حدث في ألمانيا: لماذا تقع نساء في غرام المجرمين؟!

عجيب أمر النساء، فبعضهن قد يجدن في المعتقلين والسجناء الخطرين جاذبية لا تُقاوم، وهذه حقيقة معروفة، وهناك عشرات الأمثلة على ذلك، وتاريخ الجريمة مليء بقصص لقتلة ومجرمين عنيفين تلقوا رسائل حب وتزوجوا حتى من معجبات خلف القضبان، بل وصل الأمر إلى علاقات حب نشأت بين موظفات السجن ومسجونين ساعدتهن في الهروب أو هربن معهم.
أشهر هذه القصص هي قصة فيكي وكايسي وايت الأمريكيين، وهي مثال يوضح كيف يمكن أن تتطور هذه العلاقات غير التقليدية بين حارسة “مثالية” لم يُثر حولها أي شكوك، وبين سجين يوصف بأنه “شديد الخطورة”، تقع في حبه وتساعده على الهرب، ويتوارى كل العنف وإجراءات السجون القاسية، ويحل محلها الرومانسية والحب والتضحية، حتى أنها خسرت كل شيء مقابل الهروب معه، فما هي جاذبية الشر هذه التي تُوقع بالنساء؟ ولماذا تنجذب بعض النساء تحديدًا إلى هذا النوع من الرجال؟
ظاهرة معروفة
يقول علماء النفس إنها ظاهرة معروفة باسم الهيبريستوفيليا (Hybristophilia)، وهي انجذاب بعض الأشخاص إلى المجرمين، خاصة أولئك الذين ارتكبوا جرائم عنيفة، وتم توثيق هذه الحالات في سياقات مختلفة، منها علاقات بين سجناء ومعجبيهم خارج السجن، أو حتى مع موظفي السجون أو المتخصصين في الصحة النفسية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
فخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
في ألمانيا، وتحديدًا في ولاية شليسفيغ هولشتاين، جرت قبل أسابيع قليلة آخر حلقات هذه الدراما، فقد نشأت علاقة بين سجين شاب لا يتعدى عمره 18 عامًا، عراقي الجنسية، وموظفتين في السجن، إحداهما مسؤولة عن الصحة النفسية، والأخرى حارسة في السجن. ومارست المرأتان ضغوطًا هائلة للإفراج عن الشاب، حتى افتُضح أمر العلاقة قبل الإفراج عنه بيوم، وقامت “فرقة مكافحة الفساد” التابعة للمباحث الجنائية بمداهمة السجن، وبدأ تحقيق في الأمر.
من أشهر قصص الحب في الزنازين أيضًا هي قصة زواج جوليان أسانج، صاحب تسريبات موقع “ويكيليكس” الذي كشف عن مجموعات ضخمة من السجلات العسكرية الأمريكية السرية والبرقيات الدبلوماسية، فقد وقعت محاميته، التي تصغره بكثير، في حبه وتزوجته وهو في السجن، وأنجب منها.
الصحفية الأمريكية شيلا إيزنبرغ اهتمت بهذه القضية، ومن أجل تأليف كتاب عن تلك الظاهرة، تحدثت مع 35 امرأة كُنّ على علاقة بقتلة مسجونين، وقد لاحظت وجود نمط مشترك، فالعديد من المستجوبات ذكرن غياب الأب في طفولتهن، أو تعرضهن للعنف والإساءة في علاقات سابقة، أو تعرضن للتنمر، وترى إيزنبرغ أن هذه فرضية تبدو مقبولة، لكنها غير مثبتة علميًا، وقد أثرت بدورها عليهن في اختيار الشريك المناسب، فوصل بهن التخبط إلى أن يصبح القاتل فارس أحلامهن.
الحاجة للاستقلال والرغبة في السيطرة
لكن من جهة أخرى، توصلت إيزنبرغ إلى أن السجناء غالبًا ما يمنحون شركاءهن اهتمامًا كاملًا، لأن لديهم بطبيعتهم الكثير من الوقت وهم غير مشتتين، ووجدت أن الرجال المسجونين يكتبون سطورًا عاطفية، مما يجذب النساء الرومانسيات بشكل خاص، كما أن العديد منهن كن من المتدينات، ويبدو أنهن، وفق الصحفية، كن يسعين لتحقيق مهمة إيثارية: أي توجيه الشخص الخاطئ إلى الطريق الصحيح.
نذكر في السياق ذاته أن القاتل النرويجي أندرس بريفيك، الذي قتل 77 شخصًا، تلقى مئات رسائل الحب في السجن، وكذلك العديد من المجرمين العنيفين قبله كانت النساء تعبّر دائمًا عن إعجابهن بهم، بل وتزوج بعضهم. على سبيل المثال، تزوج المجرم الجنسي الأمريكي تيد بندي، الذي قتل 30 امرأة، من معجبته كارول آن بون، وظل معها لمدة تسع سنوات حتى إعدامه عام 1989، ومن ألمانيا أيضًا هناك حالات معروفة: تزوج القاتل والمغتصب ديتر زورفيم عام 2001 من نادلة من برلين كانت قد أرسلت له رسائل إعجاب إلى سجنه في بوخوم.
لم تتوقف الدراسات عن البحث في هذه الظاهرة، وفي دراسة ألمانية–سويسرية جرت على 96 امرأة على علاقة بسجناء، كُشف أن هؤلاء النساء سجّلن أعلى درجات في (الحب الرومانسي)، يليه (الحب الإيثاري)، مقارنة بمجموعة من نساء أخريات على علاقة برجال غير مسجونين. هذا يعني أن النساء في علاقات مع مجرمين يشعرن بأن العلاقة رومانسية وتضحية بشكل كبير، وغالبًا ما يؤكدن على التوافق الجسدي والاستعداد لفعل أي شيء لمساعدة الشريك.
تحذير العلماء:
علاقات محفوفة بالخطر رغم الرومانسية
الطبيبة النفسية فيرا هانلاين، في بحث لها تناولت فيه 17 زوجًا من هذا النوع، ترى أن بعض النساء اللواتي أحببن مجرمًا كان لديهن حاجة عالية للاستقلالية، كما أن الرغبة المحمومة في السيطرة كانت دافعًا لبعض النساء الأخريات. بالإضافة إلى ذلك، كان بعضهن يتوقن للإثارة، بينما سعت أخريات إلى هذا الشخص المنبوذ من المجتمع لأنهن شعرن بأنهن منبوذات أيضًا. أما النساء ذوات النزعات النرجسية، فكنّ يأملن في التأثير بشكل إيجابي على شريكهن الإجرامي، وبالتالي تعزيز ذواتهن.
على الرغم من هذه الدوافع المعقدة، يحذر الخبراء من أن مثل هذه العلاقات الرومانسية نادرًا ما تدوم، وغالبًا ما تكون غير صحية وخطرة. صحيح أن العلاقات المستقرة يمكن أن تساعد في تقليل خطر انتكاس المجرمين، لكن هناك دائمًا خطر استمرارهم في حياتهم الإجرامية، أو استغلال معجباتهم ماليًا وعاطفيًا، أو حتى ممارسة العنف تجاههن.
خلاصة المهتمين بهذه الظاهرة أنهم أصبحوا يعرفون أن انجذاب بعض النساء إلى القتلة والمجرمين العنيفين هو ظاهرة متعددة الأوجه، تنبع من دوافع نفسية عميقة، تقود إلى البحث عن شيء مفقود في حياتهن، وعلى الرغم من أن هذه العلاقات قد تبدو غريبة للوهلة الأولى، إلا أنها تقدم لنا لمحة قاتمة عن تعقيدات القلب البشري وقدرته على الانجذاب إلى ما قد يبدو للآخرين غير منطقي وخطرًا. يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية فهم هذه الظاهرة بشكل كامل والتعامل معها في سياقات مختلفة.