ماذا وراء جحيم ترامب لإيران؟

تبدو إيران محشورة في الزاوية، في الآونة الحالية، بشكل غير مسبوق، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقرع بعنف طبول الحرب، عليها.. داعيا إياها إلى التفاوض، للتوقيع على اتفاق نووي جديد لحرمانها نهائيا من امتلاك السلاح النووي، وربما منعها حتى من استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية.
دعوة ترامب لإيران، أو تهديداته -لا فرق-، مسبوقة بتكثيف الغارات اليومية على معاقل ومناطق شمال اليمن الواقعة تحت سيطرة جماعة (أنصار الله) الحوثية (الموالية لإيران). ومصحوبة إعادة انتشار وتحركات عسكرية في المنطقة، وإرسال 6 قاذفات “بي 2” إلى قاعدة “دييغو غارسيا”، إلى قاعدة “دييغو غارسيا”، في المحيط الهندي (على مسافة 2400 ميل، من إيران).
الخضوع التام.. أو جحيم ترامب
معلوم، بأن التحركات العسكرية الأمريكية، هي للضغط على القيادة الإيرانية، بالتوازي مع التفاوض، لتكون الأخيرة أكثر لينا، وانصياعا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسعد الهلالي والبحث عن الفتاوى الشاذة
قانون التشافي الكوني: جبر الأضرار وتحقيق السلام الداخلي!
التنين الصيني يستعد لمواجهة النسر الأمريكي!
فمن عادة الأمريكان، التهديد أولا باستخدام “القوة”.. ثم استعراضها، وفي الأخير استخدامها، عند اللزوم. يتزامن هذا كله مع العربدة الإسرائيلية في سوريا، ولبنان (جنوبه، وشرقه، وعاصمته بيروت)، وعودة حرب الإبادة والتجويع على غزة. بعدما نفضت إسرائيل يدها (بإسناد أمريكي)، من التزاماتها في اتفاقي وقف إطلاق النار سواء في لبنان أو غزة.. رغم أنهما، كانا برعاية أمريكية.. بل وبضغوط من ترامب شخصيا. هذا كله يشي بأننا لسنا أمام دعوة للتفاوض.. بل للخضوع التام، أو مواجهة جحيم ترامب.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وعلى لسان العديد من كبار مسؤوليها.. حذرت بأنها لم تسعَ سابقا إلى حيازة القنبلة النووية، لكنها لن تتردد في امتلاكها فورا، إن تعرضت للهجوم، وهددت بقصف قاعدة “دييغو غارسيا”، واستهداف عشر قواعد أمريكية في المنطقة، تضم 50 ألف عسكري أمريكي، وأعلنت، بأنها لا تمانع من إجراء مفاوضات غير مباشرة، حول برنامجها النووي.
تحريض إسرائيلي.. وتصنيع الصواريخ
ماذا وراء هذه التلويح بالحرب على “إيران”، وما الهدف؟ البادي من سياق التصريحات الأمريكية، والتحريض الإسرائيلي الذي لم يتوقف منذ سنوات.
هذه الحرب المحتملة تستهدف تدمير برنامجها النووي، وكذا، تجريدها من برامج إنتاج الصواريخ البعيدة المدى (الباليستية والفرط صوتية)، وإسقاط النظام الإسلامي، باعتباره الداعم لمحور المقاومة، فإسقاط النظام الإيراني يعني قطع رأس محور المقاومة، من ثم، قطع الدعم عن فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن. بُغية تصفيتها، ومن بعدها إنهاء القضية الفلسطينية، تماما، وبحيث لا تشكل إيران تهديدا لإسرائيل.
لماذا وصل الحال بـ”إيران” إلى هذه الحالة من الانكشاف، غير المسبوق منذ قيام “الثورة الإسلامية”؛ بقيادة مرشدها الأعلى آية الله الخميني، التي أطاحت بشاه إيران محمد رضا بهلوي (يناير/كانون الثاني 1979)، وأسقطت النظام الملكي.
الاستهانة الأمريكية.. وتراجع (حزب الله)
هذا “الانكشاف الإيراني”، أو الاستهانة الأمريكية بها -في جانب منه-، يرجع إلى الضربات الموجعة التي تلقاها محور المقاومة، الذي أنشأته، وتعهدته بالرعاية، والتنمية، والتسليح، ليكون طوقا حول الكيان الصهيوني من ناحية، وخط دفاع متقدما عنها، وهي ضربات أسفرت عن انزواء (حزب الله)، وتراجع حضوره، وتأثيره في مجريات السياسة اللبنانية، بعدما نالت حرب لبنان الأخيرة، من قوته وقياداته، إلى حد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله (27/9/2024)، وها هم الحوثيون في اليمن يتلقون الضربات الأمريكية، بكثافة، كأن أمريكا تُخلي الساحة، للاستفراد، مع إسرائيل بـ”إيران”.. ناهيك من سقوط نظام بشار الأسد السوري، الموالي لإيران، وما تلاه من قطع لخطوط الإمداد لـ(حزب الله).
قواعد اشتباك غير صائبة
هذا كله، جاء نتاجا طبيعيا، لسوء الإدارة الإيرانية للصراع، عقب عملية “طوفان الأقصى”، وما تلاها من حرب متوحشة على غزة.
فالتردد، والمراوحة في المكان، كانتا السمتين المميزتين للتعاطي الإيراني مع تطورات الأحداث في المنطقة، بعد الطوفان، تحت عنوان سياسة “الصبر الاستراتيجي”، وحين دفعت إيران بـ(حزب الله)، ليكون جبهة داعمة لغزة انعكس ترددها على هذه الخطوة، فألزمت الحزب بعملية إشغال للجيش الإسرائيلي، تحت مسمى قواعد اشتباك منضبطة، وهي قواعد لم تكن صائبة، وثبت فشلها في حفظ التوازن، باغتيال إسرائيل القائد في (حزب الله) فؤاد شكر (30/7/2024)، ومن قبله، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) الشيخ صالح العاروري (2/7/2024)، في الضاحية الجنوبية ببيروت، بينما كان تحت حماية (حزب الله)، فلا الحزب دخل الحرب، ولا هو الذي نأى نفسه، واحتفظ بقوته، ولا استطاع الثأر كما ينبغي لقيادته وضيفه وفقا لقواعد الاشتباك المُشار إليها، وهو ما أظهر وهنًا في “الإرادة” لدى (حزب الله)، أو بالأحرى قيادة المحور (إيران)، بما أسهم مع ما تبين من اختراق مخابراتي إسرائيلي للحزب (وإيران)، في تجرؤ إسرائيل وإقدامها على اغتيال نصر الله، وقبله، وبعده جملة من الكوادر، وسبقهم موقعة البجر الشهيرة.
المأزق الإيراني.. وإرادة استخدام القوة
كل هذه النكسات لمحور المقاومة، وغيرها، مرجعها جميعا إلى “الصبر الاستراتيجي” الذي تحلت به إيران، فلم يكن ردها على اغتيال قاسم سليماني (3/1/ 2020)، بطائرة مسيّرة أمريكية في العراق، على مستوى الحدث، كما تأخر ردها، على الاستهداف الإسرائيلي، للقنصلية الإيرانية في دمشق (1/4/2024)، وجاء قليل الفعالية، وهو ما أدى لاحقا إلى تجرؤ إسرائيل بالإقدام على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) إسماعيل هنية (31/7/2024)، في طهران.. بينما كان ضيفا على الجمهورية الإسلامية لحضور حفل تنصيب رئيسها مسعود بزشكيان. تأكيدا، إيران ليست بهذا الضعف، والوهن الذي تراه عليه أمريكا ومن وراءها إسرائيل.. لكن المأزق الإيراني الحالي، وأيًّ كانت الأسُس، والمُبررات التي قامت عليها “سياسة الصبر الاستراتيجي”. فإن إيران تدفع الآن ثمن هذه السياسة، وتجاهلها لقاعدة بسيطة جدا، مفادها بأنه، “لا يكفي أن تكون لديك القوة.. الأهم أن تمتلك إرادة استخدامها، وتوظيفها في الوقت المناسب، وبالقدر اللازم”.
نسأل الله أن تزول هذه الغُمة عن المنطقة، فهي تنذر بشرر مُستطير.