“بلبن”.. لماذا الإغلاق والتشميع؟

في تطور جديد لأزمة إغلاق وتشميع فروع سلسلة محال شركة “بلبن”، للحلوى، أمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الجهات المعنية ببحث سبل حل الأزمة مع إدارة “الشركة”، وأبدت الأخيرة استعدادها لتنفيذ أي اشتراطات للسلامة تتقرر. قصة الإغلاق والتشميع بدأت فجأة، ومن دون سابق إنذار، قبل 72 ساعة.
فقد انقضّت الأجهزة المحلية المعنية، في حملة متزامنة ومتوالية، بهجوم شامل لإغلاق وتشميع 160 فرعا لسلسلة محال شركة “بلبن” المنتشرة في أنحاء البلاد. الفروع هي “كنافة، وبسبوسة، للحلويات، وعم شلتت للفطير، ومطاعم وهمي، وكرم الشام” المنتشرة في محافظات مصر، وكذلك تشميع 5 مصانع تابعة لها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوداعا محمد حلمي القاعود.. صاحب القلم الهادئ والفكر الصاخب
حتى تكتمل فرحتنا بنجاح البلشي
الجيش الباكستاني.. معارك الخارج وتأزيم الداخل
سلسلة الفروع والتوابع والمصانع مملوكة لشركة مصرية، لها فروع في 9 دول عربية. رئاسة مجلس الوزراء بثت بيانا رسميا لهيئة سلامة الغذاء، بأن “نتائج التحاليل” لعينات مسحوبة من فروع السلسلة ومصانعها أفادت بوجود بكتيريا تتسبب في التسمم، وتؤثر في الجهاز الهضمي، وتحوي ألوانا محظورة دوليا. كما أن “طرق التخزين” غير سليمة، وتساعد على فساد المنتجات، وتغيّر خصائصها.
الوزير وصحة المواطن
عمليات الإغلاق والتشميع أثارت جدلا واسعا في الأوساط الشعبية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، بشأن دوافع إغلاق السلسلة التي تحظى بشهرة واسعة منذ نشأتها قبل أربع سنوات.
الكثيرون يطرحون علامات استفهام مثل: هل يُعقل أن تكون جميع فروع السلسلة ومنتجاتها مصابة بالبكتريا نفسها؟
لماذا لم تصدر بيانات رسمية بأسماء أصحاب البلاغات والمصابين بالتسمم؟ فالمواطن لم يعهد من مسؤولي الحكومة اهتماما بصحته، وإلا لكانت “وزارة الصحة” أكثر اهتماما بتوفير العناية الطبية الجيدة له، ولما كان وزيرها الدكتور خالد عبد الغفار قد انتقد “مريضا” يشكو إليه الإهمال بأحد مستشفيات وزارته، مطالبا إياه بأن يشكر الحكومة أولا.
البكتيريا أم التراخيص؟ والحملة الإلكترونية
لماذا هذه الهجمة؟ الظاهر للمتابع أن ثمة تباينا وتناقضًا في أسباب الإغلاق، فالعديد من إدارات المحافظات تعللت في قرارات الإغلاق لفروع “بلبن” بأنها تمارس نشاطها من دون تراخيص. هذا السبب مختلف تماما عما قيل عن البكتيريا والألوان المحظورة وسوء التخزين. والبادي مما يثار على منصات التواصل أن هناك حملة إلكترونية منظمة، للهجوم على “سلسلة بلبن” وتوابعها، متزامنة مع تشميع الفروع، وهي حملة لا تخلو من اتهامات بغسيل الأموال والتهرب من الضرائب وغيرها مما هو غير موثق.
الأمر الذي زاد من اشتداد الجدل والغموض بشأن الأسباب الحقيقية لـ”الإغلاق”. ولو صح التهرب من الضرائب، فهو ليس مبررا للإغلاق، فهناك طرق حددها القانون لتحصيل المبالغ المستحقة ضريبيا، ومعاقبة المتهرب، وليس من بينها وقف نشاط المتهرب ضريبيا. كما أن نشاط السلسلة موجود منذ أربع سنوات، وليست وليدة الأسبوع أو الشهر الماضي، حتى تثار الآن قضية غسيل الأموال.
انهيار وبكاء مؤمن.. و25 ألف عامل يتعطلون
المدير التنفيذي لسلسلة “بلبن” وأخواتها الدكتور مؤمن عادل، حل ضيفا منهارا باكيا في مداخلة تلفزيونية مع الإعلامي عمرو أديب على فضائية “mbc مصر”، ناشد فيها رئاسة الجمهورية التدخل لإعادة تشغيل الفروع، وأعرب عن استعداده لتنفيذ أي مطالب حكومية لتوفيق أوضاع السلسلة وفروعها.
مما قاله “مؤمن” إنه مصري الجنسية أبا عن جد، ولو كان غير مصري، فما المشكلة ما دام يستثمر أمواله تحت نظر الدولة؟ وأضاف أن 25 ألف عامل بالفروع الـ160 والمصانع، يتضررون في رزقهم من تعطيل العمل بسلسلة الفروع والمصانع. كما أن شركة “بلبن” نشرت بيانا تستغيث فيه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك (مليونان و900 ألف متابع)، تشير فيه إلى أن توقف نشاطها يغيّب علامة مصرية ناجحة من تسع دول عربية، ويوقف سلاسل الإمداد والتوريد والمصانع الشريكة، ويراكم عليها التزامات مالية وتشغيلية ضخمة. وأنها (الشركة) حاولت التواصل مع الجهات المعنية، سعيا لحل الأزمة دون جدوى، ودون الإحاطة بأسباب الإغلاق أو آليات المعالجة، بما أصابها بالشلل التام.
إنذار.. وإغلاق مؤقت
من المهم مراعاة مشكلة العمالة، حكوميا في ظل كثرة أعداد المتعطلين عن العمل. وحتى لو ثمة مبالغة أو تضخيم في عدد العمال بالشركة، ففي ظل الإقبال الظاهر للعيان على منتجات السلسلة، زحاما أمام الفروع وداخلها، فالمنتظم بالعمل في هذه الفروع ومصانعها لن يقل عن 12 ألفا أو أكثر. والمؤكد أن عشرات آلاف آخرين يعملون في “مصانع” تنتج أدوات لازمة لتشغيل الفروع، مثل الأواني (تيك أواي) من أطباق وأكواب وملاعق ولوازم للتغليف والحفظ وخامات لازمة للمنتجات وما شابه، فالواجب حكوميا هو مراعاة هذه الآلاف من العمالة سواء في سلسلة “بلبن” أو الأنشطة المكملة والمساعدة لها.
لذا، فإن تبيَّن وجود قصور أو إهمال في “بعض الفروع أو المحال”، فيمكن للجهات الإدارية إنذارها، ومنحها مهلة محدَّدة لمعالجة القصور، وتنفيذ “الاشتراطات المطلوبة” المتعلقة بالتراخيص والأمان وممارسة النشاط. فإذا كانت المخالفات تطول سلامة المنتجات الغذائية، فالطبيعي والحتمي إغلاق الفروع المخالفة “مؤقتا” حتى إصلاح أوجه الخلل، دون أن يمتد الإغلاق والتشميع ليشمل جميع الفروع، فالخطأ وارد بلا شك.
ليس من الصواب التعامل مع استثمارات وعمالة بهذا الحجم بمثل هذه الهجمات، فقد لا تكون موفقة، وتأتي بآثار ونتائج عكسية على مناخ الاستثمار. فكيف لمن يملك مالا أن يغامر باستثماره؟ بينما رسالة إغلاق “بلبن” وأخواتها “سلبية”، تجزم وتقطع بأن الأمور قد تنقلب رأسا على عقب في أي لحظة، وأن أي مستثمر وطني قد يجرفه طوفان الإغلاق بين عشية وضحاها. كما أنه مع وجود منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وكلاهما عابر للحدود والقارات، فمثل هذه “الإجراءات العقابية الجماعية” تخلق بيئة طاردة للاستثمار وليست جاذبة، مهما كانت المبررات أو وجاهة الأسباب، فما هكذا تورَد الإبل يا حكومة.
نسأل الله السلامة لمصر.