فيديو القسام لإنقاذ الأسرى الإسرائيليين.. هل وصلت الرسالة؟

الأسير الإسرائيلي عُمري ميران
الأسير الإسرائيلي عُمري ميران (الجزيرة مباشر)

هي “الحرب النفسية”.. أشعلتها مُجددا، كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، نارا حامية.. اجتاحت “نفوس” الإسرائيليين (مدنيين، وعسكرين، وساسة). فأثارت بينهم الانشقاقات، ليتسع بركان الغضب، نقمةً على حكومتهم برئاسة بنيامين نتنياهو، لاستمرارها في الحرب، قتلا للأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. إذ تفاقم سخط الجمهور الإسرائيلي، مع نشر القسام يوم السبت، تسجيلا بالفيديو لمقاتليها وهم ينقذون أسرى إسرائيليين، انهار عليهم النفق، المحتجزين فيه، بفعل القصف الجوي الإسرائيلي المتوحش للقطاع. وبدا أحد الأسرى، على وشك الموت، يتم إمداده بالأكسجين إنقاذا لحياته، ولم يُظهر المقطع، نجاة الأسير أو عدمها، ليكون الفيديو بمثابة رسالة قاطعة الدلالة والبرهان إلى المجتمع الإسرائيلي بأن نتنياهو يعمد إلى قتل الأسرى بهذه الحرب العبثية، التي يشنها على القطاع، للتخلص من الأسرى لتعويم نفسه من الغرق سياسيا ليس أكثر.

وزراء لم يحملوا السلاح يوما

رسالة فيديو إنقاذ الأسرى وصلت، وهو ما أكدته سياقات الأحداث الجارية حاليا على الساحة الإسرائيلية الداخلية. فلم يكد الفيديو، يتداول حتى اندلعت المظاهرات الغاضبة، وراح آلاف الإسرائيليين يجوبون شوارع تل أبيب، احتجاجا على نتنياهو، وطالبوا بعودة عملية تبادل الأسرى ولو توقفت الحرب نهائيا. وسرت حالة الغليان بين ساسة الاحتلال، فانتفضوا هجوما على نتنياهو وحكومته. فكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت، تدوينة على منصة إكس (تويتر سابقا)، تناقلتها وكالات الأنباء.. انتقد فيها بشدة، تعثر الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، رغم التصريحات الرنانة لوزراء لم يحملوا السلاح يوما، على حد تعبيره.

نبي الغضب.. وتمرد وعصيان مدني

على الخلفية ذاتها، وفي حديث للإذاعة العبرية الرسمية صباح يوم الأحد، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، نتنياهو بإعلان الحرب على إسرائيل، وأيّد دعوة رئيس الشاباك الأسبق عامي أيالون للإسرائيليين إلى التمرد والعصيان المدني. وكلاهما اتهم نتنياهو بتعطيل صفقة تبادل الأسرى، والمزيد من التورط في غزة. وأظهرت استطلاعات الرأي خلال الساعات الأخيرة أن 70% من الإسرائيليين، يرفضون استمرار الحرب، وينادون بصفقة مع حركة حماس، تُعيد أسراهم.

كما قال ضابط الجيش الإسرائيلي المعروف بـ”نبي الغضب”، اللواء المتقاعد إسحاق بريك، في مقال نشره بصحيفة معاريف العبرية، إن كل الدمار الجاري في غزة لا هدف له، سوى إيجاد انطباع كاذب بانتصار لم يتحقق تضليلا للرأي العام من القادة العسكريين والساسة على السواء.

الكمين المضاد.. وكسر السيف

عودة إلى مقطع إنقاذ الأسرى، فقد أسبقته القسام بنشر مقاطع عدة في الأيام الماضية لكمائن سقط فيها جنود من جيش الاحتلال قتلى وجرحى. بداية بكمين كسر السيف قبل أيام باستهداف آلية عسكرية من المسافة صفر، وقتل الجنود داخلها. ومنها تسجيل لـ”كمين مضاد”، تم نصبه لجنود إسرائيليين، أرادوا اصطياد مقاومين، فسقطوا هم في الكمين المضاد. وزاد من الآثار النفسية المدمرة لهذه المقاطع والكمائن أنها جاءت بعد أكثر من شهر من عودة جيش الاحتلال إلى حرب الإبادة على غزة، وظن البعض أن “المقاومة” غائبة لتاتي هذه الضربات الموثقة صوتا وصورة صادمة للاحتلال جيشا ومستوطنين، وذلك لكونها اخترقت المناطق العازلة المُقامة في غزة، بعد عودة إسرائيل إلى الحرب تنصلا من اتفاق وقف إطلاق النار (17 /1/ 2025).

السلاح النفسي.. وهجرة عكسية لمليون مستوطن

الأذرع الإعلامية للقسام وفصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع، برعت في استخدام سلاح “الحرب النفسية” لضرب معنويات مستوطني الاحتلال الإسرائيلي وجنوده، بشكل فائق طوال حرب الإبادة الوحشية المستمرة، منذ 19 شهرا. ونجحت المقاومة في كسر التفوق الإسرائيلي المعلوم في هذا المجال، على الرغم مما تعانيه من حصار إعلامي غربي وعربي (غالبا). فوثقت بمقاطع الفيديو عملياتها العسكرية الفعلية، لتكون “سلاحا نفسيا”، يأتي أُكله بتغذية الانقسامات، داخل المجتمع الإسرائيلي. بداية بعملية طوفان الأقصى (7 /10/ 2023)، وتسجيل اقتحام كتائب القسام (بالصوت والصورة) للقواعد العسكرية الإسرائيلية وغيرها، بمناطق غلاف غزة، وقتل وأسر جنودها. وهو ما أسفر عن زلزال عميق ومُدمر للأفكار والاقتناعات الإسرائيلية المتعلقة بالردع والمناعة العسكرية، وانهيار الشعور بالأمان لدى المستوطنين، فاندفعوا في هجرة عكسية (مليون شخص وفقا لوسائل إعلام عبرية)، بلا عودة، بعد انهيار الحلم، بالجنة الموعودة.

المقاومة.. وتصدير الأزمات والانشقاقات

“الحرب النفسية” أحد أمضى الأسلحة في الحروب منذ فجر التاريخ وميلاد البشرية، وإن تغيرت وسائلها بما يواكب العصر. ففي أزمنة سابقة، قبل عشرة قرون؛ أجاد المغول تفعيل هذا السلاح، لاجتياح البلاد الأخرى وغزوها. فاستعان جنكيز خان ملك المغول بجواسيس يسبقونه، فيبثون الرعب في نفوس الخصوم والأعداء بالتهويل وإطلاق الشائعات، ومحاولة إضعاف معنويات المقاتلين، عبر نشر الأخبار عن الأفعال الوحشية لجيش المغول، وأعداده الضخمة، فينهار الخصوم -في بعض الحالات- دون قتال. فهي أداة للصراع، هادفة لتدمير معنويات الخصم، والتأثير فيه لصالح أهداف الطرف المهاجم بهذا السلاح النفسي. وذلك، بإثارة الخوف والقلق والتوتر لدى جنود الدولة المعادية، وشعبها أو البيئة الحاضنة للجيش دون إطلاق النار أو القتال. وهي ليست عشوائية، بل مُخططة، تتوجه إلى العواطف والمواقف والسلوكيات والآراء لتبديلها، وإلى الجماعات والشعوب والجيوش للنيل منها دون خسائر في الأرواح. من هنا، فإن مقطع إنقاذ الأسرى، حقق مُبتغاه في سياق حرب نفسية أوسع مارستها المقاومة الفلسطينية، ببراعة في ظل حصار إعلامي غربي وعربي (غالبا) ما عدا قناة الجزيرة وفضائيات أخرى معدودة. فأنجزت بتميز -ولا تزال- حربا نفسية مخططة واعية مبتكرة، قوامها بطولات وحقائق على الأرض دون فبركة أو ضلالات وأكاذيب.

فكان للمقاومة ما أرادت بأن رسالتها من “مقطع إنقاذ الأسرى” قد وصلت، وأنتجت تفاعلاتها من تصدير الأزمات وإثارة المشاحنات السياسية والانقسامات والتوتر داخل إسرائيل وبين جنودها؛ لكون المقطع كاشفا لتورط نتنياهو في قتل أسراه عمدا. وهو ما أربكه وحكومته وجيشه، وزاد من الضغط عليه لإنهاء عدوانه لا سيما أن الخسائر في الجنود تتزايد يوميا.

المجد للشعب الفلسطيني المقاوم.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان