الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصل إلى قاعدة أندروز المشتركة (رويترز)

الضربة الترامبية الخالصة التي اختص الرئيس الأمريكي نفسه بها، متخطيا الكونغرس، ومتخطيا الدستور الأمريكي نفسه، باستخدام القوة العسكرية في مهاجمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية دون موافقة الكونغرس.

ذهب ترامب إلى استهداف ثلاث منشآت نووية إيرانية، معرّضا القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم لخطورة رد الفعل الإيراني، إذ قامت القاذفات الأمريكية بضرب المنشآت النووية في فوردو وقم وأصفهان، فجر الأحد.

ترامب يجعل العالم عرضة لنشوب حرب عالمية كبرى، وفي أقل تقدير حرب تشارك فيها أطراف إقليمية وتهدد دول المنطقة إشعاعيا، وخاصة حلفاء أمريكا من العرب، وخاصة إذا تهور رد الفعل الإيراني بضرب مفاعل ديمونا الصهيوني في النقب. هذه الضربة التي أعلنها ترامب على حسابه الخاص، ثم استعرض بحديثه الإعلامي في البيت الأبيض، قد تجر العالم إلى كارثة كبرى.

ملاحظات مبدئية

الملاحظة الأولى، بعيدا عن تأثير الضربات التي لم تظهر كليا بعد، هي حالة الاستعراض الكبرى التي بدت في كلمات ترامب عبر تدوينته على حسابه، التي أكد فيها تدمير مقدَّرات المشروع النووي الإيراني، وأن إيران أصبحت غير قادرة على إنتاج سلاحها النووي. وأشار ترامب إلى أن عليها (إيران) أن توقف الحرب الدائرة على الكيان الصهيوني، وأن تدخل في مفاوضات سلام (استسلام) مع إسرائيل، والعودة إلى التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن مشروعاتها المستقبلية في مجال تخصيب اليورانيوم ومفاعلاتها النووية، هكذا فُهمت!

توالت التصريحات من ترامب، ثم من نتنياهو رئيس وزراء عصابة الكيان الصهيوني، الذي أكد عظمة الضربة الأمريكية التي أنهت المشروع النووي الإيراني. وذهب نتنياهو ووزراء حكومته إلى أنها إعلان انتصار على إيران، وتحطيم آمالها في المستقبل. وخرجت بعض مظاهر الاحتفال الصهيوني بالضربة الترامبية على إيران، وبدأ فرض شروط الخضوع على الجمهورية الإسلامية. وبحسب خيال نتنياهو، فقد انتهت عناصر محور الشر (المقاومة)، وأصبح للكيان الصهيوني اليد الكبرى في المنطقة ليعيد تشكيل الشرق الأوسط، كما ادّعى في بداية حربه على غزة. ودعا بن غفير الرب ليبارك في ترامب وقراره.

في زحام التصريحات الكثيرة التي أدلى بها الكاوبوي الأمريكي ترامب، والتي أغرقت كالعادة وسائل الإعلام في أعقاب الضربة على منشآت إيران النووية، جاء تصريح على لسان الخارجية الأمريكية أن الدبلوماسية الأمريكية أخبرت إيران بتلك الضربة! أي أن الولايات المتحدة حذرت إيران قبل إطلاق القاذفات التي حملت 30 طنا من المتفجرات، وقعت على المنشآت الثلاث. ثم كان التصريح الثاني على لسان ترامب أن الدور الأمريكي في هذه الحرب انتهى بعد هذه الضربة، التي يقول إنها دمرت تماما المنشآت الثلاث. التصريحان السابقان ربما يشيران إلى ما نذهب إليه من استعراضية الضربة الأمريكية.

كأن ما حدث متفَق عليه، أو كأن الولايات المتحدة، أو تحديدا الرئيس الأمريكي، كان مضطرا إلى هذه المشاركة، فأبلغ الجمهورية الإسلامية الإيرانية بها، ومن ثَم أخذت إيران احتياطاتها بنقل المواد النووية منها، حسب تصريحات خرجت من رئيس هيئة التلفزيون الإيراني. ثم كان التصريح الثاني عن توقف الدور الأمريكي في الحرب، بما يقول لإيران: لا داعي للرد على تلك الهجمات.

خداع مستمر

تعرضت الجمهورية الإيرانية لعملية خداع جديدة من البيت الأبيض والرئيس الأمريكي، بعدما حدث قبل العدوان الصهيوني فجر يوم الثالث عشر من يونيو/حزيران الجاري، بعد دعوة ترامب لإيران إلى جلسة مفاوضات قبل العدوان الإسرائيلي بيوم واحد، بينما يعرف ترامب أن الكيان يجهز للعدوان. واليوم يخدع ترامب الجميع، بما فيه الكونغرس الأمريكي، وبالطبع إيران، عندما صدر تصريح من المتحدث الرسمي للبيت الأبيض يقول إن ترامب سيقوم بتقييم الموقف من إيران أو إمكانية المشاركة بضربها خلال أسبوعين، ولم يمضِ يومان حتى كانت الضربة الأمريكية لمنشآت إيران النووية.

لم تتوقف عملية الخداع على الولايات المتحدة، بل امتدت إلى أوروبا، التي دعت فيها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وزير الخارجية الإيراني إلى مفاوضات في جنيف بشأن المشروع النووي الإيراني، هذا في الوقت الذي تتجهز فيه الولايات المتحدة الأمريكية للهجوم على إيران. فهل هذا مستبعَد؟ أرجوك، تذكَّر الدور الأوروبي في ضرب العراق، وخداع أوروبا والسفيرة الأمريكية غلاسبي لصدام حسين قبل غزوه الكويت. الآن تكرر أوروبا وأمريكا الخداع نفسه مع إيران.

غادر الوزير الإيراني جنيف إلى تركيا لاجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، وبينما الاجتماعات قائمة، تجيء الضربة الأمريكية، بما يعني أن الولايات المتحدة لا تعطي أهمية للدول الـ57 المجتمعة في إسطنبول، وأن كل الاتصالات التي جرت بين الولايات المتحدة وبعض الرؤساء العرب أو المسلمين لا تعدو كونها أكثر من غطاء أمريكي لضرب إيران ومنشآتها النووية.

تهوين من الضربة

المؤكد أن إيران كانت على علم بالضربة الأمريكية، ليس بعد إبلاغها حسب تصريح من البيت الأبيض، ولكن خلال الأسبوع الماضي، كانت كل التقارير تذهب إلى أن الضربة قادمة، ومن ثَم فمن الغباء ألا تكون إيران قد استعدت لذلك دفاعيا، أو حسب ما جاء على لسان الكثير من قادتها بعد الضربة، أنه جرى نقل المواد النووية المهمة والعلماء الإيرانيين إلى مكان آمن. وإن لم يكن قد حدث، فتلك خيانة للأمة الإيرانية تضاف إلى سلسلة الخيانات التي تتعرض لها من طابور الجواسيس الطويل فيها.

لكن هذا الاستعداد لا يعني التقليل من شأن الضربة الأمريكية الذي ظهر من خلال تصريحات القادة الإيرانيين. وصل الأمر ببعضهم إلى التصريح بأن المنشآت الثلاث تعرضت لهجوم مُعادٍ جزئي، وأنه لم يُسمع أصوات انفجارات في المناطق التي قُصفت بثلاثين طنا من المتفجرات، وأن أضرارا سطحية أصابت تلك المنشآت.

أدرك أهمية المحافظة على الحالة المعنوية والنفسية للشعب الإيراني، وكل المساندين والمتعاطفين مع إيران في كل بلاد العرب والمسلمين، خاصة أولئك الذين ينهارون بسهولة ــمُعلَّقين بالقشةــ لكن التقليل الهائل ربما يكون أكثر ضررا من تقديم الحقيقة. ولغياب الصورة من الطرفين، نبقى نحن أسرى لاستعراض القوة الترامبي، أو تهوين الضربات الإيراني.

قد يكون ما حدث خروجا للولايات المتحدة من الصورة، وإبقاء الوضع كما هو عليه، لنرى من يبقى؛ إيران ومحور المقاومة أم الكيان الصهيوني. يقيني أنه حتى لو تعرضت إيران لخسائر كبرى، فإن الكيان الصهيوني كتب نهايته في غزة عالميا، بما خسر من الرأي العام العالمي، ووجوديا قريبا جدا، بما يحدث داخله من هزات عميقة، يصعب على حالة نتنياهو ووزرائه الهيستيرية بإعلان الفرحة الكبرى بالضربة الترامبية علاجها.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان