تهديد إيران أفضل من بدء الحرب عليها

(1) إخفاقات ترامب تربك العالم
لم يفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوعوده التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية بخصوص قدرته على وقف الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة وإحلال السلام في غزة، بل على العكس، ظهر للعالم أن أمريكا في ظل حكم ترامب أصبحت مرتبكة، تفتقر إلى الحكمة والحزم معاً، مما دفع حلفاءها الغربيين إلى البحث عن حلول مستقلة تحميهم من عواصف التغيير التي تهدد الهيمنة الغربية على النظام الدولي وتعرض القارة العجوز لمخاطر وجودية.
تتعثر مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصر على أن تكون هذه المفاوضات بمثابة استسلام أوكراني، يتضمن الاعتراف بالأراضي التي استولت عليها روسيا، بالإضافة إلى تعهد أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو وأن تصبح دولة محايدة منزوعة السلاح لا تشكل خطراً على بلاده حالياً أو مستقبلاً.
في هذا السياق، تستشعر أوروبا الخطر الروسي، بينما تعيش أمريكا تحت حكم ترامب بلا استراتيجية واضحة، تتخبط داخلياً وخارجياً، وتفقد يومياً نقاطاً من رصيدها أمام المجتمع الدولي. هيبة أمريكا في عهد ترامب أصبحت على المحك، والعالم يشاهد تراجع رئيس أقوى دولة في العالم عن قراراته الاقتصادية العدائية، بينما يظهر منافسوه، وعلى رأسهم الصين، قدرة على الرد بإجراءات مماثلة تؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي وحياة المواطن الأمريكي البسيط.
تهديدات ترامب تفقد قوتها وقيمتها يوماً بعد يوم، فهو أشبه بأسد عجوز تكالبت عليه الذئاب من كل جانب، ولم يعد أمامه سوى الفرار منهم والزئير بأعلى صوته في الفلاة ولا من مجيب.
(2) إيران الجريحة أكثر حرصاً على صورتها
تداعيات عملية “طوفان الأقصى” تبدو للمراقبين أنها صبت في مصلحة إسرائيل وصورتها كقوة ردع إقليمية لا تُهزم، في حين جُرّدت إيران من نفوذها عبر وكلائها في لبنان وسوريا والعراق وغزة، ولم يتبقَّ لها سوى اليمن، حيث تتمسك جماعة الحوثي بموقفها الداعم للمقاومة الفلسطينية في غزة وتصر على عدائها لإسرائيل ما دامت تحتل غزة وتقوم بإبادة سكانها.
من جانبها، تسعى إسرائيل إلى ترسيخ وجودها في المنطقة كقوة عسكرية لا تُهزم، تمتلك قدرة ردع ضد أي تهديد لحدودها الفضفاضة، وهي تسعى لاستغلال انتصاراتها الأخيرة ضد وكلاء إيران لضرب طهران ضربة قاصمة تعيق تقدم برنامجها النووي الذي يقلق كلًّا من تل أبيب وواشنطن.
رغم النقد والتهديد المعلن من ترامب تجاه إيران والذي أعرب عنه مراراً وتكراراً، إلا أنه يدرك أن حرباً ضدها لن تكون خاطفة وسهلة، بل ستكون محفوفة بالمخاطر ولها عواقب وخيمة. فحتى الضربات الجوية الأمريكية على مواقع الحوثيين في اليمن لم تضع حداً لتهديداتهم، ولم تتوقف هجماتهم على السفن إلا بعد مفاوضات واتفاق مع واشنطن، فما بالك بإيران، التي تمتلك قدرات عسكرية أعظم بكثير؟
الديون الأمريكية المتراكمة، التي تصل الآن إلى نحو 37 تريليون دولار، نتيجة قرارات رئاسية خاطئة، أبرزها الدخول في حروب خارجية كلفت الميزانية الأمريكية تريليونات الدولارات دون تحقيق انتصارات حاسمة. على سبيل المثال، غزو العراق كلف أمريكا ما يقرب من تريليون دولار. الاقتصاد الأمريكي المنهك بعبء الديون غير قادر على تحمل نفقات حرب جديدة قد تمتد لسنوات، كما حدث في العراق وأفغانستان وفيتنام.
فما بالك بإيران، والتي تُعد أقوى عسكرياً من الدول الثلاث السابق ذكرها، كما أنها تمتلك أدوات ضغط هائلة يمكنها استخدامها لزعزعة المصالح الأمريكية في المنطقة. فإذا قررت طهران إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره 20% من النفط العالمي، سترتفع أسعار النفط بشكل جنوني، مما يضر بالاقتصاد العالمي، بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة نفسها.
إيران تمتلك قدرات عسكرية غير تقليدية: ترسانة صاروخية باليستية متطورة، وطائرات مسيرة، وميليشيات مسلحة موالية لها منتشرة في دول الجوار، يمكنها نشر الفوضى وعدم الاستقرار في الدول الحليفة لأمريكا. كما أن القواعد الأمريكية في المنطقة ستكون تحت مرمى صواريخ إيران، مما قد يحول الشرق الأوسط إلى ساحة حرب شاملة.
إيران دولة ذات تاريخ عريق وشعب فخور بتاريخه وحاضره، وفي حال تعرضها لهجوم، سيتوحد هذا الشعب خلف قيادته ويخوض الحرب على قلب رجل واحد، مقاوماً الهجوم الأمريكي بشراسة دفاعاً عن وطنه. الجبهة الداخلية الإيرانية ليس بها ثغرات طائفية تسمح بانقسامات في الجيش كما كان الحال في العراق وسوريا، كما أن تضاريس إيران الجبلية تجعل غزوها برياً صعباً، كما هو الحال في أفغانستان واليمن.
أي ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية قد تدفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي، بل وربما تطوير وإنتاج سلاح نووي وتغيير عقيدتها النووية، مما سيغير موازين القوى في المنطقة، وتكون إسرائيل أول الخاسرين.
(3) التحالف الصيني – الروسي– الإيراني لا يمكن إغفاله
إيران لديها تحالفات استراتيجية ودفاعية مع روسيا والصين، وهاتان الدولتان تعملان بجد وحزم لإضعاف الهيمنة الأمريكية على العالم وإرساء نظام عالمي متعدد الأقطاب. نجحت موسكو وبكين في مواجهة العديد من أدوات النفوذ الأمريكي، وإيران تقف معهما في خندق واحد، وهي تعتبر أمريكا “الشيطان الأكبر” منذ الثورة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي.
تمتلك روسيا والصين حق الفيتو في مجلس الأمن، وبالتأكيد سيستخدمانه لعرقلة أي قرار يسمح بضربة عسكرية على إيران أو فرض عقوبات إضافية عليها.
الحرب على إيران من جانب أمريكا ستكون مُكلفة وغير مضمونة النتائج، وقد تُشعل الشرق الأوسط بأكمله ليصبح كرة نار تحرق كل مخططات التنمية والاستثمار في المنطقة وتكلف العالم كله خسائر اقتصادية ضخمة.
أمريكا المنقسمة داخلياً في عهد ترامب تدرك ذلك، وإدارته التي ينطبق عليها المثل القائل: “جعجعة بلا طحن” تفضل خيار العقوبات والمفاوضات، مع الاحتفاظ بالخيار العسكري كورقة ضغط وتهديد.
أمريكا تستطيع أن تبدأ حرباً مع إيران، لكنها لن تتمكن من إنهائها بانتصار، كما هو حال إسرائيل في غزة