بعدما وصفه “روغان” بالأسوأ.. هل حان أوان انصراف زاهي حواس؟

أثار البودكاست الأمريكي جو روغان، مقدم البرنامج الصوتي الأشهر عالميا.. ضجة هائلة في الأوساط العلمية، وجدلا واسعا على المنصات التواصلية والإعلامية، داخل مصر وخارجها. عندما فتح النار (قبل يومين)، على الوزير المصري السابق للآثار، عالم المصريات الدكتور زاهي حواس، واصفا حلقة برنامجه معه بأنها الأسوأ، وأن تجربته معه، مُخيبة للآمال، وأنه أسوأ ضيف. وزاد بأنه “شخص مُنغلق على نفسه فكريا.. يحتكر حراسة أهم حضارة على كوكب الأرض”.
مكمن الخطورة، على حواس في وصفه وحلقته بـ”الأسوأ”، أن روغان، سبق أن بث ألفي حلقة من برنامجه، منذ عام 2009.. أجرى فيها مقابلات مع 1800 شخصية، من المشاهير، والساسة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفي المطار السوري رفضوا ختم جواز سفري لأنه مزور!
حديث القرآن عن ميراث البنات عند عدم وجود الأخ
من هم المقاتلون الأجانب الذين سيتم منحهم الجنسية السورية؟
فهو ليس مغمورا، ولا من مذيعي الفضائيات المصرية، الذين يفتقد أكثريتهم المصداقية، والموضوعية سواء كانوا موالاةً، أو معارضةً، بل يحظى بشهرة عالمية. فهو جوزيف جيمس روغان، المعروف باسم جو روغان (58 سنة)، مُذيع، وممثل أمريكي. تعلم في بواكير شبابه، فنون التايكوندو والكاراتيه، ثم برع في الكوميديا، والتعليق الصوتي إذاعيا وتلفزيونيا، ويمتلك ثروة تُقدر بـ200 مليون دولار، حصلها من برنامجه. استضاف (من قبل)، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكبير مستشاريه الملياردير الأمريكي (الكندي الأصل)، مالك منصة إكس (تويتر سابقا) إيلون ماسك (53 سنة)، والسياسي الأمريكي المعروف السناتور برني ساندرز (85 سنة)، والملاكم الأمريكي الأسطورة مايك تايسون (58 سنة)، الذي حكى مع روغان، عن تجربته الحياتية، وفترة السجن.
كما استضاف عبر تقنية مكالمات الفيديو، من روسيا، العميل السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية إدوارد سنودن، الذي فضح برامج التجسس التي تنفذها الوكالة، وغيرهم من النجوم والمشاهير.
البرنامج الصوتي لروغان (بودكاست)، هو الأوسع انتشارا.. يُتابعه 70 مليون شخص حول العالم، على منصات يوتيوب (20 مليون)، وإنستغرام (20 مليون)، و15 مليون متابع لكل من سبوتيفاي للبث الصوتي، وإكس (تويتر سابقا)، وله متابعون على غيرها منصات أخرى.
يتصدر منصة سبوتيفاي منذ عام 2019.. بما يزيد على 190 مليون تحميل سنويا لحلقات برنامجه. روغان أدلى بتصريحاته، ضد حواس، لوسائل إعلام أجنبية، وعبر برنامجه.. متحدثا عن حلقته معه، المذاعة يوم 13 من شهر مايو/أيار الجاري، وما جرى فيها من نقاش حاد بينهما، حول نظريات بناء الأهرامات.
الكاهن الأعظم للحضارة المصرية
كأن روغان يلمح إلى أن الوزير السابق حواس، يتصرف كما لو أنه “الكاهن الأعظم” للحضارة المصرية، والمالك الوحيد والحصري لصكوك التحدث باسمها. بعدما احتد بينهما النقاش عندما طرح روغان سؤالا أو أكثر حول ما يُثار عن “أبحاث” تستند إلى صور بالأقمار الصناعية، تُشير إلى وجود هياكل ضخمة تحت هرم خفرع، وعما إذا كانت كائنات فضائية وراء بناء الأهرامات (وهي نظريات رائجة عالميا). إلا أن زاهي حواس وصفها بأنها “هراء”، يفتقد لأدلة علمية تدعمه، رافضا أي أفكار، أو نظريات، بأن المصريين القدماء ليسوا هم البناة للأهرامات، أو أنها نتاج لحضارات مجهولة سابقة.
وبينما توالت أسئلة البودكاست، كالعاصفة، طوال مدة البرنامج (ساعتين)، كان حواس كثير المقاطعة لروغان. ولم يقدم إجابات مُقنعة عن الأسئلة، فلم يدحض الأفكار والنظريات التي ساقها روغان حول بناء الأهرامات، ببرهان علمي مقنع. بل اكتفى في رده على غالبية الرؤى والتساؤلات المطروحة في هذا الشأن، بأن الإجابات في كتابه.
يسأله روغان وأين الكتاب؟ فيرد حواس بأنه على جهاز اللابتوب، إذن فأين الجهاز؟ في لاس فيغاس (بولاية نيفادا الأمريكية). فلم يقدم إجابات مقنعة للجمهور.. بل استغل الحلقة في الترويج لذاته التي بدت متضخمة بشكل مثير للشفقة، لدرجة تكراره لكلمة “أنا”، خلال ساعتي حلقة روغان 821 مرة (!!).
حواس ينشر مقالا علميا يوميا لمدة 685 سنة
فور إطلاق روغان لتصريحاته اندلع الجدل، داخل مصر وخارجها بين مؤيد لحواس، ومنتقد له. فقد اصطفت وسائل الإعلام المصرية شبه الحكومية (صحافة، وفضائيات)، دفاعا عن حواس، الذي أطل في مداخلات تلفزيونية إحداها مع المذيع أحمد موسى (قناة صدى البلد) أدلى خلالها بتصريح مثير للاستفزاز والذهول لافتقاده اللياقة الذهنية، وخلوه من الرشد، والعقلانية، والمنطق، والمعقولية، كمن يُطلق النار على قدميه.
قال -لا فض فوه، ومات حاسدوه- دفاعا عن نفسه، وقيمته العلمية، إنه فخور بنشر “250 ألف مقالة علمية عن الحضارة المصرية”، زاعما أن دفاعه القوي والعلمي عن مصر وحضارتها أصاب روغان بالجنون. منصة “متصدقش”، المتخصصة في التحقق من صحة المحتوى المصري والعربي دخلت على الخط، كاشفة أن المقال العلمي الواحد في مجال الآثار يلزمه للنشر أربعة أشهر على الأقل لمروره بمراجعات عديدة، قبل النشر. وبحسبة بسيطة، فإن هذا العدد من “المقالات العلمية”، التي يزعُم حواس نشرها يحتاج إلى ما يقرب من 685 سنة، لو نشر مقالا يوميا، وهو ما يُعد مستحيلا في هذا السياق.
نزع القداسة والكهانة
أخشى أن روغان قد نزع هالة القداسة والكهانة، التي يتدثر بها حواس، وكتب له نهاية سيئة. فقد دأب على التصرف، كأنه عالم الآثار الوحيد، الذي لم تُنجب البشرية مثله رغم أن البلاد غنية بالآلاف ممن يفوقونه علما وخبرة في الجامعات ودواوين هيئة الآثار. لكن “حواس” يتصدر الساحة الإعلامية لعقود، بلا مُنازع، ويأبى ظهور غيره. لا جدال في أن لديه مهارات لبناء العلاقات، فهو المرافق لأي وفد أجنبي زائر، والراعي لمعارض الآثار بالخارج (رغم ما يحيط بها من مآخذ)، مما لا يكون إلا بدعم حكومي. ظني أنه حان أوان انصراف زاهي حواس، وليهنأ بما حقق، وأنجز بغض النظر عن الاستحقاق.
نسأل الله السلامة لمصر.