نتنياهو في المصيدة السورية

وقع نتنياهو في المصيدة السورية، ولن يخرج منها منتصرا، وإن لم يبادر ويخرج بسرعة من الفخ الذي أوقع نفسه فيه، ويبحث له عن طريق للهروب يحفظ له ماء الوجه سيكون في موقف لا يحسد عليه، ولن يخرج منه سالما، حيث ستغلق عليه كل الأبواب، ليواجه مصيره في أسوأ الجبهات التي فتحها بحثا عن انتصار بعد الهزيمة في غزة، وظن أنه يُنسي بها الإسرائيليين فشله وعجزه عن تحقيق أي إنجاز في القطاع الفلسطيني المحاصر من كل الجهات.
لم يتحمل الإسرائيليون سقوط بشار الأسد الذي لم يطلق رصاصة على الاحتلال، ودفعهم الغيظ والغضب للهجوم على سوريا منذ الليلة الأولى لتغيير النظام، مستغلين حالة الانتقال السياسي وضعف القدرة العسكرية للحكم الجديد، وبروز النزعة الانفصالية للطوائف المتمردة، ووجود الاحتلال الأمريكي في أكثر من 40% من الأراضي السورية، وغياب نصف الشعب السوري مهجرين بالخارج والربع نازحين في الداخل.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمن يُشعل النيران في الشرق الأوسط؟ قراءة في مصادر الصراع
علمانية الطوائف السورية
طلقات حاخام: القومية نزعة شريرة والصهيونية “أخلاقية”
لم يعلن الإسرائيليون هدفا محددا من وراء التوغل واحتلال مناطق واسعة في جنوب غرب سوريا والوصول إلى جبل الشيخ، واستمروا في القصف الجوي منذ أكثر من 3 أشهر للمطارات والمعسكرات والمواقع الاستراتيجية، فتارة يقولون إنهم يوسعون منطقة أمنية منزوعة السلاح لحماية المستوطنات في الجولان، وتارة أخرى يزعمون أنهم يحمون الأقليات، وفي بعض الأحيان يقولون أنهم يخشون من هجوم جماعات سورية مسلحة، ومؤخرا أعلنوا رفضهم لوجود حكم إسلامي سني على حدودهم!
رعب طوفان الأقصى
لا يستطيع الإسرائيليون نسيان ما جرى في طوفان الأقصى وهجوم جنود القسام بأسلحتهم الخفيفة على فرقة غزة وهزيمتها، وأسر قادتها وجنودها، رغم التفوق العسكري الإسرائيلي وتقنيات الذكاء الاصطناعي وكل الترتيبات العسكرية التي تضمن الأمن للكيان، ويدفعهم الرعب من تكرار الهجوم البري إلى استمرار الحرب وتدمير القطاع، طمعا في استسلام حماس ورفع الراية البيضاء، ويفتحون جبهات أخرى في معارك لا نهائية غير مبالين بالعواقف.
الخوف من تكرار الهجوم أصاب نتنياهو ومعاونيه بالهلع وفقدان العقل والاتزان، وبدلا من وقف العدوان على غزة والبحث عن هدنة طويلة والاستجابة لمطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه، وهي أقصر الطرق لاستعادة الأمن والهدوء؛ فتح الإسرائيليون جبهات خارجية واندفعوا في حروب عدوانية بدعاوى ” القضاء على التهديد” وهو هدف مستحيل، وقرروا التأسيس لسياسة دفاعية جديدة تنتقل من الدفاع إلى الهجوم الاستباقي، لا تكتفي بتقوية الدفاعات داخل حدود الكيان، وإنما بالتوسع العسكري خارجه، أي العمل العسكري الدائم داخل غزة وفي دول الجوار.
منظومة الدفاع البري متعدد الطبقات
أعلن نتنياهو عن المنظومة الجديدة للدفاع البري متعدد الطبقات، وتناولها القادة العسكريون بالشرح في الإعلام الإسرائيلي، لإقناع الرأي العام بضرورتها الاستراتيجية لإنقاذ دولة الاحتلال من الزوال، وتتكون المنظومة من ثلاث طبقات، الأولى: داخل الأراضي الإسرائيلية حيث يتم تطوير الخطط الحالية وسد الثغرات التي كانت سببا في اجتياح الغلاف، والطبقة الثانية: داخل أرض العدو (غزة ولبنان وسوريا) حيث تنتشر القوات الإسرائيلية في منطقة فاصلة، يختلف عمقها حسب الطبيعة الجغرافية والعملياتية، ويتراوح الانتشار بين الوجود الدائم في نقاط استراتيجية أو من خلال دوريات برية، ومراقبة جوية دائمة بالمسيرات، والطائرات المقاتلة التي يمكنها قصف أي هدف أيا كان وفي أي وقت، والطبقة الثالثة: نزع السلاح من المناطق والدول المجاورة التي تشكل تهديدا لـ “إسرائيل”.
خطط نتنياهو للدفاع متعدد الطبقات تنقل الصراع العربي الصهيوني إلى مرحلة بالغة الخطورة، فهي لا تحترم سيادة الدول، وتعطي الإسرائيليين سلطات مطلقة في العدوان وتوجيه الضربات بلا حساب، وهي اعتداء صريح على القانون الدولي، الذي لا يعطي أي دولة مشروعية احتلال أرض الغير، والعدوان على الجيران بمزاعم منع التهديد.
إذا تم تمرير السلوك الإجرامي والقبول بحق الإسرائيليين في تنفيذ خططهم العدوانية في غزة ولبنان وسوريا، فما الذي يمنعهم من العدوان غدا على مصر والأردن وأي دولة عربية أو إسلامية إذا شعر الكيان وداعموه بالخوف والريبة؟!
العدوان على سوريا مغامرة خاسرة
إذا كان الإسرائيليون قد نجحوا في تقييد حزب الله – ولو بشكل مؤقت-، لكونه جماعة داخل دولة، من خلال الضغط على الحكومة والجيش اللبناني واستغلال الوضع الداخلي المعقد، فإن تنفيذ الخطة الإسرائيلية في سوريا له تداعيات أكبر مما يتوهمه صانع القرار الإسرائيلي، فالصراع هنا مع دولة، تحظى بالتعاطف من طيف واسع من دول عربية وإسلامية وحتى أوربية لأهمية سوريا ولأسباب سياسية ومصلحية.
قد تكون الحكومة السورية الجديدة ضعيفة عسكريا لكن قوتها في شعبها الذي خاض حرب تحرير طويلة وقاسية، وتحمل القصف الجوي بالبراميل والصواريخ، وقاوم الغارات الروسية من الجو وتصدي للاحتلال الإيراني وقواته البرية حتى نجح في النهاية في تحقيق الانتصار، ورغم حرص الرئيس السوري أحمد الشرع على تجنب المواجهة الآن قبل إعادة بناء الدولة المدمرة وعودة الشعب المهجر؛ فإن استمرار العدوان الإسرائيلي قد يفرض على السوريين القتال مكرهين.
لا يحتاج السوريون إلى الدبابات والطائرات القديمة التي دمرها الإسرائيليون، ويكفيهم العنصر البشري الاستشهادي –بالملايين- الذين يمكنهم في أي لحظة تنفيذ هجوم مماثل لطوفان الأقصى على قوات الاحتلال المتوغلة في الأراضي السورية وسحقها، ويمتلك السوريون الطائرات المسيرة والصواريخ التي تمكنهم من فرض معادلة جديدة تردع الاحتلال، وتجبر نتنياهو إلى العودة إلى اتفاقية فك الإشتباك الموقعة عام 1974 التي أعلن الشرع أنه ملتزم بها.
لقد ذاق الإسرائيليون الرعب في معركة رمزية في درعا، عندما توغلوا في مدينة نوى بالدبابات، فخرج عليهم الشباب السوري والمقاومة الشعبية بأسلحة خفيفة واشتبكوا مع الإسرائيليين، ونشر الإعلام الصهيوني -وقتها- عن سقوط قتلى وجرحى من جنودهم، وتم إنهاء المعركة بدخول المسيرات والقصف المدفعي واستخدمت المروحيات لفتح طريق للانسحاب.
قد يهدد نتنياهو بضرب مقار الحكم وتدمير الدولة، لكنه سيكون ارتكب خطأ عمره، وسيفتح على نفسه معركة كبرى، فالجولاني وأفراد حكومته سيرتدون ملابس الحرب ويخوضون معركة وجود لن تكون أصعب من مواجهة جيوش بشار والدول التي كانت معه، وسيواجه الإسرائيليون جبهة واسعة يصعب حصارها، حتى لو تورط معه الأمريكيون بشكل مباشر، وخلف سوريا تركيا وخلفهما العالم الإسلامي الذي سيجدها فرصة للانتقام لغزة، التي لا يستطيع المسلمون الوصول إليها ونصرتها.
ستكون المواجهة مع تركيا
يعلم الإسرائيليون أن تركيا تقف مع السوريين بكل قوتها، وترفض الأطماع الإسرائيلية في سوريا لأسباب استراتيجية وعقدية، وإذا ما قرر نتنياهو مواصلة العدوان فإنه يقترب من الصدام مع الأتراك، الذين سيمدون السوريين بالأسلحة المتطورة القادرة على تهديد الكيان الصهيوني، وخشية هذا السيناريو الكارثي على الإسرائيليين تدخل ترامب، الذي طلب من نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن عدم إغضاب أردوغان والبحث عن تجنب الصدام.
في البداية شجعت المواقف العنترية لترامب نتنياهو للتفكير في الدخول في حرب مع الأتراك وبدأ يناقش خطط المواجهة المحتملة، لكن العجز الإسرائيلي والأمريكي في غزة حتى الآن أمام الصمود الفلسطيني الأسطوري، والفشل في ردع الحوثيين في البحر الأحمر من الدوافع التي أجبرت ترامب على التراجع والتعقل وتهدئة الجبهات، خاصة بعد غرق الرئيس الأمريكي في الأزمات الداخلية بعد قرارات الرسوم الجمركية التي هزت مكانة الولايات المتحدة، ووضعها في مواجهة مع الصين وأوربا وباقي دول العالم.
الحكومة السورية الجديدة تسير بخطى محسوبة، وقد نجحت في توحيد الدولة والقضاء على خطط التقسيم، وأفشلت النزعات الانفصالية للطوائف، وبالتأكيد لديها خطط كاملة بالاتفاق مع الأتراك لمواجهة العدوان الإسرائيلي، ولن يكون أمام نتنياهو غير التوقف عن العدوان والانسحاب، وإن لم يتم الخروج الإسرائيلي من سوريا طواعية فسيكون بالإكراه.