قراءة قانونية في الانتهاكات الإسرائيلية واختطاف السفينة مادلين

السفينة مادلين لحظة وصولها لميناء أشدود الإسرائيلي
السفينة مادلين لحظة وصولها إلى ميناء أسدود الإسرائيلي (رويترز)

في التاسع من يونيو/حزيران عام 2025، اعترضت قوات الاحتلال الإسرائيلي السفينة مادلين في عرض البحر الأبيض المتوسط، وهي في المياه الدولية على بُعد 100 ميل بحري من سواحل قطاع غزة. بعد اعتراض السفينة، تم اقتيادها إلى ميناء أسدود في إسرائيل واحتجاز من كانوا على متنها من النشطاء والصحفيين. وقد تم ترحيل بعضهم بعد بضعة أيام، بينما رفض آخرون الترحيل وقرروا الطعن في الإجراءات.

تساؤلات مشروعة

أعاد احتجاز إسرائيل للسفينة مادلين إلى الواجهة تساؤلات قانونية وسياسية وإنسانية عن مشروعية الحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، ومدى مخالفة هذه الممارسات لقواعد القانون الدولي.

في هذا المقال، سنحاول أن نقدم قراءة قانونية لواقعة اعتراض السفينة مادلين، وسنتناول الموضوع عبر عدة نقاط تتضمن: جذور الحصار البحري الإسرائيلي لغزة، وما يقوله قانون البحار، واتفاقيات جنيف، والقانون الدولي الإنساني. وسنضع الحصار البحري على غزة تحت المجهر، كما سنجيب عن السؤال التالي: هل محاولات كسر الحصار مجدية، أم أنها رمزية فقط؟

 

جذور الحصار الإسرائيلي لغزة

في يونيو/حزيران عام 2007، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا شاملًا بريًّا وبحريًّا وجويًّا على قطاع غزة، وذلك بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في يناير/كانون الثاني عام 2006.

وقد فرضت إسرائيل عقوبات إضافية مسّت على نحو مباشر كافة الحقوق الأساسية للسكان في غزة، ضاربة عرض الحائط بكافة القوانين والمواثيق الدولية.

وقد أدى هذا الحصار إلى تدهور خطير في الأوضاع الإنسانية لسكان القطاع، يُعتبر شكلًا من أشكال “العقاب الجماعي”، وهو ما يُعد محظورًا وفقًا للقانون الدولي الإنساني.

وبالنسبة للحصار البحري، فقد منع الاحتلال الإسرائيلي دخول أيّ سفينة إلى قطاع غزة أو خروجها منه، وشمل ذلك كل السفن التي تحمل مساعدات إنسانية أو نشطاء سلام.

ومنذ عام 2008، كانت هناك محاولات عدة من نشطاء ومنظمات دولية ومحلية لكسر الحصار، بلغت أكثر من 20 محاولة، انتهت غالبيتها باعتداءات إسرائيلية.

ومن أبرز هذه المحاولات كانت قافلة “أسطول الحرية” عام 2010، الذي ضم عددًا من السفن، من بينها السفينة التركية مافي مرمرة، حيث قتلت القوات الإسرائيلية 10 مواطنين أتراك، وأصابت 56 آخرين.

ماذا يقول قانون البحار؟

وفقًا لاتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، تُحدد المادة (3) من القانون المياه الإقليمية لكل دولة بمسافة لا تتجاوز 12 ميلًا بحريًّا.

وتنص المادة (87) من القانون ذاته على حرية الملاحة في المياه الدولية، وتُمنع أي دولة من اعتراض السفن في هذه المياه إلا في حالات استثنائية جدًّا، مثل: القرصنة، والاتجار بالبشر، أو الاتجار بالمخدرات، أو بموجب تفويض دولي.

في حالة السفينة مادلين، وهي سفينة مدنية سلمية، كانت على بُعد 100 ميل بحري من سواحل غزة ومتجهة نحو منطقة محاصرة. ولم تقدم إسرائيل أي دليل يعطيها الحق في اعتراض السفينة في المياه الدولية؛ مما يجعل الهجوم على السفينة والسيطرة عليها انتهاكًا صارخًا لحرية الملاحة والقانون الدولي.

انتهاك اتفاقيات جنيف

بالرجوع إلى اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول الملحق بها لعام 1977، فإن ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي يُعد انتهاكًا واضحًا للنصوص الصريحة التي تُعنى بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.

ووفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، فإن ما قامت به إسرائيل انتهك صراحة نصوص المواد 23، و59، و61 من الاتفاقية، وهي المواد المتعلقة بجميع الشحنات الطبية والغذائية، وإمدادات المؤن الضرورية، وعمليات الإغاثة.

إضافة إلى ذلك، انتهكت إسرائيل المادتين 70، و71 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، وهما تتعلقان بالسماح بالإغاثة الإنسانية وحماية العاملين في مجال الإغاثة.

انتهاك مبادئ القانون الدولي الإنساني

وفقًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني ذات الصلة، فقد انتهكت إسرائيل مبدأين:

أولًا: مبدأ التمييز، وهو يتعلق بالتمييز بين العسكريين والمدنيين من جهة، والتمييز بين الأعيان المدنية والأعيان العسكرية من جهة ثانية.

ثانيًا: مبدأ الضرورة والتناسب، الذي يقضي بأن تتحدد شرعية عملٍ ما حسب احترام التوازن بين الهدف، والوسيلة، والطريقة المستخدمة لبلوغه، وكذلك عواقب هذا العمل. وبناءً عليه، لا يجوز اتخاذ إجراءات، كاعتراض سفينة إغاثة إنسانية، إذا كانت تُلحق أذًى غير متناسب بالمدنيين مقارنةً بالميزة العسكرية المتوقعة.

ووفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتحديدًا المادة (8)، الفقرة (2) (ب) (25)، فإن تعمُّد إسرائيل منع وصول الإمدادات الإنسانية يُعد جريمة حرب.

الحصار البحري لغزة تحت المجهر

وفقًا للقانون الدولي، فإن الحصار البحري يجب أن يكون معلنًا، ومتناسبًا مع الأهداف العسكرية، وغير مفرط ولا يؤدي إلى تجويع المدنيين.

وفي حالة قطاع غزة، فإن الأمم المتحدة لا تعترف بالحصار لآثاره المدمرة على حياة المدنيين؛ وترى معظم الهيئات الحقوقية أنه غير متناسب وغير مشروع، مما يعني أنه حصار غير قانوني في الأصل.

وفي هذا السياق، فإن اعتراض السفينة مادلين وغيرها من السفن المدنية السلمية يُعد استخدامًا غير مشروع للقوة بموجب المادة (2) الفقرة (4) من ميثاق الأمم المتحدة.

الخلاصة هي أن اعتراض الاحتلال الإسرائيلي السفينة مادلين المحملة بمساعدات إنسانية رمزية والمتجهة إلى منطقة مدنية محاصرة، يُمثل خرقًا للقوانين الدولية، ويُصنف جريمة حرب.

هل محاولات كسر الحصار مجدية أم رمزية؟

على مدار السنوات السابقة، لم تنجح محاولات القوافل والسفن الصغيرة في إحداث اختراق للحصار، وتعاملت معها إسرائيل بقسوة مفرطة، إلا أنها حملت قيمة استراتيجية وقانونية ورمزية كبيرة على النحو التالي:

أولًا: محاولات كسر الحصار على غزة ليست مجدية بالمعنى العسكري أو اللوجيستي، ولكن بقدرتها على فضح الحصار، وكسر الصمت، وإيجاد ضغط دائم يُقوض الشرعية الأخلاقية لإسرائيل أمام العالم. وهذا رغم كونه عملًا مقاومًا ناعمًا، فإنه شديد التأثير.

ثانيًا: من الناحية القانونية، تُعد هذه المحاولات تذكيرًا دائمًا بعدم شرعية حصار غزة، ومخالفته للقانون الدولي الإنساني، كما أن اعتراض إسرائيل للسفن السلمية في المياه الدولية يضعها في مواجهة مستمرة مع مبادئ حرية الملاحة، ويُسهم في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة أمام المحافل والمحاكم الدولية.

ثالثًا: على الصعيد السياسي والإعلامي، تُسلط هذه المحاولات الضوء على معاناة سكان غزة المحاصرين، وعلى فشل المجتمع الدولي في فرض آليات حماية فاعلة.

وبالعودة إلى حادثة السفينة مافي مرمرة عام 2010، فقد أحدثت تغييرًا في المعادلات الإقليمية، ودفعت الحصار إلى دائرة الجدل الدولي الحاد، ووترت علاقات دول مع إسرائيل.

استمرار محاولات كسر الحصار على غزة يُوجه رسالة إلى الفلسطينيين بأنهم ليسوا وحدهم، وهذا في حد ذاته عمل يحمل أبعادًا نفسية ومعنوية لا تقل أهمية عن الأبعاد القانونية.

 نحو مساءلة قانونية دولية

الاعتداء على السفينة مادلين هو استمرار للنهج الإسرائيلي في انتهاك قواعد القانون الدولي، وعدم مواجهة هذه الانتهاكات المتكررة بتحركات قانونية ودبلوماسية حازمة، يُقوض الأسس القانونية للنظام الدولي، ويُكرس ممارسات الإفلات من العقاب.

فهل حان الوقت لاحترام القانون وتفعيل الآليات الدولية حتى لا تبقى قواعد القانون الدولي حبرًا على ورق؟ هذه دعوة إلى تحقيق دولي وتفعيل المساءلة القانونية.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان