لماذا كاليفورنيا؟ ترامب يشعل الحرب الأهلية الأمريكية

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية بوادر حرب أهلية، فالصدامات التي شهدتها مدينة لوس أنجلوس بين سكان المدينة وقوات الحرس الوطني أثارت القلق حول المستقبل الغامض في ظل أجندة ترامب الداخلية، القائمة على مصادرة الديمقراطية، واستخدام الجيش لحسم صراعاته ضد خصومه السياسيين، وضد الأمريكيين الذين يعترضون على قراراته.
يدعي ترامب أن إرسال القوات العسكرية كان ضرورة لتحرير المدينة وانقاذها من احتلال المهاجرين الذين يعتبرهم مجرمين، وفي المقابل يتهم كل من حاكم الولاية جافين نيوسوم وعمدة المدينة كارين باس الرئيس الأمريكي بنشر الفوضى في المدينة، وقالا في تصريحات صحفية أن الاحتجاجات على اعتقال العشرات واحتجازهم في مركز يتبع لسلطات الهجرة والجمارك كانت سلمية وكان من السهل احتوائها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsدعوة صادقة لقادة الدول الإسلامية
هل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
مع تمسك ترامب بموقفه قرر حاكم كاليفورنيا رفع دعوى قضائية عاجلة اتهم فيها الرئيس بتجاوز صلاحياته ونشر الحرس الوطني دون الرجوع إليه، ومن جهته رد ترامب بإرسال كتيبة من قوات المارينز إلى لوس أنجلوس، وهدد باعتقال حاكم الولاية وكل من يرفض الانصياع لسياسات الرئيس، ووسع التهديد ليشمل كل الولايات.
يصر الرئيس الأمريكي على تصوير ما يجري في كاليفورنيا بأنه قضية أمنية تتعلق بمطاردة سلطات الهجرة للمهاجرين غير الشرعيين، ويركز الإعلام المساند لترامب على أن ما يجري هو تمرد، ويروج لمشاهد تقوي هذه الرواية مثل رفع أحد المتظاهرين لعلم المكسيك، بينما يؤكد حجم الاحتجاجات الضخمة وتحركات النقابات العمالية والمواقف الرافضة من الإدارة الديمقراطية المنتخبة أن الخلاف أبعد من ذلك بكثير.
لماذا كاليفورنيا؟
كان من الواضح أن تصوير كاليفورنيا وكأنها تعيش حالة من الفوضى وتسيطر عليها عصابات إجرامية من الغرباء ينافي الواقع، فالولاية يعيش فيها الأثرياء والنخبة الأمريكية، واقتصادها هو الأكبر في الولايات المتحدة، حيث يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي لعام 2024 نحو ، 4.103 تريليون دولار وهي رابع أكبر اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة (29.18 تريليون دولار) والصين (18.74 تريليون دولار) وألمانيا (4.65 تريليون دولار).
كاليفورنيا هي مركز التكنولوجيا ووادي السيليكون، وبها مقار فيسبوك وميتا وغوغل وأبل وغيرها، وبها هوليوود، ومن الأرقام ذات الدلالة التي توضح أهمية الولاية أنها موطن لـ 78 شركة في قائمة أكبر 100 شركة أمريكية و 337 شركة في قائمة أكبر 500 شركة.
ربما أراد ترامب توجيه ضربة للولاية القوية لتخويف باقي الولايات التي تشهد معارضة متصاعدة ضد قراراته، فحاكم كاليفورنيا من الذين رفضوا قرارات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية، وللتأكيد على قوة ترامب أمام مناصريه، ولإظهار سيطرته على الجيش واستخدامه في عسكرة الحياة المدنية.
مصادرة الديمقراطية الأمريكية
في البداية لم يصدق الأمريكيون التحذيرات التي أطلقها بعض السياسيين المعارضين من خطط ترامب التي تهدف إلى مصادرة الديمقراطية الأمريكية وصناعة حكم ديكتاتوري؛ ففي حملته الانتخابية كان ترامب يذهب إلى كنائس البيض الإنجيليين ويحثهم على التصويت لمرة واحدة فقط، ويقول لهم: “اذهبوا لآخر مرة وعلينا الباقي”، وفي اليوم الأول لاستلام الحكم في يناير أعلن حالة الطواريء الوطنية، وزعم أن أمريكا في حالة حرب، وتتعرض لغزو من عصابات المهاجرين، ومع الوقت بدأت ملامح هذه الخطط تتضح.
فالحملات لطرد المهاجرين غير الشرعيين اتسعت لتشمل حاملي الإقامات وإلغاء الجنسية بالمولد التي قررها الدستور الأمريكي، وفكك الوكالات الفيدرالية، وسرح الموظفين في المخابرات الأمريكية والوكالات الأمنيه، وعزل قادة الجيش المهنيين وعين آخرين من اليمين الأمريكي المتعصبين له ليضمن تبعيتهم، وتوسع في تجنيد شباب اليمين الأمريكي في هيئات الشرطة والسلطات التي تنفذ سياساته في مكافحة غزو المهاجرين المزعوم.
الاستعانة بقوانين التمرد والأعداء الأجانب
للانفراد بالسلطة المطلقة وللهروب من المساءلة أمام الكونغرس، ولتجنب الاتهام بعدم احترام الدستور استدعى ترامب “قانون الأعداء الاجانب لعام 1798” الذي تم إقراره منذ أكثر من قرنين، ليضفي الشرعية على حملات الهجوم على المهاجرين، وهو يعطي الحكومة صلاحيات موسعة لاعتقال وطرد مواطني الدول الأجنبية المعادية، في الأوقات التي يتم فيها إعلان الحرب أو أثناء الغزو، ولهذا يتكرر وصف المهاجرين بأنهم غزاة!
كما استدعى ترامب “قانون التمرد لعام 1807” وهو قانون فيدرالي يسمح للرئيس بنشر الجيش والحرس الوطني داخل الولايات المتحدة واستخدامه ضد الأمريكيين، لقمع الاضطرابات والتمرد، وليكون المبرر للسيطرة العسكرية على الولايات واعتقال حكامها المتمردين عليه.
الاحتفال بعيد ميلاد ترامب والتتويج كقائد عسكري
جاء نشر الحرس الوطني وقوات الجيش في لوس أنجلوس قبل أسبوع من الحفل الأسطوري الذي يعد له ترامب يوم 14 يونيو، احتفالا بعيد ميلاده وبالذكرى السنوية الـ 250 لتأسيس الجيش الأمريكي، وحسب برنامج العرض العسكري الضخم الذي سيقام في واشنطن؛ فإن آلاف الجنود وعشرات الدبابات والمركبات العسكرية سيتم نشرها في العاصمة الأمريكية، وستحلق الطائرات والمروحات العسكرية في السماء لمدة أسبوع لإظهار القوة الأمريكية.
انتقادات واسعة وجهت للعرض العسكري، واستنكر النشطاء والسياسيون الربط بين عيد ميلاد الرئيس والاحتفال بتأسيس الجيش، وهو مالم يفعله رئيس أمريكي قبله، وهناك من توقع أن الدبابات التي ستنتشر في شوارع العاصمة ستبقى، لكن تجميع هذه الأحداث مع القرارات العسكرية والأمنية الداخلية يؤكد الاستنتاجات بأن الأمريكيين يواجهون تنامي ديكتاتورية استبدادية تسعى لعسكرة النظام السياسي، واستنساخ نماذج الديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية وفي العالم الثالث.
يصف المعارضون لترامب ما يجري بأنه مقدمات لانقلاب عسكري برأس مدني، وأن اليمين الأمريكي يسيطرعلى السلطة بالقوة ويستحوذ على الوكالات الفيدرالية ويطرد آلاف الأمريكيين المشكوك في ولاءاتهم، ولذلك كانت الأسئلة الموجهة لترامب عن المدة التي سيبقى فيها الحرس الوطني والجيش في لوس أنجلوس، وهل يتهم حكام كاليفورنيا بالتمرد؟ وهل سيكرر ما أقدم عليه في ولايات أخرى؟
كانت إجابات ترامب توحي بأن كاليفورنيا مجرد بداية وأن كل الخيارات مفتوحة، وهو ما يعني بداية حرب أهلية لن تخرج منها الولايات المتحدة كما كانت.
العاصفة تنتظر ترامب في عيد ميلاده
الذي يقلق ترامب هو الحشد للتظاهر ضده في يوم ميلاده حيث تنظم جماعات ومنظمات سياسية احتجاجات في 1500 مدينة أمريكية، بالتزامن مع الاحتفال العسكري في واشنطن، وقرر المنظمون ترك العاصمة لترامب حتى لا يحدث أي صدام، وأعلنوا أن تظاهراتهم ستكون سلمية، وحذروا المشاركين من أي استفزاز أوالاستدراج للعنف.
من المتوقع أن تكون الاحتجاجات ضد ترامب هذه المرة أضخم من ذي قبل، خاصة بعد تراجع هيبة الرئيس الأمريكي وتصدع موقفه عقب الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد بعد قرارت التعريفات الجمركية، وبعد انقلاب رجال الأعمال الذين تعرضت شركاتهم في البورصة للخسارة، وأبرزهم إيلون ماسك الذي اختلف مع ترامب وطالبه بالاستقالة، واتهمه بالتورط في فضائح عميل الموساد “إبستين” الذي كان يدير جزيرة في الكاريبي للسيطرة على السياسيين الأمريكيين، بتوريطهم في ممارسات غير قانونية ولا أخلاقية وتصويرهم.
يشعر ترامب بالقلق من احتجاجات يوم ميلاده، وقد وصفها بأنها غير قانونية ينظمها المهاجرون الأعداء –حسب وصفه-، وهدد بمنعها، لكن الحقيقة أن موجة الغضب ضد ترامب تخطت المهاجرين الذين تقف المحاكم معهم وأصبحت قضاياهم تحظى بتضامن وتأييد واسع، وتراجعت شعبية ترامب، بعد الأضرار التي طالت أقرب المقربين إليه، وقد تتحول خطته لاستخدام الجيش في الصراع السياسي إلى الحبل الذي يلتف حول عنقه ، وتدخل أمريكا في دوامة النهاية.