خلافات ترامب ونتنياهو: هل تدشّن مرحلة جديدة بين أمريكا وإسرائيل؟

أثارت التوترات غير المسبوقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العديد من التساؤلات حول حقيقة الخلافات بينهما.
وبعد جولة تُعتبر محورية قام بها ترامب في الخليج، طُرحت تساؤلات حول تأثيرها على السلام في المنطقة، خاصة بعد تصريحاته التي انتقد فيها حكومة نتنياهو؛ مما عزز تكهنات حول إمكانية حدوث تحول في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، والسياسة الأمريكية عمومًا تجاه الشرق الأوسط.
في هذا المقال، سنحاول أن نقدم قراءة تحليلية لحقيقة هذه الخلافات بين أمريكا وإسرائيل -أو بالأحرى بين ترامب ونتنياهو- ومدى تأثيرها على العلاقات بين الحليفتين، وهل يمكن أن تكون بداية لتدشين مرحلة جديدة للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل على المدى المنظور؟ وهل تُعدُّ مؤشرًا لتحولات مستقبلية في مجريات الأحداث تقود إلى سلام شامل، خصوصًا بعد زيارة ترامب للخليج، والتي كانت بمثابة خطوة استراتيجية أمريكية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع دول المنطقة؟
مؤامرة أم خلافات حقيقية؟
إذا نظرنا إلى الخلافات بين ترامب ونتنياهو انطلاقًا من نظرية المؤامرة، فإنه من الممكن أن نعتبر أنه لا وجود لخلافات حقيقية بينهما، وأن ما يجري هو محاولة لخداع العرب والفلسطينيين والإيرانيين.
كما أن إظهار الخلافات على السطح يعود بالفائدة على الطرفين، حيث وظفها ترامب للاستفادة منها خلال زيارته للخليج، بينما يستثمرها نتنياهو في تحسين موقفه أمام المعارضة الداخلية، باعتبار أنه يدافع عن المصالح الإسرائيلية، حتى لو تطلب الأمر الدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية، حليفه الأقوى على الإطلاق.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
فخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
على أرض الواقع، هناك العديد من المؤشرات والتصريحات، سواء على الجانب الأمريكي أو الجانب الإسرائيلي، تؤكد وجود خلافات وتوترات حقيقية بين ترامب ونتنياهو، لكن قراءة هذه الحالة لا بد أن تبقى ضمن الثوابت الحاكمة للعلاقة الاستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل.
ومن ناحية أخرى، وبعد تجاهل ترامب زيارة إسرائيل في جولته الشرق أوسطية، فقد ارتفع سقف التكهنات حول وجود تحولات في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل.
ملاحظات على هامش الخلافات بين ترامب ونتنياهو
على وجه العموم، يمكن أن نرصد مجموعة من الملاحظات، فيما يخص العلاقة بين ترامب ونتنياهو من ناحية، والسياسة الأمريكية في ظل إدارة ترامب تجاه إسرائيل من ناحية أخرى، على النحو التالي:
أولًا: في ولاية ترامب الثانية، يمكننا أن نلاحظ تراجعًا في تأثير بنيامين نتنياهو على السياسات الأمريكية، أو ما يمكن أن نسميه “استبعادًا سياسيًا”، وتقليصًا لدوره في ملفات حساسة مثل غزة والبرنامج النووي الإيراني.
ثانيًا: من الواضح أن نتنياهو لم يعد بالنسبة لترامب “اللاعب المحوري” كما كان في ولايته الأولى، بل أصبح يمثل عبئًا سياسيًا، ومن الصعب الاستثمار فيه.
ثالثًا: شرعت واشنطن في تحالفات مع دول رئيسية في المنطقة، ترسم من خلالها خريطة جديدة للإقليم دون إشراك إسرائيل، وهو ما يعني أن إسرائيل تعيش في عزلة دبلوماسية في ظل قيادة نتنياهو.
رابعًا: وفي ظل تصادم طموحات ترامب الشخصية والسياسية مع رؤية نتنياهو، نطرح تساؤلًا: هل من الممكن أن نرى تحولًا دراماتيكيًا في موقع إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط؟
خامسًا: في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك وجهات نظر ترى أن ترامب يهز العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية بطريقة لم يفعلها أحد من الرؤساء من قبل، حيث أصبحت الأولوية للصفقات مع الحلفاء، في تفضيل واضح للروابط الاستراتيجية الاقتصادية على التنسيق الدبلوماسي مع إسرائيل. وتأتي التحولات مدفوعة برؤية ترامب الجديدة للعالم، وتغيرات في مواقف الحزب الجمهوري.
سادسًا: يمارس ترامب سياسة “الواقعية الانتقائية” في منطقة الشرق الأوسط، موازنًا بين الدعم الخطابي لإسرائيل وتفضيل المصالح الأمريكية الاستراتيجية، وهو ما يطرح التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الحليفتين.
سابعًا: يمكن القول إن ترامب يصوغ العلاقة بين أمريكا وإسرائيل من جديد بطريقة جذرية؛ فهو لا يقطعها ولا يقويها، بل يخضعها لمعادلات سياسية جديدة يفرضها بنفسه.
ثامنًا: من ناحية أخرى، تعيش أمريكا مناخًا سياسيًا جديدًا، يعكسه تحول لافت يشهده الحزب الجمهوري، حيث بدأت تعلو أصوات مؤثرة في جناحه القومي تشكك في العلاقة التقليدية غير المشروطة مع إسرائيل، والتي تنعكس بكلفة على الداخل الأمريكي سياسيًا واقتصاديًا، في الوقت الذي تتصاعد فيه الانتقادات لحكومة بنيامين نتنياهو.
تحولات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية
في مقال بعنوان: ما الذي يمكن أن يتعلمه الديمقراطيون من نهج ترامب تجاه الشرق الأوسط؟ يشير فيليب جوردان- الذي كان مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس كاميلا هاريس- إلى ما وصفه بالتحولات الجذرية في السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب، خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، معتبرًا أنها تمثل كسرًا للأعراف الدبلوماسية والسياسية التقليدية، مما يربك حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وعلى رأسهم إسرائيل.
ورغم أن المقال ينتقد ترامب، إلا أنه يشيد بالجرأة والمرونة السياسية، وتحديه لما يعتبر “مسلمات” في السياسة الخارجية الأمريكية دون أن يدفع الثمن، في الوقت الذي لا يملك فيه الديمقراطيون هذه الجرأة.
على إسرائيل أن تشعر بالقلق
لا شك أن إسرائيل لا بد أن تشعر بالقلق من نهج ترامب، الذي لم يعد يتصرف كحليف تقليدي، بل كمفاوض مستقل ينظر إلى مصالح واشنطن أولًا وقبل كل شيء.
ترامب لم يعد يرى في إسرائيل شريكًا لا يمكن تجاوزه، بل يتعامل ببراغماتية صارمة: من يخدم مصالحه الآنية، يربح.
إن إسرائيل، بقيادة نتنياهو، قد تجد نفسها معزولة إذا لم تغيّر نهجها، لأن ترامب بات يرى أن “صفقة كبرى” في الشرق الأوسط لا تتطلب المرور عبر تل أبيب.
من الواضح أن ترامب يعيد تشكيل السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بطريقة تجبر حلفاء واشنطن على إعادة تقييم علاقاتهم معها.
قد يكون النهج الذي يسير عليه ترامب مجافيًا للأخلاق أو غير تقليدي، لكن الأمريكيين يرون أنه أثبت فاعليته سياسيًا.
خلاصة
يمكن القول إن توترًا تشهده العلاقة بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، ولكن تبقى العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة، ولذلك من غير المتوقع أن يحدث تغير جذري في الدعم الأمريكي؛ حيث يظل الدعم العسكري لإسرائيل أحد أولويات السياسة الأمريكية.
إن أي تحولات كبرى في العلاقة بين أمريكا وإسرائيل تحتاج إلى تغير في السياسة الأمريكية الداخلية، كما أن إجبار إسرائيل على إعادة تقييم موقفها من السلام في المنطقة يحتاج إلى تغيير في الديناميكيات الإقليمية.
ما نراه اليوم من انتقاد إدارة ترامب وحزبه لنتنياهو وحكومته، يؤشر إلى إعادة صياغة العلاقة من موقع القوة الأمريكية، وليس التبعية السياسية أو العاطفية.
لأول مرة منذ عقود، لم تعد إسرائيل “شريكًا مقدسًا” فوق السياسة الأمريكية، بل أصبحت ملفًا سياسيًا قابلًا للمساومة والنقد. وهذا يعني أننا أمام تغير استراتيجي طويل الأمد، يمنح فرصة للعرب والفلسطينيين لتفاهمات وتحالفات من منطلق مصالح الولايات المتحدة وأمنها.