يحدث في بيروت: حوار سحب سلاح المقاومة

طائرات حربية إسرائيلية تقصف مبنى في جنوب لبنان (الأناضول)

لا ندري إلى أي مدى سيأخذنا التخاذل العربي الرسمي والشعبي -إلا فيما ندر- إلى هذه الحالة من الخزي، التي تجعلنا نشعر بالمهانة والتقزّم أمام صمود أهلنا في غزة وبسالتهم.

فالمقاومة، وبعد أكثر من 19 شهرا، ما زالت تُكبّد العدو الصهيوني خسائر جسيمة، وتواصل إطلاق الصواريخ من شمال غزة على المستوطنات في الغلاف، بينما لا يزال العرب، أنظمة وشعوبا، عاجزين عن مجرد التحرك لنصرة غزة، ولو بخروج احتجاجي يطالب بوقف حرب الإبادة الصهيونية-الأمريكية.

ورغم تصاعد التظاهرات في أوروبا والغرب والشرق غير العربي وغير المسلم ضد هذه الحرب، لا تزال الأمة العربية والإسلامية في سبات وغفلة، بينما يشهد العالم تحوّلات عميقة في نظرته إلى صمود الشعب الفلسطيني، وإعجابه بنموذجهم الفريد في التمسك بالأرض، وعظمة تضحياتهم، من مواطنين عاديين إلى إعلاميين وسياسيين.

جرائم الصباح

يغفو الإنسان ساعتين فقط، ليستيقظ على جرائم جديدة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدار الساعة، منها ما يشيب له الولدان. وفي هذا الصباح، باغتتنا جريمة مروعة: استشهاد أطفال الطبيبة الغزاوية آلاء، الثمانية، دفعة واحدة. الخبر ضربنا في أعماقنا، وأصاب قلوبنا بالوجع.

يا الله! طبيبة تعمل وسط أنقاض المشافي، تتحسس رأسها كل لحظة لتتأكد أنها لا تزال واقفة، وتكبت ألم قلبها علّها تستطيع مواصلة أداء رسالتها. كانت تستقبل الضحايا واحدا تلو الآخر، في ظل صمت عربي ودولي مخزٍ، لا يسعى إلا لإدخال بعض اللقيمات لشعب يُباد في مجزرة لا مثيل لها في التاريخ.

وسط آلامها اليومية، تستقبل آلاء جثامين أطفالها الثمانية في المستشفى الذي تعمل به. يا الله! كيف للبشر أن يحتملوا؟ وهل هؤلاء بشر مثلنا؟ أم أنهم ملائكة من السماء يُعلّمون الأمة النائمة دروس الصبر والإيمان؟ نحن المشاهدون لم نعد نحتمل، فكيف بهم؟ ثمانية جثامين لأطفالها.. اللهم صبرا لها وعونا.

جريمة في بيروت

وبينما هذا هو حال أهل غزة، يفاجئنا الصباح بجريمة سياسية يجري إعدادها في بيروت. يبدو أن خلع آخر ما تبقّى من الكرامة العربية لم يعد كافيا. فقد تفتّق عقل الانبطاح الرسمي، ممثلا بالسلطة الفلسطينية في رام الله، والسلطة اللبنانية في بيروت، عن فكرة يصعب تمييزها عن مشاريع العدو: نزع سلاح الفصائل الفلسطينية المقاومة في لبنان والجنوب.

الطرف الآخر في هذا الحوار هو السلطة اللبنانية، التي تخلّت عن المقاومة، وسمحت للأراضي اللبنانية بأن تُستباح يوميا من قبل الجيش الإسرائيلي، دون حتى إدانة رسمية.

حزب الله، الذي دافع عن لبنان طيلة ثلاثين عاما، وأفقدته الخيانة من الداخل قادته وآلافا من أفراده، ما زال يُمهل الدولة لتكون دولة، ويتحمّل الضغوط حتى لا يُتّهم بأنه عائق أمام السلام، وهو يعلم أنه استسلام مهين.

ورغم هذا، ها هي السلطتان في بيروت ورام الله تسعيان لتقديم فروض طاعة جديدة لإسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة.

أيلول أسود جديد؟

السلطة الفلسطينية لا تملك سلاح المقاومة، حتى في الضفة الغربية. بل تملك فقط أدوات الضغط على المقاومة. لذا، نتساءل: على ماذا يفاوض طارق عباس (نجل الرئيس محمود عباس) في بيروت؟

لم يحضر أي فصيل مقاوم هذا الحوار الغريب، ولم يقبله أي فلسطيني في لبنان، ولن يقبل. فمحمود عباس لا يملك تفويضا شعبيا، وتؤكد الاستطلاعات أنه سيسقط في أي انتخابات. أكثر من 70% من الفلسطينيين يؤيدون المقاومة ويرفضون سحب سلاحها.

السلطة اللبنانية، بدورها، لا تملك صلاحية أو قدرة على نزع سلاح الفصائل، لا الفلسطينية ولا اللبنانية، وعلى رأسها حزب الله، الذي لا يزال يُمثل أملا كبيرا للجماهير.

فما جدوى هذا الحوار إذن؟ هل هو تمهيد لاقتتال عربي/عربي جديد؟ أشبه بمذابح أيلول الأسود في الأردن عام 1970؟

النتيجة الخطيرة

بينما تستمر خطة الإبادة الصهيونية، يخرج علينا محمود عباس والرئيس اللبناني جوزيف عون بخطة لصراع داخلي، تُعطي إسرائيل ما لم تحققه في الحرب

لم يُسحب السلاح، ولم تُخرج المقاومة، ولم تتوقف خسائر العدو، ولم تُصمَم صواريخ المقاومة. كل ما تحقق هو تهديد داخلي جديد على الساحتين الفلسطينية واللبنانية.

أي محاولة من السلطتين في الضفة وبيروت للمضي في هذا المشروع ستُشعل نهرا من الغضب، وأي عاقل يدرك أن أمرا كهذا لن يمر. فسلاح المقاومة شرف لا يُسلّم.”.

ولهذا نقول: احذروا، فغضب الشعوب لا يُقاوَم.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان