أروع من انتصار الأيام الستة.. نتنياهو يتقدّم!

لطالما كان لدينا سياسيون ومفكرون عرب حالمون يعتقدون أن الكيان الصهيوني يضم دعاة للسلام يمثلون تيارًا يمكن الاصطفاف معه والتعويل عليه في بناء تحالف من أجل إنهاء حالة الصراع بين العرب وإسرائيل، وإحلال السلام والعيش المشترك. وتُثبت حوادث الأيام أنه لا يمكن مناهضة أو تقويض الاتجاه اليميني القوي داخل المجتمع الإسرائيلي، إذ يبدو جليًّا أنه تيار صاعد في خطه العام، حتى لو تذبذب أحيانًا.
للصقور فقط
تكشف ممارسات وانتهاكات إسرائيل، التي لا تُلقي بالًا للقانون الدولي أو الاتفاقات والمواثيق الحقوقية التي تنظم وضع المدنيين تحت الاحتلال، أنها دولة للصقور فقط، وأنها غير مؤهلة بحكم طبيعتها الاستعمارية لتضم من يُوصفون بالحمائم. وإن وُجدوا، فهم قلة خفيضة الصوت، محدودة الأثر، لا يمكنها أن توجِد تيارًا عامًّا.
وبعد أن استقرت إسرائيل كدولة في الشرق الأوسط اعترف بها المجتمع الدولي، وبعد أن ظهر تمايز بين أحزابها على خلفيات أيديولوجية تتنوع من اليمين إلى اليسار، اختار الإسرائيليون الجنوح إلى اليمين بعد تجربة طويلة مع حكومات اليسار.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشهاب.. سائق “التوك توك” مذنب أم ضحية السرد الناقص للكاميرا؟
ماذا يريد بيتر ميمي المخرج المدلل أن يقول؟!
عكس التوقعات.. الذكاء الاصطناعي يبطئ سرعة المبرمجين لهذا السبب
ومنذ تأسيس الكيان الصهيوني، الذي أُنشئ بدعم غربي غير محدود على أرض فلسطين التاريخية في 15 مايو/أيار عام 1948، سيطرت الحكومات اليسارية على مقاليد الحكم بشكل كبير. لكن دخول قوة انتخابية ممن وُلدوا بعد نكبة الشعب الفلسطيني في الكيان الجديد جعل المجتمع الإسرائيلي يتجه يمينًا. وفي انتخابات عام 1977 غادر إسحق رابين زعيم حزب العمل رئاسة الوزراء، بعد صعود مناحم بيغن الذي قاد حزب الليكود اليميني لأول فوز يتيح له تشكيل الحكومة الإسرائيلية. ولم يظهر اليسار منذ ذلك الحين وحتى وقتنا هذا إلا في فترات قصيرة، حيث هيمن اليمين على الحياة السياسية لعقود، بل ازداد الاتجاه إلى اليمين مع دخول الأحزاب الدينية والمتطرفة للحكومة.
التصعيد هو الحل
بمجرد بدء الحرب التي شنّتها الدولة العبرية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أظهرت استطلاعات الرأي حدوث التفاف شعبي واسع لدى قطاعات كبيرة من النخب والمجتمع الإسرائيلي حول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي هوجم سابقًا بضراوة من المعارضة التي طالبته مرارًا بالاستقالة، بعد أن حمّلته مسؤولية الفشل الأمني والاستخباري في توقّع أو منع هجوم المقاومة الفلسطينية على السياج الحدودي بين قطاع غزة والكيان الصهيوني في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويضرب نتنياهو نموذجًا براغماتيًّا لكيفية البقاء في الحكم أو تحت الأضواء، مهما كانت سهام المعارضة مصوّبة نحوه، ومهما ضاق الخناق حوله. إذ إنه، بعد أحداث السابع من أكتوبر، بدا على وشك السقوط والمغادرة تحت ضغط أسر الأسرى الإسرائيليين في غزة، واتهامات بالفساد، والاتجاه نحو الدكتاتورية وتركيز السلطة. لكنه استطاع، وقد اقتربت الحرب التي شنّها على غزة من عامين، أن يجد لنفسه موطئ قدم كلما بدا أنه فقد الاتزان أو خسر التأييد.
استطاع نتنياهو، الحاصل على شهادة في الهندسة والذي يملك قدرات عالية في التواصل عبر الإعلام، أن يفهم نفسية الشعب الإسرائيلي، وأن يلعب على أوتار الأمن والخطر، فكان أن اختار التصعيد كلما كانت التهدئة ممكنة، واختار الحرب كلما كان السلام محتملًا.
كان امتداد الحرب إلى لبنان، وقصف اليمن وسوريا، واغتيالات قادة المقاومة الفلسطينية، ثم الحرب على إيران، درجات على سُلّم تصعيد الإحساس بالخوف لدى الإسرائيليين، وتصوير نتنياهو على أنه الحارس الأمين للدولة التي تضم اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم.
تأييد باكتساح
نتيجة لوضع يده على الزناد دائمًا، أظهر استطلاع رأي أجرته القناة الرابعة عشرة في التلفزيون الإسرائيلي أن ائتلاف اليمين الحاكم يتعزّز بشكل ملحوظ، بينما تتراجع قوة المعارضة. ولا يزال حزب الليكود هو الحزب الأكبر، إذ أظهر الاستطلاع أنه تقدّم بمقعدين ليحصد 35 مقعدًا مقارنة باستطلاع الرأي السابق الذي أُجري قبل ساعات من الهجوم على إيران.
واحتفظ حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني بمكانته في المرتبة الثانية، ليكون مع آخرين ضمن كتلة اليمين التي ستحصد 65 مقعدًا لو أُجريت الانتخابات الآن.
ورغم عشرات المظاهرات التي طالبت باستقالة نتنياهو على خلفية الحرب في غزة وأزمات سياسية داخلية، فإنه احتلّ المركز الأول بأغلبية ساحقة عندما وجّه الاستطلاع سؤالًا عن: “أي من السياسيين أنسب لرئاسة الحكومة؟”، حيث اختاره 54٪ من المشاركين، يليه بفارق كبير رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت بنسبة 24٪، وجاء رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان في المركز الثالث بنسبة 9٪، ثم يائير لابيد بنسبة 8٪، وفي المركز الأخير جاء رئيس معسكر الدولة بيني غانتس بنسبة 5٪.
الطريق عبر إيران
يدرك نتنياهو أن حالة الحرب ليست مناسبة لسحب الثقة منه، أو دعوته إلى الاستقالة، أو حتى لمحاسبته بتهم الفساد. ولذا كان تصعيده محسوبًا ومدروسًا وصولًا إلى الحرب على إيران، التي تُعتبر طوق نجاة له حتى الآن وفق المعطيات المتاحة في قياسات الرأي العام. فقد أظهر استطلاع “Agam Laps” أن 83٪ من اليهود يؤيدون الهجوم على إيران، مقابل 12٪ فقط بين عرب الداخل. كما اقترب استطلاع أجرته الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب من النتائج ذاتها، وهو ما يلفت إلى وجود انقسام بين مواطني إسرائيل من اليهود والعرب حول ضرب إيران، وهو أمر طبيعي. كما كشف استطلاع القناة الرابعة عشرة أن 80٪ من الإسرائيليين يقيّمون إدارة نتنياهو للصراع بأنها جيدة أو ممتازة.
واعتبرت المحللة إفرات برينر أن نتائج الاستطلاع تشير بوضوح إلى أن تحالف الأحزاب اليمينية يزداد قوة بفعل الضربات الناجحة لإيران، في حين تتجه الأحزاب اليسارية نحو مزيد من الضعف وفقد المقاعد إذا أُجريت الانتخابات الآن.
وفي استطلاع جديد أجرته القناة 14 أمس الثلاثاء، أعرب 74٪ من المشاركين عن موافقتهم على اغتيال المرشد الأعلى للثورة في إيران علي خامنئي، بينما قال 16٪ فقط إنه لا ينبغي فعل ذلك، وأقر 10٪ بأن موقفهم غير محدد. وتكشف نتيجة هذا السؤال عن العقلية الدموية التي تتحكم في مزاج الإسرائيليين.
النكسة الجديدة
يعتبر البروفيسور موشيه كوهين إيليا، في مقال نشره موقع القناة الإسرائيلية الرابعة عشرة قبل أيام، أن إسرائيل قد غيّرت موازين القوى الإقليمية والعالمية، وأن الضربات الجوية والصاروخية لإيران تُعدّ حدثًا تاريخيًّا، حيث نجحت دولة صغيرة الحجم في توجيه ضربة قاصمة لقوة إقليمية يزيد عدد سكانها بتسعة أضعاف على سكان إسرائيل، وأن هذا الإنجاز يفوق روعة حرب الأيام الستة (1967).
تشعر إسرائيل بشكل عام بالزهو تحت تأثير الضربات الموجعة التي وجّهتها لإيران، لكن المؤكد أن حصر تأثيرات ما حدث على خريطة الشرق الأوسط هو أمر سابق لأوانه. لكن كل ذي لبٍّ سيدرك دون عناء أن نكسة جديدة تُلقي بظلالها على المنطقة، وأن آثارها لن تقل، إن لم تزد، عن نتائج هزيمة الجيشين المصري والسوري عام 1967، التي ما زلنا نُعايش مردودها حتى الآن.