تسليم سلاح المقاومة!.. ماذا تبقى للوطن؟

إذا كانت “الأرض لمن يحترمها لا لمن يملكها”، كما يقول محمد الماغوط فإن أكثر شعوب العالم استحقاقًا لأرضهم هو الشعب الفلسطيني الذي امتلك الأرض واحترمها ودفع وما زال يدفع ثمنًا لحريتها من دماء أبنائه وأعمارهم وشتاتهم.
وإذا لا قدر الله وتوقف قلب المقاومة الفلسطينية والعربية أمام المحتل وداعميه، وقتها ومع حالة الهزيمة والردة الحضارية يمكننا أن نسأل: ماذا تبقى للوطن؟.. وماذا تبقى من الوطن؟
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتجربة شخصية مع فتوى القرضاوي تيسير الموت للمريض
حل حزب العمال الكردستاني.. هل أنهى المخاوف الأمنية لتركيا؟!
“صنع الله إبراهيم” الكتابة على دقات الحروف وصوت المذياع
فكما قال الراحل حسن حمدان: “لست مهزوما ما دمت تقاوم”، فإذا انتهت المقاومة الآن وغاب عن غزة رجالها، وعن الأمة عزها، فماذا تبقى لنا من فلسطين المحتلة ومن غزة المُدَمرة؟ وهل تسليم السلاح يعني حقن الدماء، وحماية الأرض أم العكس!.
ومع ارتفاع تلك النغمة المتزامنة الموحدة التي تطالب المقاومة بتسليم السلاح في كل من فلسطين ولبنان، تدرك أنه ليس المطلوب فقط إعلان الهزيمة الكاملة، ولكن تصفية القضية نهائيًا، وخلق خريطة جغرافية وسياسية صادمة وإعلان شرق أوسط جديد.
الأمر يعني تمهيد الطريق وإزاحة الألغام كافة من أمام الكيان الصهيوني، حتى يستطيع التمدد والتوسع على حساب باقي الدول العربية، كما أعلن عن ذلك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب الذي أعلن عن ذلك قائلًا: “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها؟”.
تصاعد دعوات إلقاء السلاح
فجأة ومع عودة الحرب في غزة بقرار إسرائيلي مبيّت، انتشرت الدعوات الغربية والإسرائيلية التي تطالب بجرأة ودون مواربة تسليم سلاح المقاومة، سواء في غزة أو في لبنان.
في بداية الأمر اعتقد البعض أن ذلك يأتي ضمن سلسلة من الدعوات الغربية التي جاءت للإجهاز والالتفاف على ما حققته المقاومة كالعديد من مبادرات “غزة ما بعد الحرب”.
ولكن الغريب أن تلك الدعوات تبنتها العديد من الأنظمة الإقليمية وطرحتها ورددتها بشكل متزامن مع العديد من وسائل الإعلام والكتّاب والشخصيات التي عرفت بعدائها الشديد لفكرة المقاومة أساسًا منذ بداية أحداث “طوفان الأقصى”.
وتلك الدعوات تجاوزت فكرة مطالبة (حماس) بالتخلي عن إدارة غزة، فقد طالبت جبهتي المقاومة الفلسطينية واللبنانية بتسليم السلاح باعتباره أمرًا ليس ممكنًا بل حتميًا، إلى الدرجة التي صرح فيها مستشار رئيس السلطة الفلسطينية محمود الهباش قائلًا: “يجب على (حماس) أن تسلم السلاح والأسرى والقرار لمنظمة التحرير، وحتى لو لم توقف إسرائيل الحرب سنكون قد نزعنا من يدها الذريعة الأهم، فهل من الحكمة والمنطق أن نقدم لها السكين بأيدينا لتذبحنا بها ونظهر بمظهر الضعيف؟”.
ويكفي لكي نعرف مدى غرابة هذا المطلب أن نعلم أنه قد سبق لحركة (حماس) برئاسة الشيخ أحمد ياسين، وحركة الجهاد وأمينها العام فتحي الشقاقي قد رفضتا تسليم سلاح الحركتين للسلطة الفلسطينية قبل ثلاثين عامًا في عام 1995م، وقد سبق تصريح الهباش نشر تلك الدعوات على نطاق واسع عبر كثير من الإعلاميين والكتّاب المقربين من الأنظمة العربية، فقد أعلن الجميع وبلهجة صريحة، تسليم السلاح يساوي إعادة الإعمار.
وقد أدركت حركة (حماس) خطورة هذه الدعوات وخبثها فسارعت بالإعلان على لسان القيادي سامي أبو زهري: سلاح الحركة خط أحمر، ولن نقبل بمقايضة سلاحها بإعادة الإعمار ودخول المساعدات، والسلاح لا يخضع للمساومة وغير مطروح للتفاوض.
وفي لبنان ردت حركة (حزب الله) أيضًا على لسان النائب علي المقداد عضو كتلة الوفاء للمقاومة، بأن “الحزب لن يسلم سلاحه للجيش اللبناني، وأن تسليم سلاح (حزب الله) غير وارد في قاموس المقاومة، لأن البلاد تحت تهديد دائم من جانب إسرائيل منذ 70 عاما، ويجب حمايتها بكافة الوسائل المتاحة”.
هندسة الوعي
تتخيل القوى الداعمة للكيان الصهيوني أنها قد تصنع واقعًا جديدًا عبر هندسة الوعي إعلاميًا بطرح الدعوات والمبادرات وتكرارها وجعلها أمرًا خاضعًا للنقاش، واستخدامها والتلويح بها سياسيًا، بالتوازي مع الضغط العسكري أملًا في تنفيذها على الأرض أو على الأقل تحقيق ما هو أدنى من مكاسب سياسية وعسكرية.
ويأتي ضمن هندسة الوعي أيضًا، محاولات التصيد والترصد والتدليس الإعلامي، ومن ذلك تسليط الضوء المكثف من قبل الإعلام الغربي والعربي المعادي للمقاومة على مظاهرة ضمت عشرات المتظاهرين في بيت لاهيا بقطاع غزة، طالب فيها البعض خروج حركتي (حماس) و(الجهاد) من غزة ووقف الحرب.
وقد فطنت حركة (حماس) لمحاولات الاحتلال إثارة الفتنة الداخلية، وصرف الانتباه عن جرائمه.
وردت عبر المكتب الإعلامي الحكومي، ببيان أكدت فيه: “أن الشعارات المعارضة للحركة التي رفعت في احتجاجات خرجت ضدها كانت عفوية ولا تعكس الموقف الوطني العام، وقد جاءت نتيجة للضغط غير المسبوق الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وهو أمر طبيعي في ظل هذه الجرائم المتواصلة”.
إلا أن الصخرة الوحيدة التي تتحطم عليها حيل المحتل ومؤامراته هي صخرة حركات المقاومة بوعيها وصلابتها وصمودها، وفي ذلك تتعجب القوى الغربية التي لا تجد عند حركات المقاومة العربية والإسلامية السوق الرائجة للمبادرات الباخسة التي اعتادت أن تجد ترحيبًا بها لدى معظم الأنظمة بالمنطقة.
في النهاية لا يمكن لعاقل أن يتخيل أن توافق حركة (حماس) على تسليم السلاح، وهي التي تختتم بيانات الناطق باسم جناحها العسكري بالجملة المشهورة “وإنه لجهاد نصر أو استشهاد”.
فالجملة المأخوذة عن الشهيد عز الدين القسام قبيل استشهاده في عام 1935م، إضافة إلى المرجعية الإسلامية للحركة تشير بشكل بديهي إلى أن تسليم السلاح هو طعن في المبادئ والدعائم الفكرية والعقدية للحركة التي لا يمكن وصف صلابتها وتضحياتها إلا بوصف الشاعر:
خطونا في الجهاد خطى فساحا
وهادنا ولم نلق السلاحا