رسالة محمد إقبال إلى العرب: أنتم أنقذتم البشرية من العبودية لغير الله!

كانت صورة العرب في العالم من أهم مجالات البحث العلمي التي شغلتني طوال عشرات السنين، وكانت قد عقدت مؤتمرات وندوات لمناقشة كيفية تحسين صورة العرب. شارك فيها باحثون من مجالات علمية مختلفة، ولاحظت أن بعضهم أراد الفصل بين صورة العرب والإسلام.
وكنت أرفض ذلك الاتجاه، وأرى أنه من الضروري تحسين صورة العرب في أذهان المسلمين أولا على أساس العقيدة والتاريخ والثقافة، فصورة العرب في أذهان المسلمين تشكل مصدر قوة ناعمة، وتفتح المجالات للكفاح المشترك لتحقيق الاستقلال والتحرر من السيطرة الغربية وبناء المستقبل، كما أنه من الطبيعي أن يتقبل المسلمون في كل أنحاء العالم هذه الصورة الإيجابية للعرب، وأن يسهموا في نشرها خاصة في آسيا وإفريقيا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتجربة شخصية مع فتوى القرضاوي تيسير الموت للمريض
حل حزب العمال الكردستاني.. هل أنهى المخاوف الأمنية لتركيا؟!
“صنع الله إبراهيم” الكتابة على دقات الحروف وصوت المذياع
اليوم أقدم لكم الدليل على صحة ذلك الاتجاه العلمي، فالأديب الشاعر العالم محمد إقبال قام بدور مهم في بناء صورة إيجابية للعرب، وعبّر عن أشواق المسلمين لعودة العرب للقيام بدورهم الحضاري، وكانت كلماته عنهم أفضل من نتائج كل ما أنفقوه من أموال لتحسين صورتهم، فتلك الكلمات يمكن أن تثير خيال المسلمين في شبه القارة الهندية، خاصة في باكستان وفي آسيا كلها لبناء مستقبلنا المشترك على أساس الإسلام.
دور العرب يرتبط بالإسلام
عبّر محمد إقبال عن إعجابه بالعرب في كل دواوينه الشعرية ومحاضراته وكتبه، وبرر ذلك الإعجاب بدورهم التاريخي في نشر الإسلام وبناء حضارته، وأن الإسلام أطلق روح العرب الثورية، وحوّل بساطتهم إلى قوة هائلة.
العرب من منظور القائد المسلم محمد إقبال هم الأمة التي نهضت بالإيمان، ففي الصحراء العربية نشأ رجال أقوياء حملوا رسالة الإسلام إلى العالم، فالإسلام حولهم من قبائل متفرقة إلى قادة للحضارة، وبرسالة الإسلام الخالدة تمكنوا من إلهام الشعوب لتحقيق التغيير الحضاري.
ففي ديوانه رسالة المشرق عبّر عن إعجابه بالفتوحات الإسلامية، فالعرب لم يكونوا مجرد فاتحين سياسيين، بل كانوا حاملين لرسالة فكرية وروحية أحدثت تغييرا عميقا في التاريخ.
بالحق أصبحتم ملوكا
لكن إعجاب محمد إقبال بالعرب، وتشكيله لصورتهم الإيجابية في آسيا، ارتبط بدعوتهم لتحقيق نهضة جديدة وبتذكيرهم بمصدر قوتهم وهو الإسلام، حيث خاطبهم بأن “الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم جعلكم أحدّ من السيف، كنتم أعرابا فجعلكم ملوكا تملكون مقادير الأمم. ترفعون أصواتكم بالأذان، وأنتم في الحرب، ففتحتم الشرق والغرب”.
في الكثير من قصائده يذكر العرب بمجدهم وكفاح أجدادهم الذين رفعوا راية الإسلام، وفتحوا الأمصار، وصاروا سادة الدنيا، ولم يكن جهادهم غزوا استعماريا، بل كان لنشر دين الحق الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ وأنقذهم من العبودية لغير الله.
يفتخر محمد إقبال بالعرب وإنجازاتهم التاريخية؛ فيقول:
في كل موقعة رفعنا راية.. للمجد تعلي آية التوحيد
أمم البرايا لم تكن من قبلنا.. إلا عبيدا في إسار عبيد
بلغت بنا الأجيال حرياتها.. من بعد أصفاد وذل قيود
عربي الروح وصوت من عدنان!
يعتبر محمد إقبال نفسه عربي الروح عدناني الصوت، رغم انتمائه العرقي إلى الهند، فالإسلام يوحّد أتباعه، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.. لذلك يقول:
إن كان لي نغم الهنود ولحنهم.. لكن هذا الصوت من عدنان
لذلك درس محمد إقبال اللغة العربية وآدابها، لكنه ظل يتمنى حتى آخر عمره لو أنه نظم شعره باللغة العربية، وليس بالأوردية لغته الأم، فالعربية لغة القرآن وعلوم الإسلام، والعرب هم قوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك أحبهم إقبال كل الحب، وهو يرى أن سر نهضة الشرق يكون في اعتصام الأمة بدينها، والاقتداء بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
هدية الحجاز
ظل محمد إقبال طوال عمره يتمنى أن يذهب لأداء فريضة الحج، لكنه لم يتمكن من تحقيق أمله، فانطلق بخياله، وعاد بديوان “هدية الحجاز”، وخاطب في هذا الديوان البادية العربية قائلا: أيتها البادية العربية التي كتب الله لصحرائها الخلود عندما سمع العالم منها لأول مرة في التاريخ نداء: لا قيصر ولا كسرى، وأكرم الله من يعيشون فيها بقراءة القرآن، وأطلع الله فيها رسوله الكريم على سر التوحيد، فنادى بأعلى صوته: لا إله إلا الله.
البادية العربية اشتعل فيها السراج الذي أضاء العالم، لذلك يخاطب العرب قائلا: هل العلم والحكمة إلا فتات مائدتكم؟!، وهل قوله تعالى: {فأصبحتم بنعمته إخوانا}، إلا وصفا لحالكم.
ولقد أعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخصب والنمو إلى هذه الصحراء، فأنبتت الأزهار والرياحين.
يقول محمد إقبال:
من الذي حرر الدنيا لخالقها.. وأسمع الخلق لا كسرى ولا قيصر
من قبلكم أبلغ الآيات ناطقة.. بوحي من خلق الدنيا وسواها
من غيركم رفع المصباح مؤتلقا.. ووحد الخلق لما وحد الله
لم يطعم الناس إلا في موائدكم.. علما شهيا وتهذيبا وعرفانا
فليتذكر العرب أمجادهم!
يذكر محمد إقبال العرب بأمجادهم وفضلهم على البشرية، ويقارن بين حال العرب عندما كانوا قبائل متحاربة، وحالهم بعد الإسلام عندما حملوا لواء الهدى، وضربوا في أنحاء العالم لنشر الإسلام، وقاموا في البلدان المفتوحة بنشر العربية والامتزاج مع شعوبها.
لقد حلّق خيال محمد إقبال في الحجاز، فأدرك أن الإسلام الذي انطلق منه يبني حياة جديدة، فأرض الحجاز منبت الوحي وأرض البطولات، وإليها يحن كل مؤمن.
لذلك يقول:
أشواقنا نحو الحجاز تطلعت.. كحنين مغترب إلى الأوطان
إن الطيور إذا قصصت جناحها.. تسمو بفطرتها إلى الطيران
وكان ديوان هدية الحجاز هو آخر ما كتب، ويقول في نهايته:
يا أرض النور من الحرمين.. ويا ميلاد شريعتنا
روض الإسلام ودوحته.. في أرضك رواها دمنا
محمد كان أمير الركب.. يقود الفوز لنصرتنا
إن اسم محمد الهادي.. روح الآمال لنهضتنا
هذه هي السمات التي يمكن أن تشكل صورة إيجابية للعرب في نفوس المسلمين، تمهيدا لقيامهم بدور تاريخي جديد في بناء الحضارة الإسلامية.