“الحذاء الشرعي”.. بعد إطلالة زوجة أحمد الشرع

لطيفة الدروبي زوجة الرئيس السوري أحمد الشرع (يمين) وأمينة أردوغان زوجة الرئيس التركي (رويترز)

للحذاء دلالته السياسية العميقة، وقد دُبِّجت الكثير من المقالات والمنشورات بشأن الحذاء “العسكري” الذي تستخدمه السلطات عامة لحكم الشعب حتّى يصل إلى درجة يرفعه فوق رأسه كرمز وطني، أو لتأكيد انتمائه إلى تلك الطبقة المؤمنة بألوهيته ووجوب عبادته، حتى أنهم صنعوا تمثالاً له في مدخل اللاذقية. واقترن الحذاء بصفات تخصّ هؤلاء مضافة إليه، فهو مجرور في الغالب يتبع أصحابه من “لاعقي الحذاء وعبدته” الذين يستعيضون بوجوده فوق رؤوسهم عن الحاكم، أو يستبدلون الحاكم به؛ لأنّه يشير إليه.

هذا ما كان عليه الوضع في سوريا قبل هروب الأسد وسقوط حكمه. لكنّ المعارضين للحكم الجديد، خرجوا علينا بتوصيف عجيب لم يسبقهم إليه أحد وهو الحذاء الشرعي.

حزب التحرير

جاء الحديث عن “الحذاء الشرعي” على لسان إحدى السيدات المعارضات لحكم “أحمد الشرع” وتلك المعارضة تنتمي إلى حزب التحرير الذي انتفض على “الجولاني” في إدلب في حركة تمرد معروفة، وانشقَّ أعضاؤه عن صفوف الهيئة لاعتقادهم أنها غير صالحة لاستلام الحكم في المناطق المحررة لتهاونها في بعض الأحيان.

وحزب التحرير فئة متشددة “داعشية” اعتقل الجولاني رؤوسها درءا للفتنة وزجّهم في السجون، وما زالت نساؤهم يحرضن ضدّه ويجيّشن الفئات المتشددة للخروج عن حكمه، خاصة بعد انطلاق معركة ردع العدوان ووصول أحمد الشرع إلى دمشق. ربما خمدت الحركة “ظاهريًّا” بعض الشيء بعد أحداث الساحل، ودرعا، والسويداء، أو أنّ تلك المشاكل والأزمات، وانشغال الرئيس بالجبهات الكثيرة المفتوحة ضدّه داخليًّا وخارجيًّا غطّت على أصوات النساء في الحزب فلم تعد أخبارهنّ “ترند” على صفحات التواصل الاجتماعي.

إطلالة السيّدة الأولى

بعد ظهور السيدة الأولى “زوجة الرئيس أحمد الشرع” في أنطاليا مع زوجة أردوغان، وتجوالها في المدينة، تناول السوريون كعادتهم إطلالتها التي أعجبت البعض، وانتقدها البعض الآخر.

تعوّد السوريون على مدى حكم بشّار الأسد على إطلالة أسماء المبالغ في أناقتها وبذخها، وكانت ملابسها، وماركات أحذيتها، وحقائبها، وآلاف الدولارات التي تدفعها ثمنًا لتلك الملابس، تتصدّر الأخبار والمنشورات على السوشال ميديا، لكن الغالبية العظمى كانت تتحدّث عن الجمال والمال كشيء لازم ومفروغ منه وقلائل من كانت تؤلمهم تلك الأموال التي تصرفها أسماء الأسد من قوت يومهم على أناقتها وملابسها، وخاصة أحذيتها!

الأحذية التي صرفت عليها آلاف الدولارات التي يمكن أن تنتشل آلاف السوريين من الفاقة والموت جوعًا.

في الإطلالة الأولى للسيّدة “لطيفة” زوجة الشرع توحَّد السوريون على كلمة “إنّها تشبهنا”.

لم تقتصر العبارة على السوريات المحجبات، بل كُثر من اللواتي لا يضعن الحجاب قلن تلك العبارة مما يجعل المعنى أبعد من الحجاب والاحتشام في الملابس، وبساطة المظهر، والالتزام باللون الأسود. ربّما لم يرق للكثيرين اللون الأسود الذي ارتدته السيدة لطيفة في أوّل ظهور لها؛ لأنه يحمل دلالة تشدد في نظر فئة من السوريين الذين كانوا يميّزون السيّدات المنتميات إلى حركة الإخوان المسلمين في الثمانينيات من القرن الماضي من حجابهن الأسود، وعباءتهنّ السوداء الطويلة، وطبعًا تلك العباءة تختلف عن العباءة السوداء التي جاءت فيما بعد مع “المد الوهابي” وأصبحت زيًّا رسميّا لمعظم المحجبات في سوريا.

الشبه الذي ألمحت إليه السوريات يشمل البساطة والحضور الخجول للسيدة الأولى وعدم الاستعراض، وفي نقلة -استهجنها البعض- ارتدت السيدة الأولى اللون الأزرق، كانت ملابسها بيضاء وزرقاء، وحجابها أزرق، مما جعل البعض يتساءل عن دلالة اللون الأزرق متناسين أنّه لون السماء والصفاء والحريّة. مما لا شكّ فيه أنّ الملابس تعبّر عن شخصية الإنسان حين يختارها بنفسه وتساعده إمكانياته المادية على الاختيار. وهي أيضًا تحمل جزءًا من الطباع وتعكس نفسية الإنسان. وهذا ما يجعل الأسود ملازمًا لمجالس العزاء والحزن، والأبيض معبّرًا عن الفرح والأعراس في المفهوم العام عند الشعوب العربية كافة.

وبشكل عام باقي الإكسسوارات عند النساء تعبّر أيضًا عنهنّ، من الحقيبة إلى الحذاء إلى نوع الزينة: “ذهب أو ألماس، أو فضة”.. زينة ناعمة أو مبالغ فيها، ويتبع ذلك المكياج أيضًا. والأهم “الحذاء”. وهذا بالتحديد قد يجعل فتاة سورية ترفض عريسًا تقدّم إليها، أو تقبل به حين تنظر إلى حذائه. قد يبدو الأمر طريفًا، لكنّه حدث حقّا.

في مجالس العزاء عندنا تحرص النساء على مظهرهن حين يذهبن للتعزية، يأخذن معهنّ حذاء جديدًا أسود اللون، كعبه عالٍ وأنيق، يضعنه في كيس، عند باب الدار يخلعن الحذاء الذي ينتعلنه، ويستبدلنه بالحذاء الآخر النظيف والجديد!

وللكعب أهمية خاصة عند النساء، ليس القصيرات فقط، فهو يمنع انحناء الظهر، ويجبر السيدة على جلسة صحية مشدودة القوام.

الحذاء الشرعي

ربّما لأجل ذلك انتعلت السيّدة الأولى حذاءً ذا كعب عالٍ في زيارتها الرسمية إلى تركيا، وهنا كانت الطامة الكبرى بالنسبة للمتشددات، فقد نشرت إحداهنّ على صفحتها في الفيس بوك منشورًا انتقدت فيه إطلالة السيدة الأولى، وخاصة حذاءها وقالت “إنّه غير شرعي”!

في الواقع سمعت كثيرًا عن المحظورات لدى المتشددين من جميع الأحزاب، سواء القبيسيات، أو نساء حزب التحرير، أو المنتميات إلى حزب الإخوان من صديقاتي القديمات، لكن أوّل مرّة أعرف أنّ هناك حذاءً شرعيًّا وآخر غير شرعي.

وقع اللفظ على أذني وقعًا غريبًا، وتساءلت ماذا تقصد السيّدة بهذا الوصف للحذاء؟

فإذا كان الحذاء شرعيًّا مثلًا، فأيّ المعاني اللغوية يحمل؟ هل يشرع الطريق ويمهده؟ أم يظهر الحق ويقهر الباطل؟ أم هو الذي يبدأ بالعمل ويخوض فيه؟ أم هو الذي يأخذ الإنسان إلى الماء ليشرب. أم تقصد أنّ الله سبحانه لم يشرعه لعباده حين وضع الشريعة؟ وهذا ليس فيه نص “شرعي” ولم يتحدّث عنه الأئمة حسب معلوماتي الفقيرة والمحدودة!

الواجب أن ينشر هؤلاء صورة محددة للحذاء الشرعي.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان