احذر تعطيل عقلك بهذه الأفكار وامنع تراجعه

روبين شارما (منصات التواصل)

“العقل خادم رائع لكنه سيد بشع”، هذا ما قاله روبين شارما. وقال أيضا “أعلن الحرب على الأفكار الدنيا التي تسللت إلى قصر عقلك، وستكتشف أنها ليست محل ترحيب وتغادرك، كما يغادر الزائرون غير المرغوب فيهم”.

نكشف أهم الأفكار التي تتسلل إلى العقول، وتحوّلها من قصور رائعة إلى مصادر لتعاسة أصحابها ومصادر لخسائر متتالية، لا يتنبه إليها الكثيرون أو يتكاسلون في طردها، ويتجاهلون قول الإمبراطور اليوناني ماركوس “لا تعش وكأن لديك عشرة آلاف عام متبقية لتعيشها”.

استباحة وإخضاع

مخرج عالمي معروف بنجاحه في صناعة أفلام الرعب، قال ببراءة شديدة “أول ثلث ساعة من الفيلم أهم ما فيه، إذ أجعل المشاهد يتعاطف مع البطل، فيكمل مشاهدة الفيلم وينجذب إليه، ويتحمل مشاهد الرعب باختياره”.

لذا نحذر من التعاطف الزائد الذي يزيح العقل بعيدا، ويصبح صاحبه “مستباحا لمن يسيطر عليه بإثارة تعاطفه مع ما يطرحه عليه من أفكار أو مواقف قد يكون بعضها مختلقا” أو ممتزجا ببعض من المبالغات المتعمدة لإخضاعه عاطفيا.

العقل هو أقوى ما نملكه، فلنحرص على تنقيته من كل ما يعطله ويحرمنا من حياة أفضل تليق بنا، وما نضعه في عقولنا أهم مما نأكله، فلا نكن أبدا متلقين سلبيين لما يقوله الآخرون.

وحتى ممثلك المفضل، لا تكمل مشاهدة فيلمه عندما لا يعجبك، كي لا تجد نفسك مدافعا عما لا يوافق عليه عقلك لاحقا، وإذا أكملته من قبيل الفضول أو الإعجاب بالتمثيل، فقل لنفسك: أشاهده للتسلية فقط، وأرفض ما يفعله جملة وتفصيلا.

الانبهار والطبول

عندما تنبهر بفكرة أو بشخص، توقف فورا فأنت تلقي بعقلك في خطر منح “شيك على بياض”، وتختار بملء إرادتك وكامل وعيك السير “كالأعمى” وأنت مبصر.

وتمهّل فلا شيء في الكون يستحق إلغاء عقلك، واطرد الانبهار والمبالغة، ولا تخضع للإلحاح أو لإعجاب الآخرين، وضع الأمور في ميزان الاعتدال لتنجو بعقلك.

واحذر أن يخضع عقلك ويصدّق أصحاب الصوت العالي، فالطبل صوته مرتفع لأنه فارغ من الداخل، ومن يسارعون إلى الهروب بعد توريط الآخرين هم الأعلى صوتا.

ولا تحب أو تكره لأن صديقك المقرَّب يفعل، واحتفظ بحرية عقلك دوما، وناقش مع نفسك كل تفاصيل أي إنسان قبل اختيار محبته أو تجنبه، فمنح المشاعر لا بد أن يخضع للعقل وليس لآراء المقرَّبين.

يضيق وينكمش

الثقة بلا حدود من أهم مهلكات العقل، ويجب تجنبها ومراجعة من تثق بهم، والتأكد من أنهم لا يزالون يستحقونها.

واحذر اختيار ترديد أفكار البعض بلا مراجعة بسبب ماضيهم المشرّف، وتذكَّر الجنرال الفرنسي “فيليب بيتان” الذي نال وساما في الحرب العالمية الأولى، وأُعدم في الحرب العالمية الثانية لثبوت خيانته!

من مهلكات العقل الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة المعلومات ومخاصمة القراءة والاكتفاء بما عرفه العقل من خلالها سابقا، والعقل إن لم يتسع بالمعرفة المفيدة سيضيق وينكمش بالمعلومات غير الضرورية، وستقل قدرة العقل على التمييز بين ما يستحق الاهتمام به وما يجب طرده فورا.

الجدال والتعصب للرأي من أعداء العقل، فينهكه للتفتيش عما يؤيد رأيه ولو كان غير حقيقي، ويتسبب في ضيق الأفق، ويصنع خصومات، ويضيع أوقاتا غالية، الفرار من الجدال مكسب وليس هزيمة.

والأفضل توسيع الأفق بالاستماع بهدوء وبلا تعصب، فقد نجد رأيا أفضل، وهذا لا يسيء إلينا مثلما يسيء إلينا التعصب ويضرنا عقليا ومعيشيا.

الخطيئة الحقيقية

يقال عن حق “أعمق خطايا العقل الإنساني أن يعتقد شيئا دون أدلة”، ونضيف إليه أن يعتقد شيئا لأن من يحبه إنسانيا أو فكريا أو سياسيا يقوله.

فالعقل وظيفته التحقق من الأدلة بحيادية وبهدوء وبلا تعجل ودون رغبة داخلية لإثبات صحته أو خطأه، حتى لا نقول لأنفسنا إننا أخطأنا سابقا فيما اعتقدنا، وحتى لا نتراجع عما قلناه أو فعلناه سابقا، فالخطأ ليس خطيئة، والخطيئة الحقيقية هي التمادي في الخطأ لرفضنا النفسي الاعتراف به.

وكأننا مثل من يكتشف أثناء توجهه إلى مدينة أنه يسير في الاتجاه الخاطئ، فيرفض الاعتراف بذلك ويتمادى في السير الخاطئ، وبالطبع لن يصل إلى وجهته أبدا، أو سيضطر مجبَرا إلى العودة للاتجاه الصحيح بعد استنزاف لا مبرر له للطاقات النفسية والذهنية والصحية وشهور أو أعوام، ولا يمكن إعادة ثانية من العمر، ومن الذكاء حماية أعمارنا من مستنزفات العقول، أليس كذلك؟

ضاعف نورك

إعجاب الإنسان بعقله بداية لتراجعه ولضيق أفقه وربما لغروره، لرفضه أي شيء لا يعجبه، ولتناقص سعيه لتحسين عقله، ولا يوجد عقل لا يحتاج إلى يكون أفضل.

الإعجاب بالعقل يتعب صاحبه، وكارثة وسبب للعناد والكبر ورفض تصحيح الأخطاء ورفض الاعتراف بالخطأ لنفسه أو للآخرين، وكلنا نخطئ ونصيب، ويضاعف الأخطاء ويصعب التراجع عنها وإصلاحها.

رفض الاعتراف بالخطأ يضيق العقول ويطفئ أنوارها، راجع ما يدور بعقلك، ولا تجعل إعجابك به يصنع خسائرك أبدا.

يتراجع العقل عند رفض رؤية ما يتناقض مع رغباته، وكراهية إعادة التفكير في رؤيته للمواقف وللأشخاص مع ثبوت عدم صحة رؤيته السابقة، وكأن إعادة النظر اعتراف بفشله سابقا، والفشل الحقيقي يكمن في الاستمرار فيما ثبت زيفه.

يبقى عقل الانسان حيا ما دام مستعدا لإعادة التفكير في معتقداته ومناقشتها بهدوء مع نفسه لـ”فلترتها” والإبقاء فقط على ما يتيقن من صحتها.

العقل الضيق يخنق صاحبه، ويسلب منه قدراته، ويدفعه إلى التعصب وكراهية رؤية الواقع كما هو وليس كما يريد.

“اسأل نفسك مع شروق الشمس: متى ستشرق أنت؟ هذا الضياء كله بانتظارك وأنت خُلقت لتضيء”، هذا ما قاله شمس التبريزي، ولن نضيء أبدا إلا بعد أن نتخلص من كل معطلات عقولنا، لنضيء أعمارنا كما نستحق.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان