الوجه الثوري للحاج مالك الشباز الشهير بـ”مالكوم إكس”

المناضل الأمريكي مالكوم إكس (منصات التواصل)

 

بينما يحيي أحرار العالم الذكرى المئوية لميلاد، المناضل الأمريكي “مالكوم إكس” أحد أبرز المناهضين للفصل العنصري في ستينيات القرن الماضي، نسعى لأن نزيح النقاب عن وجهه الحقيقي، كثوري، صدمت تحولاته الجذرية العالم وألهمته في آن واحد.

مالكوم دفع حياته القصيرة -35 عاما- ثمن وقوفه إلى جانب المظلومين، وبعد اغتياله عام 1965، انتشرت قصته على نطاق واسع، ولكن الطبقات المسيطرة سعت إلى تحويلة إلى أيقونة غير ضارة، وتنميطه في صورة الأسود الغاضب على البيض.

منحة السجن

قبل 100 عام، وبالتحديد في 19 مايو/أيار من عام 1925، ولد الحاج مالك الشباز، المعروف عالميًا باسم مالكوم، وكان الرابع من بين ثمانية أطفال، في أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية.

بعد ولادته في نبراسكا انتقل الرضيع مع عائلته إلى لانسينغ في ميتشيغان، وخلال طفولته المبكرة تعرض وعائلته لإساءات عنصرية من جماعة “كو كلوكس كلان”، اليمينية المتطرفة.

وعندما كان في السادسة من عمره، توفي والده، القس إيرل ليتل، المؤيد للزعيم الأسود ماركوس غارفي، وكانت الأسرة فقيرة جدًا، ثم دخلت أمه مصحة للأمراض العقلية سنة 1938 بسبب معاناتها من فقدان زوجها، فتفرق الأبناء في مراكز الرعاية الاجتماعية.

وأثناء وجوده في السجن بتهمة السرقة من عام 1946 إلى عام 1952، انضم إلى جماعة “أمة الإسلام”، وقد تأثر قراره بالمناقشات مع شقيقه رينغالد، الذي أصبح عضوًا فيها والذي سُجن مع مالكوم في ماساتشوستس عام 1948.

وسرعان ما بزغ نجمه في الحركة وفي يونيو/حزيران عام 1963 قاد إكس مسيرة “رالي الحرية” في منطقة هارلم بنيويورك، واعتبرت المسيرة من أضخم فعاليات حركة الحقوق المدنية بأمريكا.

غير أن رحلته من ضيق أفق جماعة “أمة الإسلام” ونزعتها الانفصالية السوداء، إلى ثوري عالمي ملتزم بمناهضة الإمبريالية والتضامن مع الشعوب المضطهدة في كل مكان تُقدم لنا اليوم دروسًا عميقة.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن “أمة الإسلام”، حركة وتنظيم للأمريكيين السود، أسست عام 1930 على يد إليغا محمد، وتشتهر بتعاليمها التي تجمع بين عناصر الإسلام التقليدي والأفكار القومية السوداء.

ترك مالكوم أكس جماعة “أمة الإسلام” في فبراير/شباط 1964 وذهب لأداء فريضة الحج، فعاد بمنهج جديد لمتابعة النضال في حركة الحقوق المدنية، وبرؤية للإسلام تختلف عن رؤى مرشده السابق.

زلزال الحج

دفعته رحلة حجّه إلى مكة، حيث صلى مع المسلمين من الأعراق جميعها، ليتبنى رؤية أكثر شمولًا للنضال.

وفور عودته إلى واشنطن بعد إتمامه فريضة الحج، واجتماعه مع قادة ومثقفين خلال رحلاته عبر الشرق الأوسط وإفريقيا، عقد مؤتمرًا صحفيًا في مطار جون كينيدي.

هناك، تحدث عن التحول في تفكيره، وطرح فكرة التعامل مع نضال الأمريكيين من أصل إفريقي كقضية حقوق إنسان، معلنًا أنه سيعمل على توجيه اتهامات ضد الولايات المتحدة بسبب معاملتها للسود.

وأضاف إلى اسمه الأول لقب “الحاج مالك شباز” وبدأت دعوته تخرج من دائرة السود الأمريكيين، وأسس منظمة “المسجد الإسلامي”، ومنظمات الوحدة الأفرو أميركية” في محاولة لربط نضال السود الأمريكيين بنضال الأمم الإفريقية التي كانت تناضل من أجل التحرر الوطني.

غير أن بذرة التزام مالكوم بالتضامن العالمي، بدأت قبل فترة طويلة من رحلته للحج، فقد تلقّى مبادئ الوحدة الإفريقية من والديه، اللذين كانا ناشطين في جمعية تحسين أوضاع الزنوج العالمية.

كما عمقت رحلاته عام 1959 لإفريقيا والشرق الأوسط، فهمه للنضالات المناهضة للإمبريالية، وزاد اغتيال القائد الوطني الكونغولي لومومبا عام 1961 بتواطؤ أمريكي، من حدة انتقاده للسياسة الأمريكية.

وأكد خلال لقاءاته مع ثوار يحاربون الحكومات الاستبدادية المدعومة من واشنطن، ما كان بدأ يعتقد فيه بالفعل: أمريكا ليست ديمقراطية، بل إمبراطورية.

وقال مالكوم، أمام جمهور في منتدى العمل النضالي عام 1964، “لا يمكن أن توجد رأسمالية دون عنصرية”، مشيرا إلى أن استغلال السود في الولايات المتحدة لم يكن استثناء، بل جزءًا من نمط عالمي أوسع نطاقًا، نمط يربط هارلم بالكونغو، وميسيسيبي بفلسطين.

وبعد أسبوعين، أرسل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، ج. إدغار هوفر، برقية إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي في نيويورك يأمرهم فيها “بالتحرك حيال مالكوم إكس”.

تعرية الإمبريالية الأمريكية

عرى مالكوم مضمون السياسة الخارجية الأمريكية، واصفا إياها بأنها: عنيفة، وعنصرية، وإمبريالية، وعارض حكومة بلاده ليس فقط لمعاملتها للأمريكيين السود، بل أيضًا لزعزعتها استقرار دول أخرى وهيمنتها عليها.

وفضح نفاق دولة تدّعي الدفاع عن الحرية في الخارج، بينما تنكرها في الداخل.

واليوم، لا يزال نقده دقيقًا بشكل مذهل.

أعادت تحذيرات مالكوم صدى دعم أمريكا المستمر للقصف الإسرائيلي لغزة، حيث تُدفن عائلات بأكملها تحت الأنقاض بأسلحة أمريكية.

إن تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وتصويرهم كإرهابيين بدلًا من شعب مُحاصر، تعكس الدعاية نفسها، التي ندد بها مالكوم، عندما جُرِّم الأمريكيون السود لمقاومتهم العنف المُمنهج.

وكما كشف مالكوم عن ازدواجية معايير السياسة الأمريكية، حقوق الإنسان للبعض، والاحتلال للبعض الآخر، فإن الفظائع الجماعية التي تُرتكب اليوم في غزة تُؤكد المنطق الإمبريالي نفسه الذي قضى حياته في مُحاربته.

ونرى ذلك في ميزانية الدفاع التي تُقارب تريليون دولار التي تُغذي حروب الطائرات دون طيار، في الوقت الذي تُعاني فيه المجتمعات الفقيرة في الولايات المتحدة من نقص الخدمات الأساسية.

على الصعيد المحلي، لم يكن تحليل مالكوم للعنصرية المنهجية أكثر أهمية من أي وقت مضى.

فقد وصف الشرطة في المجتمعات السوداء بجيش احتلال، وهي لغة لا يزال يرددها النشطاء في أعقاب عمليات القتل التي ارتكبتها.

كما فهم مالكوم معنى السجن الجماعي قبل أن يُطلق عليه هذا الاسم، محذرًا من أن أنظمة العقاب مصممة للسيطرة على السود واحتوائهم، وليس لإعادة تأهيلهم أو حمايتهم.

وصرح قائلًا: “هذا ما يقصدونه عندما يقولون: القانون والنظام، أنهم يريدون إبقاءك تحت السيطرة”.

أممية الحاج مالك

إن تحول مالكوم نحو مناصرة حقوق الإنسان، بغض النظر عن لونه ودينه، وقدرته المتزايدة على بناء تحالفات بين مختلف الأيديولوجيات والأعراق، جعله مصدر قلق متزايد لمكتب التحقيقات الفيدرالي مع استمرار برنامج مكافحة التجسس غير القانوني الذي ينفذه المكتب، مستهدفًا القادة والجماعات السود في جميع أنحاء البلاد.

كانت أممية “مالكوم” خطيرة تحديدًا لأنها قالت الحقيقة، فقد كشفت أن الولايات المتحدة ليست مثالًا معزولًا على فشل الديمقراطية، بل هي مركز نظام عالمي للرأسمالية العنصرية، وبهذا المعنى، كانت آراء مالكوم أكثر راديكالية -وأكثر دقة- من معظم معاصريه، لكنه لم يكن وحيدًا.

في سنواته الأخيرة، بدأ الدكتور مارتن لوثر كينغ الابن يُشبه مالكوم كثيرًا، مُدينًا حرب فيتنام، والمجمع الصناعي العسكري، والرأسمالية الأمريكية.

في خطاب كينغ “ما وراء فيتنام” عام 1967، أعلن أن واشنطن “أكبر مُروّج للعنف في العالم اليوم”، ومثل مالكوم، اغتيل الدكتور كينغ بعد وقت قصير من تعبيره عن هذا النقد العميق للإمبراطورية.

واليوم.. تتأكد تحذيراته من قوة الولايات المتحدة، التي ترتكز على الرأسمالية العنصرية، وتتأكد كذلك دعوته للتضامن العالمي: ليس لإصلاح آلة القمع، بل لتفكيكها تمامًا.

وبكلماته، لا توجد ثورة حقيقية تتوسل لكي يتم دمجها في نظام قائم على الاستغلال، مضيفا، “الثورات تقلب الأنظمة”.

إن تكريم مالكوم مع تجاهل هذه النضالات هو خيانة للسياسة، التي جعلته خطرًا على بنية السلطة الغربية.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان