كشمير.. جرح مفتوح في جنوب آسيا

في جنوب آسيا، حيث تعانق جبال الهيمالايا الشاهقة السماء، وتمتد سهول البنجاب الخضراء من أمريتسار في الهند إلى فيصل آباد في باكستان، يتشكل مشهد طبيعي يأسر الأبصار بجماله، لكنه في الوقت ذاته يخفي في أعماقه نزاعا تاريخيا لم يعرف الهدوء منذ منتصف القرن العشرين. إنه الصراع بين الهند وباكستان، الذي تعود جذوره إلى عام 1947، حين نالت الدولتان استقلالهما عن الاستعمار البريطاني، وفق خطة لتقسيم شبه القارة الهندية على أساس ديني، نشأت بموجبها دولتان: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة.
ضمن هذه الخطة، منحت بريطانيا الولايات الأميرية، ومنها جامو وكشمير، حرية اختيار الانضمام إلى أي من الدولتين، أو البقاء مستقلة.
جذور النزاع الهندي الباكستاني في كشمير
كانت كشمير ذات أغلبية مسلمة، مما جعل انضمامها إلى باكستان يبدو أمرا طبيعيا، لكن حاكم الولاية المهراجا هاري سينغ كان هندوسيا، ومترددا في اتخاذ قرار الانضمام إلى أي من الجانبين، فاختار الإبقاء على استقلال كشمير مؤقتا، وسط ضغوط سياسية متصاعدة من باكستان، وعروض دعم عسكري من الهند.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
فخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
لكن الوضع انقلب سريعا في أكتوبر/تشرين الأول 1947، حين تسللت جماعات مسلحة من قبائل البشتون -بدعم غير مباشر من باكستان- إلى أراضي كشمير، مما دفع المهراجا إلى طلب المساعدة من الهند. وافقت نيودلهي على إرسال قوات، بشرط توقيع المهراجا على “وثيقة الانضمام” إلى الهند، وهو ما حدث فعلا في أكتوبر 1947، لتبدأ أولى الحروب بين الهند وباكستان بعد أسابيع قليلة فقط من استقلالهما.
في عام 1949، وتحت رعاية الأمم المتحدة، توصل الطرفان إلى اتفاق وقف إطلاق النار. أُوفدت على إثره بعثة لمراقبة الوضع، وتم ترسيم “خط السيطرة” الذي يقسم الإقليم فعليا إلى منطقتين: “آزاد كشمير” التي تسيطر عليها باكستان وتشكل نحو 37% من مساحة الإقليم، وولاية “جامو وكشمير” التي كانت خاضعة لحكم الهند وتشكل نحو 63%. كما نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 47 على إجراء استفتاء لتحديد مصير كشمير، لكن الخلافات السياسية حالت دون تنفيذ القرار.
لم تكن تلك الحرب إلا بداية لسلسلة صراعات، فقد اندلعت حرب جديدة عام 1965، وأخرى في 1999 بمنطقة كارغيل، لكنَّ أيّا من النزاعين لم يغيّر من واقع التقسيم القائم، إذ ما زالت كل من الهند وباكستان تطالب بالسيادة الكاملة على الإقليم.
هجوم بهالغام.. شرارة جديدة في صراع قديم
وقد عادت الأزمة إلى واجهة الأحداث مجددا في 22 إبريل/نيسان الماضي، عقب هجوم مسلح استهدف مدنيين وسياحا في منطقة بهالغام جنوب إقليم كشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصا، في واحدة من أكثر الهجمات دموية خلال السنوات الأخيرة.
سارعت الهند إلى اتهام باكستان بالوقوف خلف الهجوم، مشيرة إلى “أدلة استخبارية” تربط المُنفذين بجماعات مقرها داخل الأراضي الباكستانية.
لكن إسلام آباد سارعت إلى نفي الاتهامات، وطالبت بإجراء تحقيق دولي مستقل ومحايد لكشف ملابسات ما جرى. في المقابل، توعَّد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بملاحقة المتورطين “أينما كانوا”، مؤكدا أن بلاده “لن ترحم المحرضين ولا مُنفذي الهجوم”.
سلام هش على فوهة نووية
ما يجعل هذا الصراع أكثر خطورة ليس فقط طبيعته التاريخية والدينية والسياسية المعقدة، بل حقيقة أن كلا البلدين يمتلك أسلحة نووية. هذا الواقع يجعل احتمال اندلاع حرب شاملة أمرا مستبعدا من الناحية النظرية، لما تحمله من تدمير متبادل مؤكد، لكنه في الوقت ذاته يجعل من كل مناوشة أو هجوم مسلح خطرا داهما يهدد الاستقرار الإقليمي، بل وربما الأمن العالمي بأسره.
وتزداد هذه الأخطار مع تصاعد الخطاب السياسي المتشدد في كلا البلدين، إذ تتحول كل حادثة عنف إلى ذريعة للتصعيد السياسي والإعلامي، وتُغلق معها أبواب التفاوض، ويتعثر أي أفق لحل سياسي دائم.
هدنة مؤقتة بدعم أمريكي
وسط التصعيد، جاء إعلان وقف إطلاق النار الكامل والفوري بين الهند وباكستان، بعد أربعة أيام من التوتر المتصاعد، ليخفف من حدة المخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة بين الجارتين النوويتين. هذا الاتفاق لم يكن وليد اللحظة فحسب، بل جاء نتيجة ضغوط دبلوماسية مكثفة، خاصة من الولايات المتحدة التي عبّرت عن قلقها العميق من احتمال تفجر الوضع إلى صراع إقليمي.
خوف واشنطن من تحوُّل جنوب آسيا إلى ساحة فوضى جديدة كان واضحا، وهو ما دفعها إلى أداء دور الوسيط بين نيودلهي وإسلام آباد، بهدف احتواء الموقف وفتح المجال لمسار دبلوماسي أكثر عقلانية.
ورغم التهدئة المؤقتة، فإن السلام في كشمير يبقى هشا، ورهن التوازنات السياسية والمصالح الاستراتيجية، أكثر منه رهنا بإرادة الشعوب التي أنهكتها الحروب والانقسامات. وما لم تُفتح قنوات حوار جادة وشاملة بين الهند وباكستان، تتجاوز الحسابات القومية الضيقة نحو تسوية عادلة ومستدامة، فإن خطر الانفجار سيظل قائما، وقد يكون القادم أكثر تكلفة وخطورة.
ربما لا تملك كشمير صوتا مسموعا في العواصم الكبرى، لكنها تملك حقا إنسانيا بسيطا، هو أن تعيش في سلام.