الدرس الذي علمه باريس سان جيرمان لنفسه!

لن أبالغ إذا ما قلت إن فوز باريس سان جيرمان الفرنسي بدوري الأبطال الأوروبي لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه، أسعدني سعادة أصحاب الإنجاز نفسه. لا لأني كنت أراهن على فوزه على إنتر ميلان الإيطالي في النهائي الذي جمع بينهما مساء السبت الماضي، وانتهى بفوز ساحق للباريسي بخمسة أهداف نظيفة، ولا لأني مشجع للفريق الفرنسي، فقد اعتزلت التشجيع من زمن طويل، وبقيت مع اللعبة الحلوة فقط أينما كانت، ولا لأن الإنجاز سيحسب لدولة قطر التي أعيش بها الآن وأكن لها كل مشاعر التقدير، بوصفها المالك للنادي.
إنما مصدر سعادتي هو أن هذا التتويج جاء ليؤكد نظرية كنت وما زلت أرددها دائما، ألا وهي أن الإنجازات الكروية الكبرى، ليس بالضرورة أن تتحقق بكثرة وجود الأسماء الكبيرة، ولا بتعدد المواهب، إنما تتحقق بالتخطيط السليم، وروح الفريق الواحدة، وتوزيع العدالة بين جميع أفراده.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
أبعاد الضربة الأمريكية لإيران
السنة النبوية وميراث البنات المنفردات
قبل خمسة أعوام، وتحديدا في 23 أغسطس/آب 2020، فشل باريس سان جيرمان في الفوز باللقب، بعدما خسر في النهائي أمام بايرن ميونيخ الألماني بهدف نظيف، بالرغم من أن الفريق الباريسي كان يضم في هذا التوقيت كوكبة من كبار النجوم أصحاب المواهب العالية، الواحد منهم كفيل بتحقيق أحلام فريق بأكمله، ففي هذه المباراة كان تشكيل الفريق الباريسي، يضم ثلاثة مهاجمين هم الأفضل في مراكزهم على مستوى العالم، وهم البرازيلي نيمار والأرجنتيني أنخيل دي ماريا، والفرنسي كيليان مبابي، الثلاثة لعبوا المباراة كاملة باستثناء دي ماريا الذي خرج قبل النهاية بعشر دقائق، لكن ومع ذلك عجز هؤلاء النجوم على هز شباك الفريق الألماني، ليخسر الفريق بطولة كانت بين يديه وأقدامه.
لكن ولأن الظهور في هذه البطولة كان مشرفا للغاية، والمستوى يبشر بالخير، والقدرة على تحقيق اللقب في النسخة التالية، فقد راحت إدارة النادي تحافظ على القوام ثابتا، مع عمل بعض التعاقدات المحدودة لأسماء ليست بشهرة أحد من الأسماء الموجودة، لكنها غطت الثغرات الموجودة، في المراكز المختلفة، لكن ومع ذلك خرج الفريق من الدور نصف النهائي، بالخسارة أمام مانشستر سيتي الإنجليزي، بالخسارة ذهابا 1 – 2، وإيابا 0 – 2، هذا الخروج أيضا كان مشرفا ومبشرا، لأنه كان من الدور قبل النهائي، وأمام الفريق الإنجليزي القوي جدا مانشستر سيتي، فقد عدّه المحللون ومسؤولو النادي، بأنه يبعث على الاطمئنان، ويؤكد ثبات مستوى الفريق الفرنسي وقربه من تحقيق الحلم.
فريق أحلام بقيادة ميسي
وفي النسخة التالية 2021 / 2022 بات الجميع يتوقع أن يتوج الفريق الباريسي باللقب، خصوصا بعد أن نجحت إدارة النادي في عقد أكبر وأغلى صفقة كروية في التاريخ، بالتعاقد مع أفضل لاعب في العالم وهو الأرجنتيني ليونيل ميسي، ليصبح لدى الباريسين فريق أحلام بحق وحقيق، حيث أصبح يضم كل النجوم الثقيلة في العالم، وأكثر لاعبي الكرة موهبة ومهارة على الأرض في ذلك الوقت، وهم ميسي ونيمار ومبابي، بالإضافة إلى أنخيل دي ماريا، والحارس الإيطالي العملاق الحاصل على جائزة فرانس فوتبول لأحسن حارس مرمى 2021 جيانلويجي دوناروما، فضلا عن المغربي أشرف حكيمي والبرازيلي ماركينيوس، وغيرهم، لكن المفاجأة كانت هي الخروج مبكرا من البطولة، دور الـ16 بالخسارة أمام ريال مدريد الإسباني ذهابا 1 – 3 وإيابا 2 – 3.
النجوم الكبار عبء على الأندية
ورغم أن تجربة ترس الفرق بالمواهب الفذة، والنجوم اللامعة لم تثبت جدواها لا مع الفريق الباريسي ولا غيره، إلا أن إدارة النادي واصلت سعيها لضم المزيد من الأسماء الكبيرة، ظنا منها بأن تحقيق إنجاز كبير بحجم الفوز بدوري الأبطال الأوروبي، لا يقدر عليه إلا المخضرمون من أصحاب الخبرات الكبيرة والشهرة الواسعة، دون النظر للسلبيات التي يمكن أن تنتج عن ذلك، حيث تعاقد النادي في هذا الموسم مع المدافع المخضرم سيرخيو راموس نجم ريال مدريد السابق، ليصبح بذلك الفريق متخما بالأسماء الكبيرة من اللاعبين، التي يفترض فيها القدرة على حصد البطولات كلها التي يشاركون فيها، وعلى رأسها دوري الأبطال الأوروبي.
لكن وبعيدا عن كون الفريق بهذه التشكيلة لم يضف أي جديد للنادي الباريسي، حيث خرج الفريق من الدور نفسه الذي خرج منه في البطولة السابقة، إلا أن التجربة أثبتت خطأ سياسة الهرولة وراء النجوم الكبار، خصوصا بعدما وضح جليا أنه منذ تعاقد النادي مع ميسي، في وجود نيمار ومبابي، قد شكل عبئا كبيرا على بقية اللاعبين، وعلى الجهاز الفني، خصوصا في فترة وجود المدرب الأرجنتيني بوكتينيو، الذي بدا في المباريات كلها، حريصا على عدم إغضاب أي نجم من النجوم الكبيرة خصوصا الثلاثي ميسي ونيمار ومبابي، حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة الفنية للفريق، بل إنه كان يخشى من استبدال أحد منهم، حتى وإن كان أداؤه سيئا وغير مفيد للفريق، أضف إلى ذلك خشيته من توجيه أي منهم داخل الملعب، ليلزمه باللعب في مركزه الذي اختاره له المدرب، دون التحرك في مركز آخر، يتعارض مع مركز أحد زملائه.
مع مرور الوقت أصبح النجوم الكبار يمثلون مراكز قوى داخل الفريق، وقد وردت أنباء عن أنهم يتدخلون في اختيار التشكيل، ويفرضون على المدرب فترات مشاركتهم في المباريات، بل إن منهم من كان يملك القدرة على إقالة مدرب وتعيين آخر، بل إنه بدأت بعد ذلك تظهر مشاكل أكبر من ذلك بكثير، وخصوصا من نيمار الذي لا يعرف العيش في هدوء، حيث كان ينقطع عن التدريبات دون إذن من المدرب أو النادي، وكان يظهر في أماكن لا يجب أن يوجد فيها نجم مثله، وشيئا فشيئا تحول هؤلاء النجوم من قوة دفع للنادي، إلى عبء ثقيل عليه، لا هو قادر على إنهاء عقودهم قبل موعدها، فيخسر بذلك أموالا طائلة دفعها فيهم، ولا هو قادر على الاستفادة منهم فنيا، والناس كلها تابعت حجم المشاكل والأزمات التي تحملها النادي الباريسي، نحو تخلصه من هذا العبء الثقيل، حيث كان خروج كل واحد منهم تصاحبه أزمة كبرى، كانت تجعل باريس سان جيرمان والقائمين على إدارته أمام فوهة مدافع الإعلام والجماهير، ولم يفق النادي من تلك الأزمات كلها، إلا بخلع آخر مراكز القوى بالفريق وهو كيليان مبابي الذي انتقل إلى ريال مدريد الموسم الماضي، بعد معركة مع النادي الباريسي استمرت شهورا عدة، ورغم أن كثيرين وقتها ظنوا أن رحيل مبابي عن باريس سان جيرمان معناه، انهيار الفريق، كونه النجم الوحيد المتبقي بالفريق، والقادر على قيادته إلى منصات التتويج، إلا أني رأيته مكسبا كبيرا، وبداية ثورة تصحيح نحو تحقيق أحلام النادي الباريسي.. وقد كان.