إعادة إعمار سوريا هل تحل أزمة تركيا الاقتصادية؟!

في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تواجهها منذ مدة زمنية ليست بالقليلة، نتيجة العديد من العوامل والتطورات، وزيادة التوترات التي تشهدها المنطقة والعالم، تسعى تركيا إلى البحث عن بدائل جيدة تستطيع بموجبها التخفيف من حدة التأثيرات السلبية التي تنعكس على اقتصادها، وتزيد من المعاناة اليومية لمواطنيها.
ويأتي ذلك خاصة بعد الركود الذي بدأ يلقي بظلاله على الحياة الاقتصادية، إذ أفصحت الدراسات والإحصائيات الرسمية عن وجود زيادة ملحوظة في عدد الشركات والأنشطة التجارية التي بدأت تنسحب فعلا من الأسواق نتيجة الضغوط الاقتصادية، وانخفاض قيمة العملة المحلية، مما تسبب في عدم قدرة أصحاب الأعمال على الوفاء بالتزاماتهم سواء اتجاه موظفيهم أو الدولة بسبب الانخفاض الملحوظ في حجم مبيعاتهم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمن يُشعل النيران في الشرق الأوسط؟ قراءة في مصادر الصراع
علمانية الطوائف السورية
طلقات حاخام: القومية نزعة شريرة والصهيونية “أخلاقية”
وفق البيانات الرسمية شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري انخفاضا ملحوظا في عدد تأسيس الشركات الجديدة بنسبة 3.6% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، بينما ارتفع عدد الشركات التي أغلقت أبوابها بنسبة 5.6%، كما ارتفع عدد الشركات المساهمة التي أنهت أعمالها بنسبة 1%، وكانت أعلى نسبة إغلاق من نصيب الشركات التجارية الفردية، وقد بلغت 12.3% عن نفس الفترة.
سجل شهر مارس/آذار الماضي انخفاضا في عدد الشركات المؤسسة بنسبة وصلت إلى 4.7%، بينما تراجعت الشركات التعاونية الجديدة بنسبة 21.2%، وهي معدلات عدت بمنزلة جرس إنذار للتدهور المتوقع أن يزداد خلال الفترة المقبلة إذا لم يتم وضع حلول عملية لمواجهة هذه الظاهرة المحفوفة بالخطر، التي تنذر بزيادة معاناة كل من المواطنين وسوق العمل التركي نتيجة زيادة الأسعار مع تدني قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات البطالة نتيجة إغلاق العديد من الشركات أبوابها، وتقليص بعض آخر لنشاطاته.
الجائزة الكبرى والفرصة الذهبية لتركيا
وفي سبيل التصدي لهذه الظاهرة، ومنع تفاقمها، وتحقيق هدف الحكومة الرامي للخروج من براثن هذه الأزمة التي تهدد استقرار الدولة، وإفشال سعي أحزاب المعارضة لتوظيفها في إثارة حالة من الغضب بين المواطنين، تنشط تركيا دبلوماسيتها في مختلف إرجاء المعمورة لرفع حجم تجارتها البينية مع دول العالم.
وتسعى لزيادة وجودها التجاري والاقتصادي في الخارج عبر العمل على إقامة شراكات تجارية، وتوسيع نطاق استثماراتها، والاستفادة من الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية للدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة، للاستفادة من العمالة الرخيصة الموجودة بكثافة فيها، إلى جانب كونها سوقا ضخمة لا يمكن تجاهله لتسويق منتجاتها بمختلف أنواعها الصناعية، والزراعية، والعسكرية، وزيادة حجم وارداتها من العملة الأجنبية.
ورغم زيادة حجم التعاون الاقتصادي مع الكثير من دول العالم، وتوقيع عشرات الاتفاقيات التجارية والصناعية، وزيادة حجم الاستثمارات الخارجية، فإن مسألة الدور التركي في عملية إعادة إعمار سوريا يُنظر إليها من جانب المسؤولين الأتراك على أنها الجائزة الكبرى التي تستحقها الحكومة التركية بجدارة، والفرصة الذهبية التي عليها انتهازها لضرب عدة عصافير بحجر واحد. إذ إنها ستستفيد من ذلك:
1 – إعادة التوازن لاقتصادها، وخلق حالة من الانتعاش التجاري، والحد من ارتفاع نسب البطالة، ومواجهة تأثير عودة العمالة السورية الماهرة إلى بلادها على سوق العمل المحلي.
2 – التأكيد على مدى صحة ما اتخذته من قرارات اتجاه الأزمة السورية على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، وهي قرارات عانت بسببها أشد المعاناة، ودفعت ثمنها غاليا نتيجة استغلال المعارضة لها، وتوظيفها بصورة سلبية ضدها، مما وضعها في موضع المتهم الذي عليه أن يدافع دوما عن نفسه، ويبرر تصرفاته للجميع داخليا وخارجيا.
3 – الحفاظ على دورها بوصفها مشاركا أساسيا في قيادة سوريا الجديدة عبر العمل على تطبيق أُسس نظام الحكم الذي اعتمدته في المناطق السورية الشمالية الخاضعة لسيطرتها، إذ استطاعت بواسطته تسيير أمور الحياة اليومية للاجئين السوريين العائدين، والمهاجرين بسلاسة، وهو ما يمنحها القدرة على زيادة حجم نفوذها الإقليمي باستخدام أدواتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والثقافية، واستحضار الموروث التاريخي المشترك بينها وبين دول المنطقة.
النقاط الأساسية لخطة تركيا لإعمار سورية
وهو الدور التاريخي الذي يمنحها الأفضلية لأداء دور مركزي في عملية إعمار المناطق السورية التي تهدمت من جراء الحرب، مستعينة في هذا الأمر بما لديها من تنوع صناعي كبير في المناطق الحدودية المتاخمة للدولة السورية، وتحديدا محافظات جنوب شرق الأناضول، التي تشمل غازي عنتاب، وهاتاي، وشانلي أورفة، وهي محافظات لديها المقدرة الكاملة على تلبية كافة احتياجات سوريا في كافة القطاعات.
وتحقيقا لهذا الهدف تتوالى زيارات المسؤولين الأتراك للعاصمة دمشق، التي زارها حديثا كل من وزراء التجارة، والزراعة والغابات، والنقل والبنية التحتية، إلى جانب المباحثات التي أجراها عدد من المسؤولين الماليين والاقتصاديين ورؤساء الاتحادات الصناعية والزراعية والإنشائية الأتراك مع نظرائهم السوريين.
بينما قامت الأجهزة التركية المعنية بوضع خطة من عدة نقاط، يتصدرها رفع حجم الصادرات التركية إلى سوريا لتتخطى مليار دولار في القريب العاجل، منها 600 مليون دولار مواد غذائية، مع زيادة حجم التجارة البينية، والعمل على الإسراع في تطوير العلاقات الاقتصادية عبر توظيف السوريين العائدين من تركيا، الذين لديهم القدرة على التعامل باللغة التركية.
الحصة التركية المنتظرة من ميزانية إعادة الإعمار
لا تراهن تركيا على مسألة التبادل التجاري، أو تصدير منتجاتها الصناعية والزراعية لسد احتياجات السوريين الراهنة فقط، فخطتها تولي أهمية كبرى لحجم حصتها المنتظر من وراء إعادة تعمير وتأهيل القطاعات التي تضررت من جراء العمليات العسكرية التي قام بها نظام الأسد ضد المدن والقرى السورية المختلفة، مما تسبب في تدميرها وانهيار تام للبنية التحتية بها.
وتشمل هذه القطاعات شبكات المياه والصرف الصحي، والطرق والجسور والمرافق العامة، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات، إلى جانب آلاف المباني السكنية التي دُمرت ولم تعد صالحة للاستخدام، مما جعل من الصعب على شريحة كبيرة من السوريين السكن والإقامة أو التنقل بين المدن والقرى في مختلف أنحاء البلاد، وأعاق عودة غالبيتهم إلى مناطقهم، وهو ما يفسح المجال رحبا أمام الشركات التركية للمشاركة في إعادة الإعمار، ويوفر فرص عمل أمام الأتراك الذين يعانون البطالة.
إعادة الإعمار تتخطى تريليون دولار
وفق دراسة أعدها البنك الدولي بشأن حجم عملية التدمير الذي تعرضت لها سوريا على يد نظام الأسد، فإن حوالي 51% من أصول الدولة الممثلة في شبكات المياه، والصرف الصحي، وما يرتبط بالصحة العامة للمواطنين تعرضت للتدمير والتوقف الجزئي عن أداء المهام المنوطة بها، وتوقف 11% منها تماما عن العمل.
وتشير دراسات أعدتها المؤسسات الاقتصادية الدولية بناءً على دراسة البنك الدولي، إلى أنه من المتوقع أن تتخطى التكلفة المنتظرة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في سوريا، قياسا إلى حجم التدمير الذي تم رصده، مبلغ تريليون دولار، مع مدة زمنية من المحتمل أن تتجاوز 10 سنوات.
من هذا المنطلق فإن إعادة إعمار سوريا أصبحت لا تمثل تحديا هائلا أمام السوريين وحدهم، بل يشاركهم في هذا التحدي جيرانهم الأتراك، الراغبون مثلهم تماما في العمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها في ربوع سوريا، وتحقيق الاستقرار المنشود بها، الذي سيؤمن مستوى من الرفاهية ليس فقط للسوريين بل للأتراك أيضا الذين يطمحون في الحصول على الحصة الكبرى من ميزانية إعادة الإعمار، باعتبار أنهم كانوا شركاء في المعاناة التي عاناها السوريون، والآن حان الوقت ليكونوا شركاءهم في مرحلة البناء والتعمير وما يتلوها من رفاهية ورخاء.