صمت مريب للهيئات الدولية بشأن محرقة غزة

عمود من الدخان والنيران يرتفع فوق الخيام في مخيم للنازحين الفلسطينيين شمال خان يونس جنوبي قطاع غزة، أثناء غارة إسرائيلية في 19 إبريل/نيسان 2025 (الفرنسية)

منذ استئناف حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة بعد نقض الهدنة، والمجزرة مستمرة على مرأى من العالم كله، مع صمت مريب من كل المؤسسات الدولية، وكأنما هناك تواطؤ من هذه المؤسسات والهيئات حتى يحقق نتنياهو والشريك الأمريكي أهداف تهجير أهالي غزة والقضاء على المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، المشروعة بقوانين هذه الهيئات وقواعد الدفاع عن الأرض ضد المحتل.

هيئات فقدت أدوارها

العدوان هذه المرة مصحوب بإحراق البشر، وشاهدنا على الهواء مباشرة كيف تُستهدف المخيمات التي لجأ إليها أهلنا في غزة بالقنابل والقذائف الحارقة.

والمأساة الكبرى في صور الأطفال الرضع والصغار الذين يُحرقون بلا ذرة خجل أو أي معاناة إنسانية، وتُعَد جرائم حرب مذاعة على القنوات الفضائية، دون أن يحرك هذا ساكنا داخل المؤسسة المنوط بها حفظ السلام العالمي المسماة الأمم المتحدة.

لم نشاهد اجتماعا لجمعيتها العامة لمناقشة ما يحدث ومحاولة إيقاف إجرام نتنياهو وعصابته اليمينية التي تحكم الكيان الصهيوني، بل أصبح واضحا أنها تحكم العالم كله، وإلا لماذا تصمت المنظمة الأممية بشأن المحارق؟ بل إن مجرم الحرب نتنياهو تحرك خارج الكيان اللقيط مرتين إلى الولايات المتحدة والمجر، ولم يجرؤ أحد على قطع طريقه لتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية بوصفه مجرم حرب مطلوب إلقاء القبض عليه ومحاكمته بعد جرائمه على مدار عام ونصف العام من حرب الإبادة الأولى التي انتهت بتلك الهدنة التي نقضها جيش الاحتلال، وتحدى نتنياهو العالم، وذهب لمقابلة ترامب في واشنطن وأيضا رئيس المجر.

بدا مجلس الأمن بأعضائه الـ15 في حالة من السكون، فلم تتقدم أي دولة من الدول الأعضاء على مدار الشهر الماضي بطلب لمناقشة المحرقة الصهيونية التي لم ترحم أحدا في غزة رجالا ونساء وأطفالا ومُسنين، لم يفتح مجلس الأمن ميثاقه وكتابه ليعاقب المعتدي كما فعل من قبل مع الدول الجنوبية في خطاياها، ولم تتحرك دول التحالفات الغربية لإيقاف المجازر والمحارق، ولم يتقدم أي من أعضاء المجلس الموقر في الأمم المتحدة باستغاثة للمنظمة التي تتبع الأمم المتحدة لوقف القتل الذي يجري على مرأى من المجلس ودوله الأعضاء، هذا التواطؤ والصمت من مجلس الأمن الدولي هل يشير إلى توافقه مع أفكار التهجير و”ريفييرا” ترامب الموعودة على أرض غزة؟

وتقف المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة التي تختص بحقوق الأطفال والمرأة، وكذلك الخاصة بالتراث الإنساني، مثل اليونيسف واليونسكو وغيرهما من الهيئات الأممية، عاجزة عن التصرف بشأن الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة، وقد صدعتنا هذه المؤسسات بالدفاع عن حقوق الأطفال والمحافظة على التراث الإنساني طوال عقود من عمر المنظمة الدولية الذي يناهز 80 عاما.

يبدو أن المنظمة الدولية المسماة الأمم المتحدة قد أصابتها الشيخوخة ومعها كل الهيئات التابعة لها، بل إن منظمة مثل الاتحاد الدولي للصحفيين تتخذ الموقف نفسه من الصمت والتواطؤ مع استمرار القتل اليومي للصحفيين في قطاع غزة حتى وصل عدد الشهداء من الصحفيين إلى 214، ويا ليته كان قتلا شريفا في معارك، بل هو إحراق بأحدث الأسلحة التي أمدت بها الولايات المتحدة الكيان الصهيوني خلال فترة الهدنة.

رغم المظاهرات في العديد من المدن الغربية والأمريكية، التي يشارك فيها عشرات الآلاف في لندن ونيويورك وواشنطن وغيرها، فإن الأصوات الهادرة في كل أنحاء العالم لا تسمعها الدول الكبرى أو المنظمات الدولية، وفي بعضها يُطلق الرصاص كما حدث في إحدى الجامعات الأمريكية، أو اعتقال عدد من المتظاهرين في فرنسا وألمانيا، أو الفصل من العمل كما حدث في شركات أمريكية وجامعات أوروبية. ورغم صرخات الإنسانية فإن أي منظمة أو هيئة دولية لا تتحرك لإيقاف الحرب على غزة، وهو لغز يحتاج إلى تفسير، هل يمكن أن نقول إنها المؤامرة؟ وإذ قلنا ذلك فهل نصبح نحن المتهمين بسوء النيات اتجاه الغرب ويقال إننا ما زلنا نعاني عقدة الاستعمار؟ فإن كنا لسنا كذلك فهل يوجد عاقل أو مفسر يقول لنا ما الذي يحدث لهذه المؤسسات، ولماذا هي موجودة حتى الآن ويرتضيها العالم؟

صمت عربي وإسلامي

ما يُحزن القلب ويحتار معه العقل ليس الصمت العالمي، فقد اعتدنا من الغرب هذا التعامل معنا عربا ومسلمين، ولا يخجل قادة الكيان الصهيوني في إعلان نيتهم الاستيلاء على أرض العرب وتربية أجيالهم على مملكتهم الممتدة من النيل إلى الفرات، ولا يستخدمون كلمات خفية في إعلان أطماعهم في فلسطين ومصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان، ولا يتخفون أمام كلمات برّاقة أو منمَّقة. الأسوأ من ذلك هو الصمت العربي بشأن ما يحدث، فلم تدعُ أي دولة عربية أو إسلامية إلى عقد اجتماع للجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي لمناقشة نقض الاتفاق، أو بحث أحوال أهالي غزة وسط المحرقة.

بعد مؤتمرين في فترة الحرب الأولى للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وبعد اجتماعات عدة لوزراء الخارجية الثمانية التي صدر عنها قرار في اجتماع الرياض لم نر أثرا لهذه اللجنة واجتماعها، والمدهش أنهم لم يلتقوا منذ 19 مارس/آذار الماضي عندما بدأت المرحلة الثانية من تدمير غزة وإحراقها حتى الآن، كل ما يصدر كلمات ضعيفة من القلائل هنا وهناك، وبعد صمت جبهتَي لبنان وإيران عن أي مساندة للمقاومة في فلسطين أصبح الصمت مطبقا على أمة العرب والأمة الإسلامية، ولا نجد صوتا قويا إلا في اليمن وما يقدّمه من إسناد قوي للمقاومة في غزة، وما يقوم به أهل اليمن الشجعان بمظاهراتهم المليونية كل أسبوع دعما لأهالي غزة والمقاومة فيها، ولا صوت رصاصة تخرج من أي جبهة عربية إلا صواريخ اليمن اتجاه الأرض العربية المحتلة، أما ما يحدث في مصر والأردن والضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية فهو عار عربي وإسلامي.

رغم المظاهرات في بعض الدول العربية والإسلامية، خاصة المغرب وتركيا وإندونيسيا وبعض المشاهد في الجزائر، فإن ما يحدث في العالمَين العربي والإسلامي ما زال تأثيره ضعيفا جدا، ولا يليق بأمّة يُذبح إخوانها وأطفالهم ونساؤهم، ويُحرقون على الهواء مباشرة. أعتقد أن بعض الجبهات تستطيع أن توقف ما يحدث في غزة إن أرادت ذلك، خاصة الدول الكبرى في المحيط الفلسطيني، أولها بالتأكيد مصر وأهلها إن أرادوا، وتستطيع تركيا أيضا أن تتحرك بشكل أكبر لوقف المحرقة في غزة، وكذلك بقية الشعوب العربية.

الواقع أن الكتابة عن ما يحدث في غزة أصبح عبئا كبيرا لا يُحتمل مع الكوارث اليومية التي يتحملها أهلنا في القطاع المحاصر ببسالة وصمود نادر إنسانيا، ولذا فإن الكتابة عن هذه الآلام وما يحدث، يطرح سؤالا عن جدوى الكتابة، لكننا لا نملك إلا أن نصرخ كتابة: أوقِفوا حرب الإبادة، وكفى عارا على الإنسانية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان