سعد الهلالي والبحث عن الفتاوى الشاذة

في الآونة الأخيرة، أصبح اسم الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، مرتبطا بالعديد من الفتاوَى المثيرة للجدل التي يراها البعض شاذة، وغير متوافقة مع ضوابط الشريعة الإسلامية.
وقد أثار الهلالي بآرائه الكثير من الانتقادات؛ ما دفع العديد من العلماء والمشايخ إلى إبداء الاستنكار، ورفض بعض فتاواه علنا؛ لكن في خِضم هذه الفتاوى الغريبة، يبرز تساؤل مهم: هل هي اجتهادات فقهية؟ أم مجرد محاولات للتصدر الإعلامي؟
بداية المشوار في قناة “أزهري”
للإجابة عن هذا السؤال، ومعرفة طريق الهلالي، لا بد من الاطلاع على شهادة شخص كان على علاقة قريبة بالهلالي؛ إذ يروي الإعلامي المعروف، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، تهامي منتصر، عن بداياته مع سعد الهلالي في قناة “أزهري”، حيث كان الهلالي واحدا من الأوائل الذين ظهروا على شاشة القناة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمن يُشعل النيران في الشرق الأوسط؟ قراءة في مصادر الصراع
علمانية الطوائف السورية
طلقات حاخام: القومية نزعة شريرة والصهيونية “أخلاقية”
وفي أحد منشوراته على صفحته في الفيس بوك، تحدث منتصر عن طبيعة العلاقة التي جمعته بالهلالي، مشيرا إلى أنه كان يراه شخصا ليس له وزن علمي يُذكر في الجامعة الأزهرية. وفي تلك الفترة، كان الهلالي يعمل أستاذا مساعدا في الجامعة، ولم يكن من العلماء المعتبرين.
وفي أول لقاء له على قناة “أزهري”، دخل الهلالي حاملا حقيبة سوداء بها كتاب وقلم، وساندويتش طعمية -وفقًا لشهادة منتصر- وكان الهلالي يقدم نفسه على أنه “عالم في الفقه المقارن”، لكن لم يكن يحمل من العلم الشرعي ما يؤهله لتلك المكانة، وبعد ذلك، قدمه خالد الجندي، مدير البرامج في القناة، للجمهور، معترفا به “نجما” في مجال الفقه.
وقد بدا واضحا في ذلك الحين أن الجندي كان يسعى لصناعة نجم جديد في عالم الفتاوى، فبدأ يوجه الهلالي؛ ليبحث عن الآراء الفقهية الشاذة، والمثيرة للجدل.
خالد الجندي وصناعة نجم
من خلال منشور منتصر، نعلم أن خالد الجندي كان له دور محوري في تحويل الهلالي من أكاديمي متواضع لشخصية إعلامية مثيرة للجدل. ففي أحد اللقاءات، قال الجندي للهلالي بصراحة: “أنا شامم فيك ريحة نجم.. وسوف أصنع منك نجما يعشقه الناس، بشرط أن تبحث عن الآراء الشاذة في الفقه الصادمة للمشاهدين”، وكان هذا بمثابة الضوء الأخضر للهلالي للانطلاق في عالم الفتاوى التي تثير الضجة أكثر من تلك التي تنتهج القيم الشرعية.
من هنا، بدأت رحلة الهلالي في الفتاوى الشاذة والمثيرة التي كان هدفها الأساسي هو جذب انتباه الجمهور، وزيادة نسبة المشاهدة، بعيدا عن التمسّك بالثوابت الدينية والشرعية، وهذا ما بدا واضحا عندما بدأ الهلالي يظهر في عدة برامج مطلقا فتاوى غير مألوفة، وغالبا ما تتناقض مع الآراء السائدة في المجتمع الإسلامي.
أحد المواقف المثيرة التي يحكيها منتصر في شهادته هي تلك التي حدثت عندما تم استضافته مع الهلالي في برنامج “المجلس” بدلا من خالد الجندي، يصف منتصر أن الهلالي الذي كان يتصور أنه في “مدرسة الجندي”، بدأ في إطلاق تصريحات عشوائية، وغير منطقية، لكن منتصر كان جاهزا للرد والتصحيح، ما جعل الهلالي يبدو في موقف حرج للغاية، ودفعه ليؤكد أنه لن يكرر تلك الحلقة مرة أخرى إلا بعد عودة الجندي.
هذه الحادثة كشفت عن حقيقة العلاقة بين الهلالي والجندي، والتي لم تكن علاقة علمية؛ بل علاقة تحكمها المصالح الإعلامية، فهذا التحول من عالم أزهري إلى “مهرج إعلامي” يطلق فتاوَى دون سند علمي أو شرعي كان يراه منتصر خطوة نحو الانحدار الفكري، لا سيما مع ما تبعه من تقديم برامج يومية وشهرة واسعة تُضاف إلى رصيد الهلالي الإعلامي.
الفتاوى الغريبة
عُرف الدكتور سعد الهلالي بتقديم فتاوَى شاذةٍ أثارت انتقادات واسعة من مختلف الأوساط الدينية، ومن أبرز هذه الفتاوى إنكار فرضية الحجاب؛ حيث صرح في أكثر من مناسبة بأن الحجاب ليس فرضا شرعيا؛ بل هو “اختيار اجتماعي!”.
كما أفتى بزواج الرجل من ابنة زوجته بشرط أن تكون قد تربّت بعيدًا عن زوج الأم، وأفتى بعدم حرمة عمل الخادم الذي يقدم الخمر في الفنادق والبارات، واعتبر الراقصة شهيدة إذا قُتلت أثناء عملها، ما أثار استنكارا واسعا، كما حلل شرب الخمر ما لم يسكِر، وغيرها من الفتاوى الشاذة التي أثارت العلماء والرأي العام.
ومؤخرا، تحدث عن الميراث باعتباره “قرارا شعبيا” يمكن تعديله حسب رغبة الأفراد من خلال الاستفتاء عليه، وهو ما يخالف الأصول الشرعية الثابتة التي تُحدد توزيع الميراث بشكل قطعي.
هذه الفتاوى وغيرها من الآراء التي أطلقها الهلالي أثارت جدلا كبيرا، واعتبروها فتاوى تخالف الثوابت الدينية، وتعرّض الإسلام للانقسامات.
موقف الأزهر
الأزهر الشريف، لم يتوانَ في اتخاذ موقف صارم تجاه فتاوى الهلالي، فقد أصدرت مشيخة الأزهر عدة بيانات تنبذ هذه الفتاوى، وتؤكد أن الإسلام لا يمكن تكييفه حسب الأهواء الشخصية، أو المطامع الإعلامية.
يذكّرني الهلالي بالمفكر جمال البنا الذي ذهبت مرة لإجراء حوار معه، ليس بهدف الاستفادة من علمه؛ ولكن لكي أحصل على تصريحات وآراء صادمة منه، وهو ما حدث؛ حيث أفتى بإباحة شرب الحشيش والتدخين في نهار رمضان، وأشياء أخرى غريبة وشاذة، وكانت شقته في شارع الجيش بالقاهرة عبارة عن مكتبة تحوي آلاف الكتب، والحديث عن جمال البنا يحتاج لمقال مستقل.
ولكن يبقَى السؤال حول الهلالي: هل هو عالم يسعى لاجتهادات فقهية هدفها تطوير الفكر الإسلامي؟ أم هو مجرد أداة إعلامية تحاول تلبية احتياجات وسائل الإعلام والشهرة على حساب الدين؟ الإجابة قد تكون بين يديه، لكنها في نظر الكثيرين أصبحت أكثر وضوحا مع مرور الوقت؛ حيث أصبحت فتاواه وسيلة للفت الانتباه أكثر من كونها وسيلة للاجتهاد العلمي، أو خدمة المجتمع والدين.