فيلم “أهل الكهف” هل تغير المعجزات الإنسان؟

فيلم أهل الكهف (منصات التواصل)

سؤال الفلسفة كسؤال الموت، سؤال زمن الأنبياء، زمن المرسلين والأولياء، زمن التضحيات والمعجزات، سؤال يتردد دائما: هل نتغير بفعل المعجزات، أو تغيرنا الكوارث والحوادث الكبرى، أم أن النفس البشرية وطباع الإنسان لا تغيرها الأحداث الكبرى التي تعيشها؟ يحتار العقل في استيعاب النفس البشرية، أحيانا نشعر بالعجز عن فهمها ومعرفة أعماق هذا الكائن الذي ولد ومعه وُلد الخير والشر، الصراع على السلطة والمال والنفوذ. نتساءل أحيانا: ألا نتعظ؟ قد نجد في الموت أعظم العظات، ولكن ما إن نبعد وجوهنا عن مشهده حتى يعود كل شيء كما كان، لا تتوقف الحياة ولا يتوقف صراع الإنسان واستغلاله وتمرده على المصير المحتوم للجميع.

الهروب بالإيمان

نستغرب كثيرا مواقف الإنسان من الموت، الحرب، الدمار، من الفقدان، الاستغلال، الفساد، والقدرة على ذبح، قتل، حرق إنسان آخر، وكثيرا ما يحيرني احتمال البشر لما يحدث حولنا، ويقلقني السؤال: كيف يحتمل الإنسان كل هذا؟ ثم لا يحرك ساكنا، ثم يمارس الحياة كأن لم تكن تلك المشاهد، والكوارث، وفي أوقات كثيرة يأتي بالمعجزات والقدرات المذهلة. هذا هو السؤال الذي يطرحه الفيلم السينمائي المصري (أهل الكهف) عن قصة توفيق الحكيم ورؤية سينمائية وسيناريو وحوار أيمن بهجت قمر، والإخراج لعمرو عرفة، والبطولة لخالد النبوي، ومحمد ممدوح، وغادة عادل. الفيلم إنتاج محمد الرشيدي في العام الماضي وعُرض في يونيو 2024.

الإطار العام للفيلم يحكي القصة الخالدة التي ذكرت في القرآن الكريم عن أصحاب الكهف الفارين بإيمانهم من طغيان الحاكم المستبد والذين لا يرضون إيمانهم بالله. وهنا يعود أيمن بهجت قمر إلى عام 250م، إذ كانت هناك مجموعة من المسيحيين (سبعة) الذين يؤمنون بالله والتوحيد، بينما يصدر الإمبراطور الروماني قرارا بإعدام كل المؤمنين بالمسيحية ويأمر بمطاردة من يؤمن بها.

يكتشف الإمبراطور أن اثنين من قادة جيشه الكبار ضمن المؤمنين بالله (الرب) يتم الاكتشاف عن طريق وزيره اليهودي (عامور) الذي يخطط لقتل القائدين بقسوة في ساحة المصارعة مع أشجع فرسان روما، ويستطيع القائدان سبيلا وبولا التغلب على كل الجنود في ساحة المصارعة والهروب مع خمسة آخرين وهم المعلم (رشوان توفيق)، وراعي الغنم (أحمد عيد)، والتوأمان نور ونار (محمد فراج)، وطفل رضيع حفيد المعلم الذي رحلت أمه أثناء ولادته ودخل معهم الكهف ومعهم كلبهم. {سبعة وثامنهم كلبهم} هكذا اختار قمر أن يعدهم، ولا يعلم عددهم إلا الله.

ينتهي الجزء الأول من الفيلم عند دخولهم الكهف الذي يمكثون فيه 309 أعوام، وفي المقطع الأول من الفيلم يتألق صبري فواز في دور اليهودي عامور الذي يحارب المسيحيين المؤمنين، ويستغل كونه وزيرا للإمبراطور ليجعل من القصر خلية للتجسس والتآمر. كما يتألق خالد النبوي ومحمد ممدوح في أدوارهما التي انتقلت من البطولة والشجاعة حين كانا قائدين في الجيش، إلى مؤمنين فارين بدينهم من البطش الإمبراطوري.

ويتألق عمرو عرفة في إدارة معركة وحيدة في الفيلم ولكن بحركة سينمائية جيدة ومجاميع كثيرة ورغم قلة مشاهدها فإن تنفيذها كان جيدا، وكذلك تألقت كاميرا مدير التصوير أحمد درويش في جماليات الصورة والطبيعة التي صُوِّر فيها الفيلم، ومعه كانت موسيقى الفيلم مناسبة للحالة التاريخية، وقدم مصطفى فهمي آخر أدواره السينمائية قبل رحيله في دور الإمبراطور اللاهي والمستبد.

العودة إلى الحياة

يفر المؤمن بأفكاره التي لا تتناغم مع مجتمع شديد القسوة لا يحتمل، ويهرب من مكان لآخر علّه يجد مجتمعا أكثر اتساعا لتلك الأفكار، وكم مرة نتساءل: هل يمكن لنا أن نجد كهفا كأهل الكهف نهرب إليه؟ هل نستطيع أن نعبر الزمن لنرى ماذا سيحدث بعد عشرات السنين؟ أحيانا تكون الأمنية نهاية لآلام نعيشها، وأحيانا أخرى هربًا من الواقع إذ نريد أن نعرف نهاية هذا الاستبداد وممالك الاستغلال والشر. ولكن هل يمكن للسنين أن تغير واقع الصراع الإنساني بين الخير والشر؟ يحاول الفيلم أن يجيب عن هذا السؤال بعودة أهل الكهف بعد مئات السنين.

عاد سبعة الكهف ليطلق عليهم الشعب الروماني “القديسين السبعة”، فقد تناولت الأجيال قصتهم. وهنا يتدخل خيال أيمن بهجت قمر، صاحب الثلاثين عملا سينمائيا وتلفزيونيا ومسرحيا، ليطرح رؤيته أن الصراع موجود مهما تأثر الإنسان بالمعجزة. يعود السبعة من الكهف ليتقاسمهم الكاهن الأكبر (اثنان) والإمبراطور (ثلاثة)، بينما بقي المعلم صاحب الرؤية في كهفه مدركا ما سيحدث.

لقد تقاسم الكاهن (القديس) بركة أصحاب الكهف الأسطورة، يستغلهم في مزيد من السلطة للكنيسة والكثير من الدعم له، ويرى الشعب فيهم أصحاب معجزة يحققون له غاياته: من يريد شفاء من المرض، بركة في العمل، زيادة في الرزق، كل الأغراض الدنيوية. بينما يرى الإمبراطور في الثلاثة بجواره، خاصة أنهم قادة الجيش التاريخيون، وسيلة لقمع أي تمرد وإخضاع الأقاليم الموالية له. وفي هذا الصراع يظهر مساعد البابا الذي يخطط لقتل الإمبراطور والاستيلاء على كرسي الإمبراطور ليصبح البابا في الكنيسة، ومساعده في القصر ليتقاسما السلطة الدينية والعسكرية، والنفوذ كاملا باسم الكنيسة.

الدين والسياسة

يبدو هنا الهروب من الواقع لتمرير فكرة فصل الدين عن السياسة، وهو الغرض الذي قيل بوضوح في أول مشاهد الفيلم على لسان أحمد بدير (طفل الكهف) الذي أصبح جدا ومعلما لأبناء روما، أي أن الخطر في دمج الدين بالسياسة، تلك المقولة التي سادت وتسود منذ أكثر من قرن من الزمان. وظني أن المقولة تتجاوز المعنى الحقيقي إلا إذا كان الهدف منها استغلال الدين في السيطرة على الشعوب والبشرية، والاستغلال هنا يتناقض مع فكرة الأديان. وقد نرى أن بعضهم يسعى تحت ستار من الادعاء الديني للسيطرة والنفوذ، كما حدث في قرون أوروبا الوسطى، وكيف استغلت الكنيسة الدين، ونرى الآن بوضوح ذلك في الصهيونية العالمية وما يحدث في فلسطين والقدس الشرقية، وما يمارسه اليمين الصهيوني المتطرف تحت شعارات دينية كهدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان كما يدّعون.

أهم ما طرحه الفيلم في اعتقادي فهو الطبيعة البشرية والصراع حول النفوذ والسيطرة، وقد وردت الإشارة في مقدمة المقال إلى هذا الصراع الذي بدأ منذ بدء الخليقة بين قابيل وهابيل حتى الآن. وهذا الصراع النفسي للإنسان لا يعتبر بوجود معجزات، فها هم “القديسون” الذين أنقذهم الله من الظلم ودخلوا الكهف مئات السنين يخرجون ليتحولوا إلى مجرد أداة استغلال، وتلك طبيعة النفس البشرية: {ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها}. وفي هذا إجابة عن تساؤلات العقل البشري عن العظات التي لا نعتبر بها من أحداث ووقائع لا تؤثر في مسيرة النفس البشرية التي يجتمع فيها الخير في مواجهة الشر، الإيمان في مواجهة الشرك، العدل في مواجهة الظلم. وكما بدأت مع بداية البشرية ستنتهي مع نهايتها، أما ما علينا فهو مواجهة كل ما يستعبد ويقهر ويستغل الإنسان.

عمرو عرفة من مخرجي جيل الألفية الثالثة، وقدم ما يقرب من 21 عملا تلفزيونيا وسينمائيا، منها 12 فيلما من بينها فيلمان مع عادل إمام هما “السفارة في العمارة” و”زهايمر”، ومن أبرز أفلامه “ابن القنصل” مع خالد صالح، “من 30 سنة” مع أحمد السقا، و”حلم عزيز” مع أحمد عز، وهو شقيق المخرج شريف عرفة، وهما ابنا المخرج السينمائي الكبير سعد عرفة.

وهذا العمل الأول له مع خالد النبوي، والحقيقة أن خالد النبوي أصبح وجوده عنوانا لفيلم جيد، وقد تألق النبوي مع الثلاثي محمد ممدوح، محمد فراج، وأحمد عيد، وثلاثتهم من أفضل ممثلي السينما والدراما التلفزيونية، ومعهم الموهوب صبري فواز الذي يفاجئ جمهوره دائما بتغيير في شخصياته، ولا ننسى الكبيران رشوان توفيق وأحمد بدير في مشاهدهما القليلة المؤثرة وأدائهما البارع.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان