العبادات.. لماذا لا تمنع الابتلاءات؟

كتبت سيدة على “جروب” شهير على وسائل التواصل: أكثرت واجتهدت في العبادات “وتوهمت” أنني أصبحت في أمان، وتلقيت “الصدمة” بابتلاء وكأنني “لم” أتعبد؛ فما الفارق بيني وبين من لا يتعبد؟
قالت هذه السيدة ما يفكر به كثيرون..
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإعادة إعمار سوريا هل يحل أزمة تركيا الاقتصادية؟ !
ترامب يدعم إسرائيل ويثأر من نتنياهو
الحريديم.. وجع في قلب الكيان
أستاذة جامعية “صرخت”: ذهبت للحج “وتوقعت” أن ينقذ ذلك زواجي!!، ولم يحدث..
مع الأسف فكثيرون لا يعرفون أن العبادات يجب العمل بها وأنها ليست “ضريبة” نقدمها للحصول على منع الابتلاءات، ويتجاهلون أن الأنبياء كانوا أكثر الناس “إخلاصًا” في التعبد للرحمن وكانوا أكثر الناس تعرضًا للابتلاءات بأنواعها..
كلنا مقصرون
نتوقف عند سورة “النصر”؛ حيث يقول الله عز وجل لنبينا محمد صلوات الله عليه وسلامه: “فسبح بحمد ربك واستغفره”؛ أي بعد أكثر من 20 عامًا في تحمل المشاق الجسام لنشر الإسلام، فعندما يأتي النصر على الرسول التسبيح لله والاستغفار؛ ولم يقل الله سبحانه وتعالى: هذا حقك بعد كل ما عانيته وتعبدك بإخلاص؛ فكان يصلي حتى تورمت قدماه..
ندعو “للتأدب” جميعًا مع الرحمن؛ فلا نربط بين العبادات ومنع الابتلاءات، فجميعنا مقصرون بلا جدال، ولم نصل للخشوع الكامل في الصلاة، ولا اقتربنا من الصيام الذي “يقود” صاحبه إلى منزلة التقوى، وكلنا “أفلتت” منا صغائر في الحج والعمرة، ولا أحد يزعم أنه أفضل من تصدق، وأمامنا جميعا فرص يجب “اقتناصها” لتحسين عباداتنا ما استطعنا، وتذكير النفس بأن حسن العبادات يعود بالفائدة علينا “وحدنا”؛ فرب العالمين الغني عن عباداتنا؛ ونحن من نحتاج إليها بشدة لنفوز في “الدارين”.
اطمئنان ونجاة
والفوز بالآخرة معروف بالطبع، وفي الدنيا من “يخلص” في العبادات ويركز فيها بأفضل ما يمكنه؛ يطمئن قلبه ويرتاح عقله وتتسع حياته، “وتصغر” الدنيا أمام عينيه “وينجو” من الهلع عند الابتلاءات؛ وكيف لا ينجو؟ وهو الذي يدرك ويوقن أن كل الأمور بيد الخالق وحده وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه..
هذا “اليقين” يخفف من وقع أي ابتلاء ويمتع صاحبه بذهن “صاف”؛ يساعده على التعامل الأفضل مع الابتلاء وهو يسعى للخلاص منه أو تخفيفه، ولسان حاله يقول لنفسه: لن أسمح لأي ابتلاء “بالنيل” من إيماني أو يسرق مني حسن الظن بالرحمن، ويربت وجعه بيده..
“ولا” ينتظر من مخلوق شيئًا، ويردد القول البديع: “استعانة المخلوق بالمخلوق كاستعانة المسجون بالسجون”، ويرفع رأسه “بشموخ” المؤمن ويستعين بالله ولا يعجز؛ ليكون المؤمن القوي دائما وأبدًا..
للفوز شروط
من التأدب مع الرحمن “طرد” التفكير بأن العبادات وسيلة لمنع الأذى بأنواعه عنا وعمن نحب؛ فقد شُرعت لتهذيب النفس ولإراحتها من “الركض” المحموم في الدنيا..
ولنتدبر قول الرسول الكريم عن الصلاة: “ارحنا بها يا بلال”؛ فالصلاة وكل العبادات وسائل “أنعم” بها علينا الرحمن لنرتاح من أعباء الحياة ونوقف “تراكمها”؛ حتى لا تقضي على قوانا النفسية التي “تترهل” إذا لم نسارع بالتركيز والإخلاص في العبادات التي تذكرنا بالعبودية الحقة لله عز وجل، وأنه سبحانه خلقنا للعبودية ولإعمار الحياة..
ولا يوجد إعمار بالكون بلا متاعب ولا يوجد ما “يستحق” في الحياة إلا “ويسبقه” جهد وعقبات قبل الفوز به..
كلام مسموم
الابتلاء جزء لا ينفصل عن الحياة، والمؤمن يدرك ذلك جيدًا، ولا نعني الترحيب بالابتلاء أو تمنيه ؛ فيجب سؤال الله تمام العافية بالدارين كما أوصانا رسولنا.
ولكن نقصد “التماسك” قدر الاستطاعة عند حدوث أي ابتلاء؛ ولو بتمثيل ذلك والابتعاد عمن يحبطوننا بالكلام “المسموم”: مثل الابتلاءات تلاحقك، لم نر مبتلى مثلك، لو كنت مكانك لأصابني الانهيار وما شابه ذلك..
ونوصي بتجاهل مثل هذه العبارات وتجنب محاولات اقناعهم أننا بخير “وراضون”؛ فسيحاولون جذبنا للإحباط ولو بحسن نية لتوهمهم أننا “ننكر” أوجاعنا وعدم تصديقهم أننا راضون ونشكر الرحمن لأن الابتلاء -أيا كان نوعه- لم يكن أشد.
وصدق القائل: “رحمة الله تتنزل مع كل ابتلاء “والمحروم” هو الذي لم يدركها”؛
“ولنرفض” أن نكون من المحرومين ونتنفس دومًا رحمة الله مع “السعي” بالطبع لمواجهة الابتلاء ومنع إقامته ما استطعنا، ثم نستخلص منه الدروس والخبرات ونحول خسائرنا إلى مكاسب تفيدنا ومن “يرغب” ممن نحب.
خطيئة قارون
من المؤسف أن البعض يتعامل مع الابتلاء “بالخير” وكأنه حق له ونتيجة لسعيه في الحياة أو لطيبة قلبه وأخلاقه الحسنة؛ ولا يدرك أن الخير والوفرة والتوفيق في تربية الأبناء والبنات وتيسير الأمور هي ابتلاء أيضًا؛ ليرى الرحمن كيف سيتلقى العبد الخير؛ هل سيسجد شكرًا لله أم سينسب الفضل لنفسه ويجدد “خطيئة” قارون القائل: “إنما أوتيته على علم عندي”.
كما يتناسى البعض أن الابتلاء بالخير مع نقص العبادات هو دليل غضب الرحمن أو قد يكون “استدراجا” للعاصي، لأن يغتر بالدنيا “وتلهيه” عن الاستعداد للآخرة حيث يتلقى نتائج استهانته بالعبادات بأنواعها، ومنها حسن التعامل مع الناس والامتناع عن الظلم؛ فالظلم ظلمات يوم القيامة كما جاء في الحديث الشريف.
لا تخلو حياة من ابتلاء بالخير أو بما يؤلم صاحبه وقد “يراه” شرًا وهو الذي يُخفي الخير داخله وسيظهر ولو بعد حين..
وصدق القائل: ربما منع فأعطى وربما أعطى فمنع والمحبة هي الموافقة.
نتمنى التوقف تمامًا عن القول لماذا يحدث لي ما أكره وأنا أؤدي عباداتي وطيب القلب؟؛ فالحياة ليست “نزهة” جميلة تتحقق فيها أمانينا بلا مكابدة؛ ففي الجنة “فقط”، تختفي المصاعب ومن “احترام” العمر زيادة العبادات بإخلاص يتنامى ومواجهة الابتلاءات “بصلابة” تزيد، وبيقين بأن الرحمن سيجعلها “زيادة” لنا في الدارين؛ متى تأدبنا معه عز وجل وقمنا بأدوارنا في الحياة كما يحب ويرضى.
الأحداث تمتحن القلوب وتكشف الحقائق وصدق الإيمان ومتانة العقيدة وشدة اليقين