هل دفن ترامب المشروع النووي الإيراني تحت الأنقاض؟

فعلتها الولايات المتحدة الأمريكية، شراكةً لإسرائيل، بهجوم خاطف على إيران. ففي ساعة مبكرة من صباح الأحد، ضربت بقاذفات عملاقة المنشآت النووية الإيرانية المهمة في ثلاث مدن إيرانية: فوردو، ونطنز في مدينة أصفهان، ومركز للتكنولوجيا النووية.
ألقت عليها قنابل خارقة للتحصينات، وقصفتها بصواريخ توماهوك، وعادت القاذفات سالمة إلى قواعدها، حسبما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أنذر إيران بأن عليها أن توقف الحرب، وإلا فالمزيد من الضربات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبين القومي والسيبراني.. لماذا احترقت “أعصاب رمسيس”؟
في انتظار جولاني اليمن!
“مها الصغير”.. إذا كان لا بد من السرقة فلتكن لوحة!
على رأس المواقع النووية التي تم قصفها منشأة فوردو الشديدة التحصين، القابعة تحت الأرض بما لا يقل عن تسعين مترًا، أسفل جبل صخري بالقرب من مدينة قم الإيرانية المقدسة.
إيران، عبر منصاتها الإعلامية الرسمية، نفت عقب القصف الأمريكي تدمير المواقع النووية المستهدفة، مؤكدة قيامها بإخلائها من محتوياتها (ومنها اليورانيوم المخصب) تحسبًا لمثل هذا الهجوم، وأنها تضررت جزئيًّا، وأن منشأة فوردو قد خرجت من الخدمة مؤقتًا، واقتصرت الأضرار على محيطها فقط.
هل تنكر إيران نتائج الهجوم الأمريكي
على منشآتها النووية؟
لماذا سارعت إيران إلى الكشف عن قيامها بإخلاء منشآتها النووية من مخزونها ومحتوياتها ونقلها إلى أماكن غير معلومة، إذا كان هذا صحيحًا؟ لا سيما أن هذا الإعلان الإيراني يدفع الأجهزة الاستخبارية المعادية (الإسرائيلية، والأمريكية، والبريطانية، وغيرها) ويحفزها للتتبع، بغية الوصول إلى أماكن الاحتفاظ بهذه المكونات النووية.
من المعلوم أن الولايات المتحدة ذاتها قد تتلقى ضربة هنا أو هناك، على شاكلة استهداف جماعة أنصار الله الحوثية اليمنية، الموالية لإيران، لحاملة الطائرات “ترومان” مرات عديدة في البحر الأحمر، وإلحاق أضرار بها، وإسقاط مقاتلات أمريكية على متنها في البحر.
الاستهداف الحوثي لترومان سبق توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين أمريكا والجماعة اليمنية بوساطة عُمانية (7 /5/ 2025)، وأسفر عمليًّا عن سحب ترومان بعيدًا عن مرمى المسيرات والصواريخ اليمنية.
الولايات المتحدة لم تُعلن استهداف أنصار الله لحاملة طائراتها، وحتى عندما شنت حربًا على معاقل الجماعة الحوثية، برّرتها بحماية حركة الملاحة والتجارة البحرية الدولية. وهو ما مفاده أن دولةً ما قد تلجأ للتكتم على هجمات موجعة تلقتها، وعدم الاعتراف بها أو إنكار نتائجها، بهدفين:
أولهما، حرمان العدو المهاجم من الشعور بالنصر والزهو بتحقيق أهدافه.
ثانيهما، إعفاء الدولة لنفسها من الرد الفوري على الهجوم، أو تجنبًا لرد قد يجلب مزيدًا من الخسائر، أو لأن الرد غير ممكن لحسابات عسكرية أو سياسية.
هذا بالضبط ما تقصده إيران بإعلان استباقها للعدوان الأمريكي بتفريغ المنشآت النووية، سواء أكانت عملية التفريغ قد تمت فعلاً أم لا.
مضيقا هرمز وباب المندب..
هل يتم إغلاقهما؟
في كل الأحوال، ليس من المتوقع أن تتسرع إيران حاليًّا في الهجوم على القواعد الأمريكية التي يصل عددها إلى 24 قاعدة أو أكثر منتشرة في البلاد العربية، وتضم نحو أربعين ألف جندي أمريكي تقريبًا. خاصة أن الولايات المتحدة استبقت هجومها على المواقع النووية الإيرانية بسحب أعداد كبيرة من جنودها من هذه القواعد ونقلهم إلى أماكن أخرى، ولو مؤقتًا.
وقد لا تبادر، على الأقل في الوقت الحالي، بإغلاق مضيق هرمز البحري على الخليج العربي، الذي تطل عليه إيران، وتمر عبره نسبة 40% من البترول الخام الذي تصدره إلى الصين، الصديقة لها، وكذلك كمية هائلة من الصادرات البترولية لدول المنطقة، فهو الممر البحري الوحيد للكويت والعراق والبحرين. ومن شأن إغلاقه زيادة متاعبها الاقتصادية الممتدة منذ 46 عامًا، نتيجة الحصار المفروض عليها أمريكيًّا وغربيًّا عقب قيام ثورتها الإسلامية.
إغلاق هرمز، المستبعد حاليًّا، ربما يتبعه تدخل جماعة أنصار الله اليمنية بمنع الملاحة الدولية من المرور عبر مضيق باب المندب. إغلاق هذين المضيقين (هرمز وباب المندب) قد يشعل نيران الحرائق في المنطقة كلها، ويفتح الباب لاحتمالات حرب واسعة غير معروفة النطاق والعواقب. فقد تتدحرج الأمور إلى حرب عالمية في ظل تحفز دول حلف الناتو العسكري، الذي يضم 32 دولة، بينها قوى غربية وازنة حليفة لأمريكا وتُكن العداء للإيرانيين (مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا).
وإذا كان ترامب قد حذر إيران بأن عليها وقف الحرب، فالظن غالبًا أن إيران لن تتوقف عن قصف القواعد والمراكز البحثية العسكرية والمواقع الاستخبارية في الأراضي المحتلة، بالمُسيرات والصواريخ الثقيلة الأكثر تدميرًا للمنشآت الإسرائيلية مثلما حدث الأحد (40 صاروخًا). فإسرائيل هي التي بادرت بالعدوان على إيران. هذا لا يمنع ردًّا إيرانيًّا لاحقًا على الهجوم الأمريكي، بطريقة ما، وفي ظروف أكثر ملاءمة.
هل مات المشروع النووي الإيراني
إلى غير رجعة؟
هل انتهى مشروع إيران النووي، ومات، ودُفن تحت أنقاض منشأة فوردو؟
حسب خبراء أجانب، فإن لدى إيران التكنولوجيا اللازمة، متمثلة في قاعدة علمائها، وتمتلك المواد النووية والأجهزة واليورانيوم المُخصب بما يكفي لإنتاج خمس عشرة قنبلة نووية إذا شاءت.
ولديها مواقع نووية سرية أكثر حصانة، غير معلومة، بالتوازي مع منشآتها المقصوفة التي كانت تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وإذا تعذر عليها ذلك، فلديها دول نووية صديقة يمكنها المساعدة باستضافة خبراء إيران والمواد المخزنة في مفاعلاتها لصنع القنبلة النووية.
المانع لدى إيران ديني، يرجع إلى فتوى مرشدها الأعلى خامنئي بعدم امتلاك السلاح النووي، وهي فتوى يمكن أن تتغير في ظل العدوان الأمريكي الإسرائيلي عليها.
فليس سهلًا على الإيرانيين التنازل عن طموحاتهم على وقع هذا العدوان أو غيره. فالشخصية الإيرانية لديها تمركز حول الذات القومية لبلادهم، وشعور ضارب بجذوره في نفوسهم ووجدانهم بالتفوق الحضاري، استنادًا إلى إرث إمبراطوري فارسي، مع عقيدة دينية قوية، وقدرة على المرونة والتكيف والحذر والتأني.
وهو يفسر تبني الجمهورية الإيرانية لنهج البراغماتية السياسية، إعلاءً للمصلحة الوطنية، وتكيفًا مع الظروف المحيطة، إلى حين استرداد زمام المبادرة، دون أن تتخلى عن مبادئها وطموحاتها، والنووية منها.