وجهها غريب وسعرها خيالي.. ما سر جنون العالم بـ”لابوبو”؟

“المنتج الجيد يفرض نفسه”، لطالما كانت هذه العبارة تختزل القاعدة الذهبية في عالم الاقتصاد: إن البضاعة التي تعرض في السوق لا تستمر إلا إذا كانت جيدة. حقيقة اقتصادية كانت راسخة لعقود، لكنها الآن بدأت تتلاشى أمام سطوة عناصر جديدة فرضت نفسها، مثل التسويق الذكي، و”التريندات”، ما جعلت من تلك المقولات محض خيال، فالمنتجات الرديئة يمكن أن تباع مع التسويق الجيد والتقاليع العجيبة، وهو ما يحدث الآن مع “لابوبو”، الدمية التي تحوّلت إلى ظاهرة، فما هي “لابوبو”؟ ولماذا أثارت كل هذا الجدل؟
دعونا نقترب من هذه الظاهرة.
في زحام وسائل التواصل الاجتماعي، تتصدّر بين الحين والآخر ظواهر غريبة تُعرف باسم “التريندات”، تلفت الأنظار وتثير الكثير من التساؤلات، ومن أبرز هذه الظواهر مؤخرًا دمية تُدعى “لابوبو”، التي أثارت ضجة واسعة بسبب شكلها غير المألوف، الذي لا يُشبه دمى الأطفال المعروفة مثل “باربي”، و”هالو كيتي” و”أميرات ديزني”، أو غيرها من الدمى التي تُجسّد مفاهيم البراءة والجمال.
“لابوبو”، بعينيها الجاحظتين، وأذنيها المدببتين، وابتسامتها الغريبة التي تكشف عن تسع أسنان مسننة، تبدو أقرب إلى كائن خيالي خرج من كابوس ساخر لا من مصنع ألعاب، ورغم ذلك أو ربما بسببه ضحك منها الملايين، وأحبّها آخرون، وتسابق كثيرون على شرائها واستخدامها في مقاطع “الفيديو” الساخرة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقراءة قانونية في الانتهاكات الإسرائيلية واختطاف السفينة مادلين
غرور القوة وأوهام النصر المطلق
هل يسقط النظام الإيراني.. وهل تتدخل أمريكا؟
فما سرّ تلك الدمية العجيبة؟ وهل هي مجرد موجة عابرة سرعان ما ستنطفئ، أم أنها تعكس تحولا أعمق في ذائقة الناس ونظرتهم إلى الجمال والاختلاف؟
جنية من الأساطير الإسكندنافية
ظهرت “لابوبو” لأول مرة عام 2015 ضمن سلسلة قصص مصورة بعنوان “الوحوش” للرسام كاسينغ لونغ من هونغ كونغ، وهي مستوحاة من الأساطير الإسكندنافية. ضمت هذه السلسلة مجموعة من الشخصيات الخيالية الغريبة، من بينها “لابوبو” بشخصيتها المرحة، ووجهها الدائري، وأذنيها المدببتين، وعينيها الواسعتين المتلألئتين، وتسع أسنان مسنّنة تبدو رغم غرابتها غير مرعبة تمامًا، إذ جمعت بين ملامح البراءة والعبث، لتمنحها هيئة جنية مرحة ومحببة.
ورغم مرور سنوات على ابتكارها، لم تعرف “لابوبو” طريقها إلى الشهرة العالمية إلا مؤخرا، بعد انتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة في “تيك توك” و”إنستغرام”، حيث أصبحت نجمة مقاطع “الفيديو” الطريفة والمواقف الساخرة، ومنحها المستخدمون ألقابا مثل: “الهدية الغريبة” و”الدمية غير المتوقعة”، وسرعان ما تحوّلت من مجرد دمية إلى ظاهرة جماهيرية عالمية.
لكن، لماذا أحبها الناس؟ ولماذا نجحت حيث فشلت عشرات الدمى التقليدية؟
الإجابة الأقرب هي أن “لابوبو” لا تتبع المعايير التقليدية للجمال أو البراءة، بل تحتفي بالغرابة واللامألوف، وهي بذلك تلامس رغبة الجيل الرقمي في التفاعل مع كل ما هو غير متوقع، وما يثير رد الفعل السريع، سواء بالضحك، أو الدهشة، أو حتى الاستغراب.
تأثير المشاهير والمؤثرين في انتشار “لابوبو”
أسهم استخدام “لابوبو” من قبل العديد من المشاهير والمؤثرين على مواقع التواصل في انتشارها بشكل هائل، فقد ظهر بعضهم وهم يعلّقون الدمية على حقائبهم أو يضعونها في سياراتهم، وما يضيف عنصر الغرابة والمفاجأة هو أن “لابوبو” تأتي عادة مغلفة داخل عبوات لا تكشف عن شكل الدمية، ليبقى شكلها مفاجأة حتى فتح العلبة.
يتراوح سعر “لابوبو” في المتجر الرئيس لها “بوب مارت” أقل من عشرين دولارا للنسخ العادية، ويصل إلى أكثر من ألف دولار للنسخ الحصرية. الطلب على “لابوبو” ومنتجات “الوحوش” الأخرى مرتفع جدًا لدرجة أن معظمها يُباع فورًا على موقع “بوب مارت” الإلكتروني، كما أدت شعبيتها المتزايدة إلى ظهور نسخ مقلدة تُباع عبر الإنترنت وفي المتاجر التقليدية.
هذا كله يشير إلى تحول واضح في أذواق الناس، فما كان يُعد قبيحًا يومًا ما، بات اليوم محببًا ومطلوبًا. الذائقة الشعبية لم تعد تسير وفق قواعد الجمال المثالي، بل أصبحت أكثر انفتاحًا على الاختلاف، وأكثر ميلًا لما يثير الضحك أو الدهشة أو حتى الحيرة.
لكن ثمّة سؤالًا آخر يفرض نفسه: هل ما نشهده الآن انحدار في الذائقة، أم مجرّد تحوّل طبيعي في مسارها؟
أميل إلى الرأي الثاني، فالثقافة ليست قالبًا جامدًا، بل كائن حي يتغيّر ويتشكّل بتأثير الزمن والتقنيات، وتقلب أمزجة الناس. ما نراه اليوم “تريندا” غريبا قد يتحوّل، بعد سنوات، إلى مرجع بصري أو رمز ثقافي لحقبة كاملة. تمامًا كما كانت “دمى الخزف” رمزًا للرقي والجمال في القرن التاسع عشر، وكما مثّلت دمى “راغدي آن” و”شاتي كاثي” شخصيات محببة في أوائل القرن العشرين، قد تُذكر “لابوبو” يوما ما كأيقونة لفترة عبثية، عبّر فيها الناس عن ذواتهم بحرية، بلا خوف من السخرية أو من أحكام الذوق السائد.
في النهاية، “لابوبو” ليست مجرد دمية غريبة، بل مرآة للواقع الرقمي الذي نعيشه، قد لا تروق الجميع، لكنها بلا شك أثارت نقاشًا مهمًا حول مفهوم الجمال والغرابة في زمننا الراهن، وأظهرت كيف يمكن للغرابة أن تتحول إلى رمز شعبي يعبّر عن روح العصر وتحولات الذائقة المجتمعية.
ولا أعتقد أبدا أن “لابوبو” ستكون المحطة الأخيرة.. فالمفاجآت قادمة، لا نعلم من أين ستأتي هذه المرة؟