حتى تكتمل فرحتنا بنجاح البلشي

فرح الصحفيون المصريون، وحُقّ لهم أن يفرحوا، بفوز الزميل خالد البلشي، بمنصب نقيب الصحفيين.
ولم لا نفرح، وقد مثل هذا النجاح، نصرا مبينا، ليس للبلشي فحسب، وإنما لإرادة الصحفيين الحرة المستقلة وقوتهم؟
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
فخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
سادت الفرحة عموم الصحفيين، داخل مصر وخارجها، لدرجة وضح معها، أن الفرحة أنست الكثيرين منا، كبر وعظم التحديات الملحة التي تفرض نفسها على الأسرة الصحفية عامة، وعلى البلشي خاصة، ليثبت الصحفيون بإنجازها، جدارتهم وأحقيتهم بما حققوه من انتصار على السلطة. فهناك العديد من الملفات الحرجة، التي توجب على البلشي أن يستفيد من احتشاد الصحفيين خلفه، ليحسمها قبل انقضاء مدته القصيرة الباقية على الكرسي (وهي سنتان فقط)، حيث إنه بدون حسمها، يصبح وجود البلشي على كرسي النقيب، مثله مثل وجود ممثل السلطة، خصوصا أن كل هذه الملفات تمثل تحديا وجوديا للصحافة والصحفيين، فهي كما سنذكر لاحقا، لا تقل أهمية عن الملفات الأخرى مثل مشروع العلاج، وبدل التكنولوجيا، إن لم تكن تسبقهما في الأهمية!
لذا أخشى ما أخشاه أن تأخذنا نشوة الفرح، ثم ننسى ما على البلشي وزملائه بالمجلس، من مسؤوليات جسيمة، لا تكتمل فرحة النصر، إلا بإنجازها.
الصحافة المصرية وصراع الوجود
ابتداء، لا أحد ينكر ما قدمه الزميل خالد البلشي، خلال فترة رئاسته الأولى للنقابة (2023 – 2025) من أعمال أهلته للنجاح في الفترة الثانية. ويكفيه فخرا وشرفا أنه كان عونا ونصيرا لكل الزملاء المعتقلين، كما رحب بدخول أسرهم إلى محراب النقابة، للتعبير عن رأيهم، والمطالبة بالإفراج عن ذويهم، هذا فضلا عن إعادته لروح النضال الصحفية لسلالم النقابة، ودعمه للعديد من الوقفات والتظاهرات، التي تندد بإسرائيل.
ولا ننسى أيضا إنجازه الكبير بعقد المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين في ديسمبر الماضي، والتوصيات القوية التي خرج بها المؤتمر، مثل المطالبة بالإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين، وتبييض السجون من المحبوسين في قضايا النشر والرأي والتعبير، وإصدار قانون إلغاء العقوبات السالبة للحريات في جرائم النشر، وتطبيق الضمانات الدستورية التي تكفل حرية الصحافة، وتعديل التشريعات المنظِّمة للصحافة والإعلام وعلى رأسها “قانون تنظيم الصحافة والإعلام” بما يرسخ استقلال المؤسسات الصحفية، وغير ذلك من التوصيات المهمة.
لكن بالرغم من كل هذه الإنجازات التي تستحق الشكر والتقدير، فإني وجدت هناك ما هو أولى بالعمل عليه، والسعي إلى إنجازه، في أسرع وقت، بل كان على البلشي أن ينجزه في دورته الأولى وليس الثانية، لكونه يمثل تحديا وجوديا لمستقبل الصحافة والصحفيين في مصر، ألا وهو ما يتعلق بعملية تجفيف منابع المهنة، وتجريف أرضها من الصحافة والصحفيين، التي تجري على قدم وساق منذ عدة سنوات، حتى أصبحت المهنة، تواجه شبح الموت والفناء!
فلا أظنه خافيا عن البلشي وزملائه بالمجلس، أنه تم تجميد التوظيف بالمؤسسات الصحفية منذ 12 عاما تقريبا، ومن ثم أصبح الصحفي الذي يترك مكانه لأي سبب كان، لا يتم تعيين بديل له، حتى الصحفيين الذين بلغوا سن التقاعد، لم يعد يُسمح لهم بالتمديد، كما كان يحدث في السابق، ومن ثم تناقصت أعداد الصحفيين بشكل لافت، بما يشير إلى أنه في غضون سنوات قليلة قادمة، ستصبح مؤسساتنا الصحفية خاوية على عروشها، أبنية بلا صحفيين، وورقا بلا حبر.
وحتى تدرك زميلي الصحفي، حجم الكارثة التي تنتظر الصحافة المصرية، يمكنك أن تقارن بين عدد أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين في عهدين متخلفين (ضياء رشوان 2021 وخالد البلشي 2025) لتعرف بنفسك، كيف أصبحت المهنة تتآكل من أطرافها، وتوشك أن تصير عدما في القريب العاجل.
ففي عهد رشوان كان عدد أعضاء الجمعية العمومية وفقا لما صرح به خالد ميري وكيل النقابة في ذلك الوقت 9915 عضوا، أما في عهد البلشي فقد تناقص العدد إلى 9902 وفقا لما صرح به جمال عبد الرحيم سكرتير عام النقابة، وهو ما يعني أن أعداد الصحفيين تتناقص، في وقت كان المفروض أن تتزايد وتتضاعف، وفقا لمعدلات الزيادة السكانية.
لذا فإنني أرى، أن الاختبار الحقيقي للبلشي ومن معه، هو إيقاف عملية التجريف هذه في أسرع وقت، والعمل على إعادة ضخ الدماء في عروق الصحافة المصرية من جديد، وهذا لن يتم إلا بإعادة فتح باب التعيينات بالمؤسسات الصحفية القومية مجددا، أو بتيسير إجراءات إنشاء الصحف الخاصة، على أن يتم توفير الضمانات القانونية لأصحاب الصحف الخاصة، حتى يتشجعوا على الاستثمار في الصناعة، التي تمثل أحد حصون الأمن القومي للبلاد.
قبل أن نقرأ الفاتحة على مهنة الصحافة
من زاوية أخرى يمكن القول، إن العمل على تجفيف منابع الصحافة والصحفيين في مصر، ليس هو الخطر الوحيد الذي يهدد مستقبل المهنة، وينذر باندثارها، إنما هناك ما هو أسوأ وأخطر من ذلك بكثير، ألا وهو انهيار المستوى المهني للأجيال الحالية من الصحفيين، فهو انهيار مهني شامل، وصل إلى حد العجز لدى الغالبية العظمى من أبناء هذا الجيل، عن صياغة جملة صحفية واحدة مستقيمة من فعل وفاعل ومفعول، بل صارت الأخطاء الإملائية ولا أقول النحوية، جزءا أصيلا من إمكانيات صحفيي هذا الزمن، لدرجة يخيل فيها إلى من يقرأ ما يكتبونه، أنهم لم يتعلموا القراءة والكتابة من الأصل، فضلا عن الجهل بقواعد الصياغة الصحفية المتعارف عليها، أكاديمية كانت أو موروثة من شيوخ وأساتذة المهنة عبر السنين.
والواقع أن ظهور المواقع الإلكترونية، وانتشار ما يسمى بالمواطن الصحفي، وصحافة الموبايل، وغير ذلك من التسميات الدخيلة على المهنة، هو ما أسهم في تفشي ظاهرة أمية الصحافة، التي نطالعها اليوم في كل المواقع الإلكترونية المصرية، إلا ما رحم ربي. ولعل هذا الوضع المحزن، هو ما جعلني أعترض قبل عدة أشهر على مبادرة طرحها البلشي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تقضي بفتح باب الانتساب لعضوية نقابة الصحفيين، أمام الزملاء العاملين في المواقع الإلكترونية، فقد رأيت أن أمرا مثل هذا، حتى وإن كان دافعه طيبا، وغرضه نبيل، سيزيد الطين بلة، وسيسهم في اتساع رقعة الانهيار المهني، فتشمل أبناء المهنة الأصليين من العاملين بالصحافة الورقية، صحيح أن أخطاء الصياغة والإملاء والنحو، انتشرت أيضا بين الكثير من المحسوبين على الصحافة الورقية، إلا أنه لا يزال بمهنتنا من يعضون على أصولها بالنواجذ، ويغارون عليها، ويحاولون جاهدين وقف ظاهرة الأمية، وهؤلاء هم من يمكن البناء عليهم، لإنقاذ المهنة، لا أن نزيد من جهالتها وأميتها، بضم من كانوا سببا في انتهاكها وتخريبها.
تلك هي الملفات التي يجب أن يعمل عليها البلشي.
أنقذوا الصحافة المصرية، قبل أن نقرأ عليها الفاتحة!