نهاية الإخوان!!

(الفرنسية)

 

بعد كل قرار يتعلق بالتضييق على الإخوان، أو حل تنظيمهم في قطر من الأقطار، تخرج المنصات الإعلامية التي تكرههم بالحديث عن الضربة القاضية للإخوان، وإعلان نهاية الجماعة والتنظيم، وكان آخر بشارات هؤلاء يوم صدور قرار حل جماعة الإخوان في الأردن، ومصادرة ممتلكاتهم.

ولو رحنا نجمع قرارات حل الإخوان على مدار تاريخها، ستدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، فقد كان أول قرار حل للجماعة، في الثامن من ديسمبر سنة 1948، وهذا التاريخ المكروه للإخوان، جاء تاريخ آخر معاصر، وأنسى الناس هذه الذكرى، إنه يوم تاريخ انتصار الثورة السورية نفسه، الثامن من ديسمبر، ولم يعد يتذكر الناس سوى التاريخ الأخير.

وتم حل الإخوان مرة أخرى سنة 1954، وفي محاكمات 1965، وفي دول عربية صدر قرار سواء باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، أو جماعة محظورة، سواء صدر بذلك قرار رسمي، أو تم التعامل معها سياسيا بناء على ذلك، وتحويل ملفهم إلى ملف أمني، لا إلى ملف سياسي، أو مجتمعي.

والمشكلة في تناول ملف الإخوان إعلاميا لدى بعض الجهات غير المحايدة، أنه لا يتم تناوله بشكل علمي، بل بشكل مكايدة، وتخرج شخصيات تكتب تحت أسمائها: خبير الحركات الإسلامية، أو باحث في الحركات الإسلامية، والتعريف الصحيح لهذه الشخصيات: مباحث في الحركات الإسلامية، فمخرجاتهم لا تنم عن عقلية علمية، ولا منهج مستقيم، هو أمنيات، يتحدثون بها على أنها حقائق ووقائع، بينما هي تضخيم لقرارات سياسية أو أمنية، لأنه صادر عن عقليات أمنية مباحثية، لا بحثية.

الإخوان كيان بشري سينتهي:

ومسألة نهاية الإخوان، هي مسألة في عالم الأفكار والتاريخ، محكوم عليها في نهاية الأمر بالانتهاء، فهذا شأن كل كيان بشري، حتى لو كان هذا الكيان دعويا أو دينيا، فسيجري عليها ما يجري على كل مخلوق، وما يعلنه كتّاب الإخوان وشيوخها من أن الإخوان جماعة ربانية، فالمقصود هنا ليس الاسم، ولا النظام الداخلي لها، ولا تشكيلاتها، بل مقصود الأفكار ومصدرها، فهي ربانية من حيث إن غايتها رضا ربها، ترتجي ذلك، ومن حيث وسائلها، أي: تجتهد أن تكون خطواتها وحركتها وفقا لما أمر الله، وتكون جديرة بهذا الوصف وقريبة منه، بقدر اقترابها أو ابتعادها عن الربانية، وهذا شأن البشر جميعا، وشأن كل كياناتهم.

ولن تكون الإخوان أقوى من حضارات قامت وانتهت، كالخلافة الأموية، والعباسية، والعثمانية، فهذه حضارات جابت الأرض شرقا وغربا، وملأت الدنيا بحكمها، وبدأت كما تبدأ كل دولة، ثم دار عليها ما يدور من سنن الله في الكون، ثم دارت دورتها وضعفت وانتهت، وقام من يحمل راية أخرى ليبدأ مشوارا آخر من الدعوة أو الحضارة.

نهاية الإخوان من الداخل لا الخارج:

لكن الخطأ في تصور الذين يبشرون بنهاية الإخوان، أنهم يربطون ذلك بقرارات حكومية ضدهم، وهذا هو الوهم بعينه، فالإخوان كشأن كل كيان يرتكز على حركته على الإيديولوجيا، لا ينتهي، ولا يموت بقرار من سلطة، إلا إذا كانت هذه الحركة من قام على تأسيسها هو السلطة نفسها، فمن أقام كيانا يملك هدمه، أو إنهاءه، وهو ما لا يتوافر في الإخوان، وفي حركات أخرى سياسية وإسلامية.

ولو رحنا نتأمل حال الحركات المعاصرة التي استندت على أيديولوجيا، سنرى أنها انتهت بعوامل داخلية وليست خارجية، وعوامل الخارج كانت عاملا ثانويا، بعد اكتمال عوامل الانتهاء الداخلية، فالشيوعية مثلا، سقطت بأسباب تتعلق بها من داخلها، وقد ناصبتها العداء دول غربية وعربية، ولم تفلح في عدائها، بل وجدنا دولا تبنت الشيوعية سقطت فيها، وقامت في بلدان أخرى لاختلاف عوامل السقوط.

والحال نفسه يقال عن الإخوان، كم من الضغوط مورست عليها، منذ أيام الملك فاروق، وقد تم حلها في عهده، وقال عن هذه الفترة شيخنا القرضاوي -رحمه الله-: كنا نعمل وقت حل الجماعة أكثر من قبل، وكانت الجماعة تنتشر بين الناس أكثر، بل كانت تسبقنا ولا ندركها، دون لافتة، ودون صيغة قانونية، والحال نفسه أيام عبد الناصر والسادات ومبارك، فقد كان يقال عنها في الإعلام السلطوي: المحظورة، وكان يقال عنها في الإعلام الآخر: المحظوظة، تعبيرا عن الواقع.

الإخوان لن تنتهي بقرار من سلطة، بل ستنتهي بما يجري داخلها من نزاع وشقاق، واختلاف صدع بنيانها، وهز ثقة من يحبونها، وجعلها أثرا بعد خبر، وأطلالا بعد بناء شامخ كان يعجب كل من يراه، وإن فعل شخص واحد من داخل الإخوان، يمثل عاملا في الهدم والضعف، أكبر عشرات المرات من فعل سلطات مجتمعة، تخطط لذلك.

الإخوان ستنتهي حين تفقد عوامل الحياة، حين تجمد على أفكارها، وتتشبث بأشكال تنظيمية، لا تقدم ولا تؤخر، وتصبح مجرد كيان تقليدي يجمع الناس شكلا، ولا يجمع بين قلوبهم ولا عقولهم، تتنافر فيه القلوب، وتتخلف فيه العقول، وهو ما يسير بشكل ملحوظ في الجماعة، لا ينكره المحب، ولا القلق على حاضرها ومستقبلها، وما لم يستدرك ذلك أهلها، سيدقون بأنفسهم المسمار الأخير في نعشها، وهو ما عبّر عنه صديقنا الدكتور خليل العناني بعنوان كتابه: الإخوان المسلمون.. شيخوخة تصارع الزمن، وليست الشيخوخة هنا بالمدة الزمنية، بل صفات الشيخوخة وعواملها، سواء كان القائمون على أمرها من شيوخ السن، أو شباب لكن العقلية عقلية شيخوخة.

ستنتهي الإخوان بلا شك، فهذا قدر الله في كل خلقه، وسيخلفها كيان آخر، يعيد ما قامت به، فلا يعرف في التاريخ أن أفكارا ماتت بموت الكيان الذي يحمله، فلا يفرح الشامتون فلن تكون النهاية بأيديهم، بل بأيدي أصحاب المشروع، حين يصرون على عدم المراجعة الجادة للتجربة، والعمل على تصحيح الأخطاء، أو رفض ذلك، والإصرار على أنهم لم يخطئوا، وأن الأفكار والوسائل والخطط لا تحتاج لتجديد، فما هو قائم ليس في الإمكان أبدع مما كان، وعندئذ تكون الإخوان بنفسها قد اختارت النهاية بيدها لا بيد سلطة تصدر قرارا، يظل حبرا على ورق، ما لم تحوله الجماعة نفسها لواقع، لكنه يكون من داخلها، وهو قانون رباني، يقول تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11]، وقال: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [هود: 117].

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان