الدور التركي في إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب بسوريا

لماذا يصر الرئيس الشرع على دمجهم في المجتمع السوري؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره السوري أحمد الشرع
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري أحمد الشرع (الفرنسية)

موافقة الإدارة الأمريكية على تنفيذ خطة الحكومة السورية الرامية إلى إدماج آلاف المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في إسقاط نظام بشار الأسد، ضمن مكونات الجيش السوري الجديد، الذي تتولى تركيا مهمة إعادة هيكلته، واختيار عناصره وتدريبهم، وفق مبادئ القانون الدولي؛ عُدّت انتصارا جديدا يضاف إلى نجاحات الدبلوماسية التركية المرتبطة بالملف السوري، خاصة أن إبعاد هؤلاء المقاتلين كان أحد أبرز الشروط الأمريكية لرفع العقوبات عن حكومة دمشق، وإعادة التواصل مع نظامها الجديد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

الموافقة الأمريكية على الخطة السورية ساهمت في رفع عبء ثقيل عن كاهل الرئيس أحمد الشرع، وأزاحت عن طريق إدارته عقبة كادت تعصف بخططه الرامية إلى إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي، وتقوّض دعائم نظامه، وتعرّضه لخطر عظيم.

وهو ما حاول الشرع تجنبه عبر الاستعانة بالدبلوماسية التركية، وتوظيف علاقات أنقرة بالإدارة الأمريكية لتمرير خطة توطينهم، والتصريح رسميا عن عزمه منحهم الجنسية السورية مكافأة لهم على “وقوفهم إلى جانب الثورة”، وعرفانا منه بجميلهم، وتقديرا لتضحياتهم التي قدموها على طريق تحرير سوريا من نظام دكتاتوري، تسبب في تدمير البلاد والعباد.

يرى الشرع أن إدماج هؤلاء المقاتلين في المجتمع السوري، الذين عاشوا فيه سنوات، بدل إبعادهم عنه، يُعدّ أمرا أكثر منطقية ما دام وجودهم لا يمثل تهديدا لأيّ دولة أجنبية، وما داموا ينصاعون لسياسات الدولة السورية، ويحترمون القانون، ويحرصون على عدم الارتباط بأي كيانات أو جماعات خارجية.

وهي خطوة تنطوي على أهمية هائلة، لها تأثيرها الإيجابي في حفظ النظام بالداخل السوري، وضمان أمن واستقرار المنطقة، عبر عملية استيعاب مجتمعية لهؤلاء المقاتلين، وتقبّل تنوعهم وانتمائهم العرقي، واختلافهم الثقافي مما يعد إضافة جديدة إلى مكونات الشعب السوري، الذي يضم منذ تاريخه القديم العديد من القوميات والإثنيات العرقية على أرضه، فهناك التركمان، والشركس، والأكراد، والأرمن والعرب وغيرهم.

من هم المقاتلون الأجانب

الذين سيتم منحهم الجنسية السورية؟

فلا مانع إذن من استقبال أصحاب جنسيات أخرى وإدماجهم ضمن تشكيلة المجتمع، مع ضرورة العمل على تأهيلهم لممارسة الحياة المدنية، التي تختلف بطبيعة الحال عن حياة التنظيمات القتالية والعسكرية، ويأتي في مقدمة هؤلاء الإيغور الذين توافدوا مع أسرهم إلى الأراضي السورية من الصين ووسط آسيا عبر الأراضي التركية تحت راية الجهاد، بدءًا من عام 2013.

وقدمت لهم أنقرة دعما ماديا ومعنويا ولوجستيا، مما شجع الكثيرين من أعضاء الحزب الإسلامي التركستاني على شد الرحال صوب الأراضي السورية، حيث تشكلت بينهم وبين هيئة تحرير الشام شراكة أثناء المعارك التي خاضوها معا.

وهي الشراكة العسكرية التي أسفرت عن تقاسمهم للمناطق والمكتسبات، والآن هم يقطنون مناطق الساحل، والريف الغربي لإدلب ضمن مناطق حدودية مع تركيا، ويعدون أكبر المجموعات المقاتلة عددا وعدة وتنظيما.

يليهم الشيشانيون الذين جاؤوا من الأراضي الروسية، وكانوا من أبرز المقاتلين وأكثرهم صلابة لما لهم من خبرة وباع طويل في فنون القتال، ووضع الخطط العسكرية، ويأتي بعدهم الأوزبك، والطاجيك، والألبان، والأتراك. أما الأوروبيون الذين جاؤوا من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وكذلك المنتمون للجنسيات العربية من الأردن، ومصر، والمغرب، وتونس، والخليج العربي؛ فهؤلاء عددهم قليل، ولا ينتمون إلى تنظيم أو فصيل محدد.

مخاوف مشروعة

فهؤلاء المقاتلون بمختلف جنسياتهم تبدو مسألة انضمامهم إلى مكونات المجتمع السوري منطقية، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار ما قدموه ن من خدمات جليلة ساهمت في إنهاء حقبة من أظلم الحقب التاريخية التي مرت بها الجمهورية السورية، حيث مثلوا رأس حربة في مواجهة النظام البائد من جهة، وفي محاربة تنظيم داعش من جهة أخرى.

أما الحديث عن خطورتهم على تماسك المجتمع السوري، ووصمهم بالإرهاب فهو أمر يخالف المنطق، فليس كل مقاتل أجنبي يمكن تصنيفه إرهابيا متطرفا أو تكفيريا، ومع ذلك فلا يمكن إنكار أن لدى بعضهم انتماءً أيديولوجيا متطرفا، يحركهم ويحدد لهم مسار علاقاتهم بالبيئة المحيطة بهم، وعلاقاتهم بمكوناتها، إلا أن الحكم عليهم يجب أن يتم بناء على سلوكياتهم وأسلوب تعاطيهم مع المجتمع عقب تأهيلهم.

وهو ما يتطلب إيجاد إطار قانوني وتشريعي يقنن مسألة وجودهم على الأراضي السورية بعد انتهاء المهمة التي أتوا من أجلها، خاصة أن الكثيرين منهم ارتبطوا فعلا بزوجات سوريات، وأنجبوا منهن أطفالا أصبحوا يمثلون الآن جزءا من المجتمع السوري لا يمكن تجاهله أو إنكاره.

الشرع وأسباب إصراره على دمج المقاتلين

الأجانب في المجتمع السوري

يدرك أحمد الشرع نفسه المخاوف التي تنتاب البعض من مسألة إدماج هؤلاء المقاتلين في المجتمع، أو منحهم مناصب داخل المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد، خاصة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي الذي أبدى على أكثر من صعيد قلقه من هذا التحرك، الذي يهدد أمن دوله، في ظل خلو الساحة أمام التنظيمات المتطرفة تزامنا مع تراجع الوجود الأمريكي في شرق سوريا.

كما اعترف بوجود عناصر متطرفة فكريا فعلا ضمن المجموعات التي تم إدماجها في الفرقة 84 من الجيش السوري، التي تضم 3500 مقاتل أجنبي، إلى جانب السوريين، موضحا أنه أقدم على اتخاذ هذه الخطوة لتلافي عدة أمور:

أولها: خشية انشقاق هؤلاء، وانضمامهم إلى أحد التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، أو العمل على محاولة إعادة إنتاج تنظيم داعش، وإحياء أفكار أكثر تطرفا تهدد أمن وسلامة الجميع داخليا وخارجيا.
وثانيها: أن أعدادهم في المجمل قليلة، ولا يمكن لهذه القلة أن تؤثر تأثيرا ملموسا في التركيبة الخاصة بالمؤسسات الأمنية والعسكرية أو تهدد مكانتها.

سوريا والاختبار الصعب فإما النجاة وإما التقسيم

ثالثها: توحيد القوى العسكرية الموجودة في الداخل السوري، ودمجها جميعا داخل إطار المؤسسة العسكرية السورية، بما يضمن الحفاظ على هيبة الدولة، وقدرتها على الإمساك بزمام الأمور.

رابعا: تحقيق المصالحة بين مكونات المجتمع السوري، ووضع التشريعات والخطط السياسية الكفيلة بضمان استمرار هذه المصالحة، وحفظ حقوق الأقليات، من خلال نظام سياسي قادر على جمع أبناء الأمة جميعا تحت مظلة من الوحدة الوطنية، دون تهميش لأحد، حتى يمكن الالتفات إلى تنفيذ خطط التنمية وإعادة البناء.

وتحقيقا لهذه الأهداف مجتمعة يراهن أحمد الشرع على الدور الذي يمكن أن تؤديه تركيا في هذا الملف سواء فيما يخص مسألة إعادة تأهيل هؤلاء المقاتلين، الذين ينتمي معظمهم إلى العرق التركي كالإيغور، والأوزبك، والطاجيك، والألبان، ولدى أنقرة معهم علاقات تاريخية، وتستطيع إقناع المجتمع الدولي بأن هذه الخطوة هي الأفضل لجميع الأطراف داخليا، وإقليميا، ودوليا.

التحرك صوب مسألة إدماج المقاتلين الأجانب يضع الدولة السورية في اختبار صعب للغاية، فإما أن ينجح الشرع في هذا الاختبار، وتحقق خطوته تلك هدفها، فينعم الشعب السوري بالأمن والأمان والاستقرار، وتستعيد الدولة هيبتها، وفرض سيطرتها؛ وإما أن يؤدي هذا السيناريو إلى الإسراع بتفجر الموقف، والعودة مجددا إلى حالة من الفوضى والارتباك بشكل يعرض وحدة الأراضي السورية لخطر التقسيم.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان