كرة القدم مرآة للعدالة.. لماذا لجأ نادي بيراميدز للخارج؟!

اختار نادي بيراميدز الذهاب الى المحكمة الرياضية الدولية (موقع النادي)

تكشف كرة القدم- أحيانًا- أزمات السياسة ودرجة العدالة وتراكمات الغضب.

ذهب نادي بيراميدز إلى المحكمة الرياضية الدولية (كاس)، يتهم القائمين على كرة القدم في مصر لا سيما رابطة الأندية بالانحياز للنادي الأهلي ضده.

في الخطوة غير المسبوقة ما يتجاوز الرياضة لمعانٍ أبعد وأعمق.

انسحب الأهلي من مواجهة غريمه التقليدي الزمالك فلجأت رابطة الأندية إلى نص لائحي اعتبر انسحابه مبررًا لأسباب طارئة لها علاقة “بقوة قاهرة”!

في تعريف القوة القاهرة لائحيًا ما يشير إلى البراكين والزلازل والأوبئة والحرائق وغيرها من كوارث لا يستقيم معها لعب مباراة كرة قدم.

تساءل نادي بيراميدز في المحكمة الدولية عن طبيعة القوة القاهرة التي منعت الأهلي من لعب المباراة، ومنعت الرابطة التي تدير الدوري من خصم ثلاث نقاط كعقوبة يجب تطبيقها على منافسه المنسحب.

ثلاث نقاط تمنح بيراميدز الدوري العام مرتاحًا، لكن التفسير الذي حمل تحايلًا واضحاً وعجيبًا في تفسير اللائحة حرمه من هذا الفوز، فاضطر إلى أن يحمل الرياضة المصرية كلها إلى المحكمة الرياضية.

في الكرة كما في السياسة ينبع الغضب من الإحساس بالظلم لا من الهزيمة والمنافسة.

ليست القصة في خسارة بطولة لكنه بحث مفهوم عن عدالة “الصفارة”، سواء في الملعب أو في المجتمع.

في رحلة كرة القدم من القاهرة إلى لوزان بسويسرا حيث مقر (كاس) تفاصيل وحكايات عن القانون والقواعد المجردة التي يجب أن تطبق على الجميع دون انحياز أو مجاملة.

إنها حكاية سيادة القانون في بلد صنع ثورة عظيمة كانت العدالة إحدى شعاراتها الكبرى منذ 14 عامًا.

خلاف أكبر من كرة القدم

حينما اختار نادي بيراميدز أن يذهب إلى المحكمة الرياضية الدولية كان يبعث رسالة لكل الأطراف تحمل عنوان “الشك” وعدم الإيمان بقواعد العدالة في البلد.

الانحياز للطرف الأقوى يثير المخاوف من إهدار قيمة المساواة.

النادي الأهلي أحد أهم أطراف القوة في الرياضة المصرية بجماهيريته الكبيرة ونفوذه الواسع في المشهد الرياضي.

العدالة لا علاقة لها بالقوة، ولا ارتباط بينها وبين الشهرة والجماهيرية والنفوذ.

هذه حقيقة تبدو غائبة عن المشهد العام في مصر.

في السياسة أيضًا يبدو الإحساس بغياب العدالة واضحًا دون مواربة.

هجرة القوانين المصرية شكًا وارتيابًا واللجوء إلى العدالة الدولية خطوة غير متكررة، لكنها تفتح الباب لتأويلات وأسئلة، وتضع بلدًا كبيرًا في وضع حرج.

عجز داخلي عن تحقيق العدالة، وعدم ارتياح لتطبيقها على الجميع بمساواة.

هذا هو المعنى الأعمق والأبرز في الخطوة الجديدة.

صراع على مبدأ لا على بطولة!

كرة القدم مرآة للمجتمع

في البلدان الكبيرة تبدو كرة القدم مرآة تعكس حال السياسة والمجتمع.

في عام 2024 احتلت مصر المرتبة 135 من 142 دولة في مؤشر سيادة القانون الصادر عن مشروع العدالة العالمية.

أرقام تبدو كاشفة لحال وحالة القانون في دولة كبيرة ذات ثقل دولي وإقليمي.

الأرقام وحدها كافية للانتقال من كرة القدم إلى السياسة والاقتصاد، وفتح الباب للحديث عن المساواة التي يحض عليها ويدعو لها الدستور المصري نفسه.

في السياسة هناك ملف مزعج اسمه سجناء الرأي.

تعرض الآلاف من الشباب المصري الذي تفاعل مع الأحداث السياسية طوال السنوات الماضية للتغييب والحبس على خلفية التعبير عن الرأي أو المشاركة في احتجاجات سلمية.

بعض هؤلاء تجاوز مدد الحبس الاحتياطي التي يحددها القانون ومع ذلك ما زالوا محبوسين.

كل الحوارات المجتمعية التي تواصلت طوال سنوات دعت إلى الإفراج عن سجناء الرأي، وتعديل نصوص الحبس الاحتياطي حتى لا يتحول هذا الإجراء الاحترازي إلى عقوبة.

استخدام القانون بهذا الشكل هو جزء من أسباب فقدان الإحساس بالعدالة في المجتمع.

القوانين تنظم حياة الناس وتحميها، ولا يجب أن تتحول إلى سيف مسلط على حريتهم وأفكارهم.

في الإحساس بغياب العدالة فتش عن الأغنياء والكبار.

في كل قضية مجتمعية يكون طرفها أحد الأغنياء يدخل المجتمع في مواجهة مسبقة مع هذا الطرف صاحب الثراء دون حتى فهم لتفاصيل القضية أو مضمونها.

نوال الدجوي الأستاذة الجامعية نالت هجومَا ونقدًا حادًا من شبكات التواصل الاجتماعي، وطالتها اتهامات وتلميحات تسأل عن مصدر ثروتها بعد أن فقدت الملايين من فيلتها في الزمالك.

لم يقتنع أحد أن السيدة الجامعية ربما تكون قد جمعت ثروتها من العمل والجهد المشروع.

مؤشر مخيف وكاشف عن الإحساس بغياب العدالة وبسيطرة الكبار وأصحاب النفوذ على المجتمع.

قبل بضعة أيام أحالت الحكومة قوانين تنظيم الانتخابات إلى البرلمان.

فرضت على الجميع أن تكون الانتخابات بالقائمة المغلقة المطلقة رغم اعتراض واسع من أحزاب المعارضة التي كانت تميل إلى إقرار نظام القائمة النسبية.

لم تستمع الحكومة إلا لصوتها وصوت رجالها فقط.

بدت هذه القوانين كأنها مفصلة للاستحواذ على الأغلبية البرلمانية.

القوانين في تعريفها الأول الذي يدرسه طلبة كليات الحقوق هي نصوص عامة ومجردة.

إذا تخلى القانون عن معناه المجرد وبات موجهًا فقد كل درجات اقتناع الناس به أو الإحساس بعدالته أصلًا.

بتشكك الناس في العدل وإمكانية تحقيقه، وفي المساواة التي يجب أن تشمل الجميع، فإن المجتمع نفسه يبدو في خطر عظيم.

فالعدالة شعور قبل أن تكون قانونًا.

بيراميدز فرصة للمراجعة

في قصة بيراميدز والأهلي والمحكمة الرياضية الدولية فرصة لتصحيح ما تصدع.

حكاية الإحساس بالعدالة يجب أن تحضر الآن.

لماذا لجأ النادي الرياضي إلى الخارج بعد أن شعر بالشك والارتياب في تحقيق المساواة وبأن النفوذ أقوى من العدل؟

سؤال يفتح ملفات مهمة في بلد يشعر أهله بأن إحدى أهم قضاياه في خطر.

قصة بيراميدز ليست مجرد نادي رياضي مظلوم فقط.

التفاصيل تجسد حالة من الشك في إمكانية تحقيق العدل الرياضي.

خطوة تطرح أسئلة صعبة: لماذا لم تُحسَم الأمور داخليًا؟ ولماذا غاب تكافؤ الفرص بين الجميع؟

في الإجابة الجادة النزيهة نجاة للبلد كله.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان