاته الذي جعل البعض يسخر من أداء وزير الثقافة “الشاعر محمد صالح” على الرغم من تاريخه الإعلامي وشهاداته، فقط لأنّهم لم يعجبوا بقصيدته “العمودية” التي ألقاها في بداية كلمته، وجعل شعراء التفعيلة والنثر يهاجمونه، ويتهمونه بالركاكة “اللغوية” لأنّه قال شعرًا عفا عليه الزمن، ولم ينسجم مع ذائقتهم الحداثوية!
