هل يسقط النظام الإيراني.. وهل تتدخل أمريكا؟

أعلنتها “إسرائيل”، حربا شعواء على إيران بحسبان أن الأخيرة، ستتلقى الضربات، دون ردّ يُذكر.
اغتالت في هجوم مُباغت، على طهران (يوم الجمعة الماضي)، قادة إيرانيين من الصف الأول في الجيش والحرس الثوري. القيادة الإيرانية، تمتعت برباطة الجأش، واستعادت خلال ساعات قليلة زمام الأمور، فأصدر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الإمام علي خامنئي، قرارات فورية بتعيين بُدلاء للقادة المفقودين، وردّت بلاده على الهجوم الإسرائيلي، في اليوم نفسه (الجمعة)، بفتح أبواب الجحيم على الكيان الصهيوني قصفًا لعاصمته تل أبيب، ومنطقة حيفا، مركز الصناعات العسكرية والكيميائية، وحاضنة الميناء، وقواعد جوية، وبحرية، وغيرها. إيران، أطلقتها عملية انتقامية باسم “الوعد الصادق 3″، لتعيش إسرائيل أسوأ أيامها منذ إعلان قيامها (1948)، ويسقط قتلى ومئات الجرحى، مقابل العملية الإسرائيلية الجارية حاليا، المُسماة “الأسد الصاعد”، وتستهدف حسبما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تدمير المشروع النووي، وإسقاط النظام الإيراني الحاكم. وهناك هدف خفي، هو استدراج أمريكا للحرب على إيران، لتدميرها، وإخضاعها.
التحلل من الصبر الاستراتيجي
عملية الوعد الصادق 3 المُستمرة تُعد إعلانا إيرانيا بالتحلل أخيرا، من سياسة “الصبر الاستراتيجي”، التي بررت صمتها على العديد من الضربات الإسرائيلية، سواء في إيران أو خارجها تجنبًا لاحتمالات الصدام مع أمريكا.
وهو ما جلب الويلات على إيران، وأدى إلى تحييد حزب الله، وخروجه من المعادلة (ولو مؤقتا) نتاجا لتقييد الحزب إيرانيا، في حرب إسناد غزة، مما أغرى إسرائيل بتوجيه ضربات قاصمة له، بلغت مداها باغتيال الأمين العام حسن نصر الله (27 /9/ 2024)، وعدد كبير من القادة العسكريين للحزب. وقبلهم اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية (31 /7/ 2024)، في مقر إقامته ضيفا على إيران، واستهدفت عددا من ضباط الحرس الثوري، داخل القنصلية الإيرانية في دمشق (1 /4/ 2024). وعندما ردت إيران ثأرًا، لم تكن ضرباتها موازية للفعل الإسرائيلي، في قوته، ودرجة تأثيره. وهو ما حدا بالكثيرين (جمهورا، ومحللين)، إلى تشخيص الردود الإيرانية بأنها مسرحية. وهي الردود الموصوفة بالوعد الصادق 1 (13 /4/ 2024)، والوعد الصادق 2 (1 /10/ 2024).
200 طائرة مقاتلة ومنشأة نطنز النووية
العملية الإيرانية الجديدة (الوعد الصادق 3)، أطلقتها إيران، انتقاما من الهجوم الإسرائيلي المُباغت، الذي شنته إسرائيل يوم الجمعة الماضي، واستُخدمت فيه 200 طائرة مقاتلة. واستهدف الدفاعات الجوية الإيرانية في مناطق عديدة، ومنشأة نطنز النووية الشهيرة، وغيرها من المواقع النووية. استبقت، إسرائيل بهذا الهجوم، جولة خامسة من المفاوضات بين أمريكا وإيران كان مقررا أن تُعقد الأحد في العاصمة العُمانية مسقط، حول البرنامج النووي الإيراني.
لا جدال في أن أمريكا أعطت إسرائيل الضوء الأخضر للتنفيذ. نتنياهو أرادها فرصة لتحقيق حلمه بتدمير البرنامج النووي الإيراني، ومراكز تصنيع الصواريخ الباليستية إن أمكن، في حرب خاطفة لساعات أو أيام قليلة. لا سيما أنه بفعل الاختراق الأمني الإسرائيلي للداخل الإيراني، وربما لبعض مراكز صنع القرار واتته الفرصة لاغتيال وتصفية القادة العسكريين، والعلماء النوويين التسعة، الذين استشهدوا الجمعة والسبت، استنساخا لما جرى مع حزب الله. المشكلة أن إشعال الحروب سهل، أما إنهاؤها فليس بيد مُشعلها دائما (لاحظ الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/شباط 2022).
الشيطان الأصغر والمعرفة النووية
الحرب الحالية، التي بدأتها إسرائيل على إيران تعكس صراعا مستمرا بين البلدين، منذ عام 1979. فمع قيام الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني (1902- 1989م) تدهورت بينهما العلاقات، بعدما كانت ودية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي أسقطته الثورة، بعد حكم دام 38 عاما. وهذا التدهور تزامن مع الانهيار الذي طال العلاقات الإيرانية الأمريكية في ذات الوقت.
فقد اعتبرت الثورة الإيرانية أن أمريكا هي الشيطان الأكبر، وأن إسرائيل هي الشيطان الأصغر، والعدو للأمة الإسلامية. ازداد الصراع تعقيدا بين إسرائيل وإيران على خلفية تبني الأخيرة لتنظيمات مقاومة شكلت حزاما حول إسرائيل (حزب الله اللبناني، والعراقي، وأنصار الله في اليمن)، فضلا عن دعم نظام بشار الأسد، المُعادي لإسرائيل.
ليس من المتوقع نجاح الكيان الصهيوني في تدمير البرنامج النووي الإيراني. خبراء كثر غربيون، يقطعون بهذا. فإيران استفادت من درس تدمير إسرائيل للمفاعل النووي العراقي، بغارة جوية واحدة، فيما سُمي بعملية بابل (7 /6/ 1981). فالمنشآت النووية، موزعة على مناطق متفرقة، ومتباعدة، وتحت الأرض. كما أن إيران لديها “المعرفة النووية”، متمثلة في الآلاف وليس المئات من العلماء المتخصصين في هذا المجال، بفروعه.
التدخل الأمريكي؟
هل تتدخل أمريكا في الحرب إلى جانب إسرائيل؟ لا يمكن القطع بإجابة. لكن ترامب لا يميل إلى خوض الحروب، فهو مشغول بتحصيل الإنجازات، والمكاسب دون أثمان في ميادين القتال. ثم إنه لم يطق صبرا على حرب أنصار الله في اليمن، وهي مجرد جماعة صغيرة، مدعومة إيرانيا. الأغلب، أنه سيدفع بوساطات لوقف الحرب، والعودة إلى التفاوض مع إيران.
لا يمكن تجاهل التهديد الإيراني، بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة، فهو تحذير جدي. ومن شأنه عند التصعيد، إشعال المنطقة كلها، وهي مستودع “البترول الخام” الذي يمد الغرب والصين بالطاقة، بما يرفع أسعاره إلى حدود لا تطاق.
الشعب الإيراني وخطاب نتنياهو
نأتي إلى إسقاط النظام، فالشعب الإيراني، لابد أنه سخر من دعوة نتنياهو له إلى الثورة، فهو شعب مسلم يمقت إسرائيل، وما تفعله في غزة من إبادة، وفي الأراضي المحتلة، وانتهاكها للمسجد الأقصى. وإذا كانت هناك معاناة شعبية نتيجة الحصار الاقتصادي، أو معارضة من بعض الفئات، فهذا طبيعي في كل الدنيا. الحروب، بالعموم توحد الشعوب، ضد الأعداء، وهو الحال ذاته، مع الحرب الحالية على إيران، فمن شأنها استنفار الشعور القومي للشعب الإيراني.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل يستثنى السكن الرئيس من الإرث لبنات المتوفى وزوجته؟!
ميكافيلي.. هل ما يزال يحكم العالم؟
استقبال الجماهير لخبر وفاة المدخلي
لا ننسى أنه بلد له تاريخ إمبراطوري قديم، وحضارة ضاربة بجذورها في التاريخ. علينا الانتباه، إلى الأداء العالي والمتميز للقيادات الجديدة التي تولت الحرس الثوري، ورئاسة أركان الجيش، إذ إنهم بعد ساعات قليلة من تكليفهم بالقيادة، ضربوا إسرائيل فأوجعوها في الداخل على نحو غير مسبوق.